آمال بكّير يا كويت

نشر في 02-04-2009
آخر تحديث 02-04-2009 | 00:00
 محمد الوشيحي ذات صباح باريسي شتوي، اصطحبني فرنسي من أصل لبناني إلى مستشفى لزيارة أحد الأصدقاء. البرد قارس والكل يغطي أذنيه ويتراقص، أو يتراجف. لسنا وحدنا من شعر بالبرد، المباني كذلك كانت تغطي أذنيها وتفرك كفّيها بقسوة وتضيّق ما بين منكبيها. البرق يُخجل الشمس ويمزق وجه السماء بلا رحمة، والرعد يصرخ من قاع جوفه ويقرع طبول الحرب، وكأنهما – الرعد والبرق - ينذراننا: «لا تقولون ما قلنا لكم وخذيناكم على خوانة». منظر يذكرك بلقطات الغوريلا عندما ترفع رأسها إلى السماء وتصرخ ملء جوفها وتضرب صدرها بقبضتيها قبل هجومها على الفريسة.

وفي لحظة مشهودة، أنهى الرعد والبرق مهمتيهما بنجاح وتراجعا إلى الخلف، واختفيا وبقي صدى صوتيهما «ألا هل بلغنا، اللهم فاشهد». وتقدمت الغيوم الصفوف، يد على ظهرها والأخرى على بطنها، تتمايل كتمايل الحامل، ثم تربّعت وأطلقت آهاتها، وهات أشوف...

لأول مرة أشاهد منظرا كهذا. السماء كانت غاضبة، تبكي بحرارةِ مَن فقدت ابنها الوحيد، أو كأنها أكلت لقمة سامة فوضعت أصبعها في فمها واستفرغت كل ما في جوفها. يا الله سيجف مخزون السماء بالتأكيد بعد هذا الصباح. كانت تنثر ماءها بانتقام وإسراف، وأظنها لن تجد ما يكفيها للطبخ، وستستجدي الجيران. الإسراف عواقبه وخيمة، وبعدما رفعت المظلات الرايات البيضاء... تسابقنا نحن المارة إلى الجدران طلباً للرحمة سباقَ حياة وموت، والتصق بعضُنا ببعض لشدة الزحام، وكأننا نتواصى بالثبات في وجه هذه الغاضبة العنيفة... لحظتذاك، حبكت معاي السوالف في عز المعمعة فالتفتّ إلى صاحبي وقلت: «سحقا لكم، لماذا أغضبتم السماء إلى هذا الحد أيها الفرنسيون الفسقة؟» فأجابني ضاحكا: «يا عمي حساسة كتير هالسماء، هيئتها جابت معها سماوات تانيين يساعدوها بكبّ المييّ»، قلت: «تفقد المحيطات يرحمني ويرحمك الله، يبدو أن أحدها ذهب في مشوار سريع إلى السماء وها هو يعود إلى موقعه على الأرض»، ووعدني ذلك، سيتفقد المحيطات وسيخبرني... وبعد نحو ساعة من الغضب المدرار، استقر المحيط في موقعه، واكتفت السماء بما فعلته بالأرض، فمسحت دموعها وأغلقت فمها الشاغر ولوّحت لنا سحبها بكفوف الوداع، فودّعناها بزفرات ارتياح صادقة: «بحفظ الله، ما تشوفين شر».

ما هالني، هو أن الشوارع لم تتوقف أبدا، وأن الحياة عادت إلى طبيعتها، للدرجة التي دفعتني إلى التساؤل؛ هل ما حدث قبل قليل كان حفلة تنكرية، أو كاميرا خفية، ويجب الآن أن نتبادل الضحك والأحضان بعدما عرفنا موقع الكاميرا؟. قلت لصاحبي: «لو عطست السماء عندنا في الكويت، عطست فقط، لعقدت الحكومة جلسة طارئة ولتوقفت الشوارع عن التنفس، ولتسابق شيوخ الفتاوى مئة متر حواجز «هذا غضب رباني بسبب ستار أكاديمي، لا بسبب سوبر ستار، لا بل هلا فبراير»، ولتقدم بعض تجارنا بعروضهم لحل المشكلة واستيراد شوارع لا تعمل، كما فعلوا في طوارئ الكهرباء... بينما تشرب شوارعكم كل هذه الكميات من الماء وهي جالسة في المقهى تواصل حديثها على الموبايل مع حبيبها، وكأن شيئا لم يكن!». فقال: «هون ما تعتل همّ خيّي»، ثم أشار إلى عقلة أصبعه «الكويت هالقدّ وفلوسكن يا ما شاء الله»، قلت: «هذا بلا أبوك يا توني».

قلت له ذلك وأنا أتخيل شوارعنا الغارقة، وأتخيل حكومتنا مجتمعة كالعادة، وتلفزيونها يبث الأغاني الوطنية، وقنواتها الخاصة تلقي باللوم في حضن «نواب التأزيم». هاهاها.

بالتأكيد ستغرق الكويت في شبر ماء، أو عطسة سماء. فحكومة تحارب الفرعيات، أو تدّعي ذلك، على اعتبار أن اختيار القادة يجب ألا يرتبط بصلة القرابة، ثم تختار (الحكومة) ستة من وزرائها من أسرة واحدة، الأسرة الحاكمة، بالتأكيد ستغرق وستغرقنا معها. ولا أدري هل يظن الشيوخ أنهم يحبون أبناء عمومتهم أكثر مما نحب نحن أبناء عمومتنا. يجوز. ثم تختار بعد ذلك أحمد باقر (هذا الوزير، لو مات لا قدر الله بعد عمر طويل، لأغلقت الحكومة أبوابها ولباعت أثاثها مستعملا)، ثم تختار بعد باقر عبدالهادي الصالح ليقوم بتوزيع كتيبات فضل صيام عاشوراء، أو قصة معركة الجمل، وتختار عبدالواحد العوضي الذي سيدخل الحكومة مرتديا قفازاته حتى لا تبقى بصماته على الباب، وقس على ذلك يا صاحبي... بالتأكيد ستغرق الكويت، وستبقى كذلك لأنها «صغيرة» في عيني حكومتها، و«بكّير بعدك يا صغيرة، بكّير تتصيري كبيرة، بكّير بعدك ع الغيرة، بكّير».

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top