امتداح الصين؟

نشر في 06-05-2009
آخر تحديث 06-05-2009 | 00:00
 بلال خبيز السياسيون العرب- خصوصاً من يعتبرون أنفسهم جزءاً من الحركة السياسية والعسكرية التي تقودها طهران، وتهدف إلى هزيمة أميركا، أقله حتى تاريخ قريب- يمدحون الصين من غير ملل، ومن يعتبر نفسه حصيفاً من بينهم أو مفكراً مفوهاً، يستسهل إطلاق وجهات نظر في مديح السياسة الاقتصادية الصينية ليل نهار.

وليس ثمة سبب يدعو كاتب هذه السطور لذم الصين، وثمة أسباب لا تحصى لذم السياسيين. ذلك أن هؤلاء السياسيين يتخذون مواقف حاسمة وغير قابلة للمناقشة والأخذ والرد في ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية التي تتبعها الحكومات في بلادنا العربية. خصوصاً في تلك التي تعاني اضطرابات بنيوية في بنيانها الاقتصادي، كحال لبنان أو تونس مثلاً. زعماء المعارضة اللبنانيين، توخياً لحصر المسألة في بلد بعينه بوصفه مثالاً يمكن تعميمه، يعترضون على الحكومة اللبنانية الحالية والحكومات السابقة أيضاً، باعتبار أنها لا تولي الأزمة المعيشية اهتماماً كافياً ولا تساهم مساهمة فاعلة في حل هذه المشكلة المزمنة في لبنان. هؤلاء يحسبون أن مثل هذه المهمات تلقى على عاتق الحكومات وخططها الاقتصادية، بدلاً من أن تلقى على عاتق الدولة برمتها، معارضة وموالاة. فالأزمة المعيشية ليست هي الأزمة الاقتصادية، وهذا يعيدنا إلى الصين الممدوحة والمحبوبة.

في الصين ثمة ازدهار اقتصادي مازال مستمراً منذ عقود وعلى وتيرة عالية جداً. ورغم أن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية ضربت عصباً أساسياً من أعصاب النمو الصيني، يتعلق بهبوط مستوى الاستهلاك الأميركي على نحو دراماتيكي، فإن الصين مازالت تشهد نمواً اقتصادياً يستحق الثناء والتقدير. لكنها تعاني أزمة معيشية حادة وخانقة، ذلك أن مقياس الأزمة المعيشية لا يتوافق تماماً مع مقياس الأزمة الاقتصادية.

الدخل القومي الصيني يشهد نمواً متسارعاً، لكنه لايزال دون الحد الذي يتيح للصين ادعاء أنها تجاوزت محنتها المعيشية المزمنة. حاصل قسمة الدخل القومي على دخول الأفراد يظهر صورة قاتمة للأحوال المعيشية في الصين. رغم حجم الاقتصاد الهائل إلا أن نصيب الفرد من ارتفاع دخله الصافي مازال رقيق الحاشية إذا ما قورن بأحوال الأفراد ودخولهم الصافية في بلدان تشهد تعثرات اقتصادية، كحال إسبانيا أو البرتغال. وطبعاً ليس ثمة وجه للمقارنة بين حجم الدخل الفردي الفرنسي أو الأميركي أو الألماني وحجم الدخل الفردي الصيني. الفرد الصيني فقير، لكن الاقتصاد الصيني هائل الحجم. في المقابل ثمة دخل فردي مرتفع في لبنان نسبياً، لكن الاقتصاد يعاني أزمات بنيوية.

الشروع في هذا المبحث الذي يحتمل مطولات كثيرة، لم يكن ليكون ملحاً لولا هذا اللغط الحاصل في لبنان حول المشاريع الاقتصادية للحكومة والمعارضة. حيث تفترض المعارضة التي يقودها «حزب الله» أن إسهام الحكومة في مد يد العون للمعوزين والفقراء هو بيت القصيد في خطط المعارضة الاقتصادية، أما من أين يأتي المال؟ وكيف يحصل النمو؟ فهذا مما لا شأن لها به. بل إن «حزب الله» يدفع رواتب لأكثر من مئة ألف متفرغ، بحسب بعض التقديرات، لقاء مساهمات هؤلاء في أعمال أمنية وعسكرية خارج لبنان وداخله. وهذا في حد ذاته قد يساهم في تخفيف وطأة أزمة معيشية من دون شك، لكنه من جهة ثانية يعطل ويعوق إمكانات النمو الاقتصادي المطلوب. من خلال تعطيل شريحة واسعة من الشباب اللبنانيين عن المساهمة في الإنتاج والتطور والنمو، بل إن هذا الحزب وحلفاءه لم يتردد لحظة واحدة في الاعتصام في وسط البلد لعام كامل، معرقلاً باعتصامه هذا دورة اقتصادية طبيعية. ومع ذلك لا يكف مفوهو المعارضة اللبنانية عن ادعاء النطق بمصالح الفئات الشعبية والمتضررة والأكثر فقراً في المجتمع. ولو أن مثل هذا حصل في الصين، أي لو أن الحكومة الصينية أولت اهتمامها البالغ لتوزيع الثروات وضربت عرض الحائط بالدعوة لإيلاء الأهمية القصوى لتحسين وسائل الإنتاج والاستثمار، لما تحولت الصين إلى لاعب اقتصادي مهم على المسرح العالمي، ولبقيت بلداً من المعوزين الذين يحتاجون الإعانة والرعاية والمساعدة.

والحق أن الخلط بين الأزمة الاقتصادية والأزمة المعيشية واعتبارهما شأناً واحداً هو ما يسمح لمثل هذه السياسات أن تنمو وتلقى آذاناً صاغية، ومن دون التفريق بين النمو الاقتصادي المطلوب والمرغوب وضرورة مساهمة القوى السياسية والاجتماعية جميعاً في تحسين شروطه، وبين واجب العناية بالفئات المتضررة والفقيرة والمعوزة، لا يستقيم عود الاقتصاد ولا يحصل نمو من أي نوع.

* كاتب لبناني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top