الجوهرة الخالصة لشمس الدين الدامغاني... الحق ليس حكراً على أحد
صدر أخيراً عن «دار الجمل» كتاب «الجوهرة الخالصة» لشمس الدين الدامغاني، تحقيق عبد الله بن يحيى السريحي.يعرض الكتاب رسالة الدامغاني «الجوهرة الخالصة عن الشوائب في العقائد المنقومة على جميع المذاهب».
يفيد السريحي بأنه عرف رسالة شمس الدين بن عبد الله العلوي الدامغاني منذ عشر سنوات، فلفته تحرر مؤلفها وجرأته ودعوته إلى التحرر والانعتاق من أسر التقليد والتعصب المذهبي، فجمع مخطوطاتها، لكنه أرجأ إتمامها وإخراجها لعله يتحصّل على معلومات أكثر عن حياة صاحبها، لأنه لم يعثر له على ذكر سوى ما أورده إسماعيل باشا البغدادي في «هدية العارفين» وفي «إيضاح المكنون»، وهي معلومات لا تستند إلى أي مصدر سوى الرسالة نفسها وتاريخ نسخها الذي استدل منه على زمن المؤلف.كذلك يورد السريحي بعض ملامح سيرة صاحب المخطوطة وشخصيته، فالدامغاني نشأ في العراق وارتحل في طلب العلم إلى مختلف أقطار العالم الإسلامي كما علماء ذلك العصر. ويذكر أن صاحب المخطوطة كان على مذهب الإمامية في مطلع حياته، لكن رحلاته في طلب العلم واطلاعه الواسع على مختلف المذاهب الإسلامية واحتكاكه بأتباعها أوصلته إلى قناعة بالتحوّل عن مذهبه، والعدول عنه إلى رحاب الإسلام الواسع.يرى السريحي أن أصحاب هذا النهج يتميّزون عادة بالموضوعية والتسامح والبعد عن التعصّب، بعكس الذين يتحوّلون من مذهب إلى آخر، إذ يصبح هؤلاء أشد عصبية من سواهم. ويرجح السريحي بأن يكون المؤلف عاش في القرن السابع الهجري، ويستدلّ على ذلك بما ذكره المؤلف في مخطوطته أنه مضى على غيبة الإمام الثاني عشر أربع مائة سنة وكسور.وبحسب السريحي، فرسالة الدامغاني «الجوهرة الخالصة عن الشوائب في العقائد المنقومة على جميع المذاهب» تحتوي على تمهيد ومقدمة وفصلين؛ في التمهيد يوضح المؤلف دواعي تأليف رسالته، وأنه ألفها استجابة لرجاء صديقه عبد الحق بن عبد المجيد بن عبد الوهاب الذهبي الذي التبس عليه الحق، فلم يعرف ما هو المنهج الصحيح الذي ينبغي أن ينتمي إليه نتيجة اختلاف المذاهب وادعاء كل منها أنه على حق، وما عداه ليس على شيء.طلب الحقيعتبر الدامغاني أنه على السائل أن يطرح التعصب ويتحرى في طلب الحق لنفسه ولا يبالي أين وجده، ولا يغتر بالدعاوى ولا بكثرة أتباع كل فرقة، فالحق ليس حكراً على أحد وليس مرتبطاً بكثرة ولا قلة، بل ربما تكون الكثرة مذمومة كما وردت الإشارة إلى ذلك في نصوص كثيرة من القرآن الكريم والحديث الشريف.يرى المؤلف في الفصل الأول أن الفرق الإسلامية كلها التي ظهرت في تاريخ الإسلام انقرضت أو اندمجت مع فرق أخرى في عصره إلا فرقتان رئيستان: السنة والشيعة، وفي صفوف أهل السنة بعض التيارات الفرعية، وبقي في صف الشيعة ثلاث فرق: الإمامية والزيدية والإسماعيلية فحسب. ويتناول بعد ذلك المؤلف المآخذ التي يراها على كل فرقة، بدءاً بأهل السنة ثم الزيدية والإمامية والإسماعيلية، ويعتمد في هذا الفصل على ما جاء في كتب المقالات والملل والنحل. أما الفصل الثاني والأخير فضمّنه الكاتب نتائج بحثه وخاتمته وأهمها: أنه لا يرى شيئاً مما ذكره من المآخذ على المذاهب الإسلامية. ولا يرى تكفير أحد من أمة إلا من ظهر كفره كالباطنية. وينصح السائل إن كان قادراً على الاجتهاد ألا يقلد أحداً، وأن يجتهد ويتحرى الحق لنفسه، وإن لم يكن قادراً على الاجتهاد فعليه البحث في سيرة من يقلده من العلماء، فإذا رضي طريقته ومنهجه وزهده وفضله فليقلده، أما إذا كان لا بد له من تقليد مذهب بعينه فإنه يرشح له الصوفية من أهل السنة، والزيدية من الشيعة، باعتبارهما من خيار الفرق الإسلامية، ولهما سابقة في الفضل والزهد والبعد عن التكالب على الدنيا.يشير المؤلف في رسالته إلى أن السنة يعتقدون تفضيل الخلفاء المتقدمين على علي وأنهم أولى بمقام الرسول، وينقسم السنة إلى فرق جمة أعظمها حسوية وجهمية وأشعرية. بينما يرى أن الشيعة هم الذين يعتقدون أن علي بن أبي طالب أفضل الصحابة ثم ولده الحسن ثم الحسين ثم ذريتهما، والشيعة في الفروع على مذاهب أئمة غير أئمة أهل السنة، وهم الآن على ثلاث فرق: زيدية واثنا عشرية وإسماعيلية.السنّة والشيعةيبدأ الدامغاني رسالته بمآخذه على أهل السنة، فيزعم أنهم «يقولون بالتجسيم والتشبيه للملك الجليل، ويعتقدون أن القرآن قديم مع قدم الله، ويزعمون أن الله هو الفاعل للكفر في الكافر، وأن الكفر والمعاصي بإرادة الله ومشيئته، وأن الله ما خلق الكفار إلا للكفر والمسلمين إلا للإسلام، وأن أطفال الكفار يدخلون النار مع آبائهم، وأن الله يرى بالأبصار في الآخرة، وموالاتهم للسلاطين الفجرة والجورة ومساواتهم بالخلفاء الراشدين، وقبولهم رواية المجروحين والصبيان والعوام في الحديث، وغض النظر في البدع التي توافق هواهم، واستهانتهم بالقرآن الكريم، وتسويتهم بين الصحابة، وإدخالهم في الدين ما ليس منه، واتهام بعضهم البعض بالتفسيق والتكفير، وإحداثهم البدع في صلاة التراويح، واعتقادهم أن مشائخ الصوفية في منزلة الأنبياء، وقلة محبتهم لآل البيت».أما الشيعة فيقسمهم الدامغاني إلى ثلاث فرق ويورد مآخذه على كل فرقة منهم:- الزيدية هم الذين ينسبون إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وأصحاب هذه الفرقة، بحسب المؤلف، يعتقدون أن النبي لا يشفع لعصاة الأمة، ويعتقدون أن الإنسان لا يدخل الجنة إلا بعمله، ويكفرون المخالفين لهم في العقيدة، ويبالغون في شروط اختيار الخليفة، ويقولون بجواز خليفتين في زمان واحد، بالإضافة إلى وسوستهم في وضوئهم وصلاتهم وعقيدتهم، ومخالفتهم لإمامهم زيد بن علي.- الإثنا عشرية الذين يعتقدون أن الأئمة بعد النبي هم اثنا عشر رجلاً: علي والحسن والحسين وتسعة من أبناء الحسين، ويسمون الرافضة لرفضهم زيد بن علي وليس كما يشيع بين العامة لرفضهم لأبي بكر وعمر. وبعد تعداد فروع الإثنا عشرية يزعم المؤلف أنهم لا يأخذون أصول مذهبهم عن أئمتهم، ولا يأخذون بالقياس والاجتهاد وبأحاديث الآحاد، ويزعمون أن أئمتهم يعلمون الغيب، وأنهم شيعة أهل البيت مع سبهم لأهل البيت جميعاً إلا الإثني عشر، ويسبون الصحابة وصلحاء الأمة، ويضللون البسطاء والعامة للدخول في مذهبهم، ويزعمون أن الحسن بن علي بن أبي طالب انقطع نسله، ولا يقيمون الجمعة والجماعة، ويبيحون المحرمات كالمتعة، ويجيزون نكاح الزوجة في دبرها ويحلون ما استقبحه العقل وما حرمه الله، ويجيزون على الله البداء والتقية.- الإسماعيلية، يؤكد الكاتب أنهم الآن باطنية ملحدة كافرة بالإجماع ليسوا من أمة محمد إلا في الظاهر لأنهم ينكرون الوحي. ويفيد أن ألقاب الإسماعيلية كثيرة من بينها: باطنية وقرامطة وقرمطية، وخرمية وبابكية، وخدمدينية، وإسماعيلية، وسبعية، وبابكية، ومحمرية، وتعليمية، وأهل الدعوة، والمزدكية. أما الفرق بينهم وبين الإثنى عشرية هي أن أئمتهم سبعة فقط، ومنتظرهم غير منتظر الإثنى عشرية، ويعتقدون إمامة إسماعيل من دون الإثني عشرية. أما مآخذ المؤلف عليهم فهي اعتقادهم تأثير النجوم والحساب، وادعائهم أن أئمتهم ودعاتهم يغفرون الذنوب، وعزوفهم عن القرآن والسنة، واعتقادهم بالتناسخ، وتشكيكهم في الشريعة وفي البعث والجزاء، ومخالفتهم للأمة في الصلاة والزكاة والميراث. يؤكد السريحي أن صاحب المخطوطة لم يسعَ إلى نصرة فرقة على حساب أخرى، ولا إلى إذكاء النعرات الطائفية الرائجة في أيامنا. فالدامغاني جمع في ثنايا رسالته معظم نقاط الخلاف التي عكرت صفو العلاقة بين المسلمين، سواء في الأصول أو الفروع، وتبادلت الفرق بسببها تهم التفسيق والتكفير، وما نتج من تلك الخلافات من إهدار للوقت والجهد والجدل حولها، والتعصب لها أو ضدها لما يزيد على ألف عام، ثم ما ترتب عليها من إحلال للدماء واستباحة للحرمات والأموال والأعراض، وما تزال الدماء تنزف بغزارة بسببها في مختلف بقاع العالم الإسلامي ابتداءً من الجزائر ومروراً بالعراق حتى باكستان، بسبب إثارة دعاة الفتنة والطائفية لمثل هذا الرصيد التاريخي من الخلافات التي تجاوز معظمها الزمن ولم يعد لإثارتها من مبرر سوى الجهل والتعصّب.