حيث انتصر الدم على السيف!

نشر في 23-05-2009
آخر تحديث 23-05-2009 | 00:00
 بلال خبيز يعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن الخطر الأكبر على دولة إسرائيل اليوم يتمثل في إيران النووية. لإيران النووية يحضّر نتنياهو جيش إسرائيل القوي، وربما الرؤوس النووية المخزونة منذ عقود. الآباء المؤسسون لإسرائيل النووية، بعضهم مازال حياً، يفركون كفاً بكف فرحاً اليوم، ألم ينشأ مفاعل ديمونا تحسباً لمثل هذا اليوم؟ ها قد حل اليوم الذي أصبح فيه التهديد النووي جدياً، إذا لم يكن النووي الإسرائيلي قد أعد لمواجهة هذا الاحتمال فلماذا تم إعداده؟

الخطر الأكبر على إسرائيل إيراني المصدر، وعليه فلماذا تستعجل حلاً دائماً مع الفلسطينيين؟ وحيث إن المعركة التي ينبغي، بحسب نتنياهو، أن يصب عليها كل جهد حكومته، خطيرة للغاية وتستلزم جهداً عالمياً وليس إسرائيلياً فحسب، لم يعد لدى هذه الحكومة وقت لمعالجة قضايا تفصيلية كمثل إعطاء الفلسطينيين الحق بإقامة دولة، لن تختلف كثيراً أو قليلاً عن دولة الضفة الغربية. هذه باتت قضية تفصيلية بمعنى من المعاني، لأن إسرائيل تواجه خطرا وجودياً ماثلاً، وليس محتملاً.

ثم إن هزيمة إيران ومنعها من تحقيق طموحاتها سيجعل الحدود الجنوبية والشمالية لدولة إسرائيل آمنة نسبياً لسنوات طويلة مقبلة. ما يجعلها تؤجل إلى ما لا نهاية حل الدولتين.

لا يخفي هذا المنطق أن حكومة إسرائيل الحالية ترى حلاً وحيداً للملف النووي الإيراني، وهو حل عنيف بالضرورة، لكن الحكومة الإسرائيلية لا ترى مفراً من اعتماده، بل إن ما يعصمها عن المباشرة فيه ليس أكثر من كلفته الباهظة، وإذا ما اكتمل النصاب الدولي اللازم والملائم فإن الشروع في قصف المفاعلات النووية الإيرانية يصبح أمراً مفروغاً منه.

البعض يرى أن الوصول بالملف النووي الإيراني إلى خاتمة ترضي إسرائيل، قد يضعف احتمالات القبول الإسرائيلي بانسحاب من أراضي 1967 وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. فعندما يضمحل التهديد الوجودي لإسرائيل لن تعود ملزمة بتقديم تنازلات على مستوى القضية الفلسطينية، وإذا ما نفذ نتنياهو وعوده بالهجوم على المفاعلات النووية الإيرانية ونجح في تدميرها، فذلك سيتيح له استعادة قوة إسرائيل الردعية في المنطقة، ويعزز من هيبتها وسطوتها، مما يبعد شبح أي تهديد جديد لعقود إضافية.

لكن ما يتجاهله نتنياهو هو بالضبط وزن القضية الفلسطينية الذي تحقق عالمياً، وهذا رأي يتقاطع مع رأي إيراني يفيد هذه الإفادة، فالإيرانيون ينظرون إلى العالم بمنظار ما كان عليه العالم يوم استلم الإمام الخميني سدة السلطة. بوصف القضية الفلسطينية ملحقة بالقضية العربية العامة، وإذا ما تم الاتفاق مع مصر وسورية والأردن بمباركة عربية عامة، فلا يعود من مبرر لوجود دولة فلسطينية مستقلة. بل إن بعض قادة الليكود التاريخيين مازالوا يجهرون بهذه الفكرة: لقد تكفلت دولة إسرائيل بمعالجة قضية فلسطينيي 1948 وعلى الأردن أن يتكفل بمعالجة قضية الضفة الغربية والشرقية معاًَ وتقوم مصر بدور الإشراف على قطاع غزة، وضمه إليها. القادة العرب من جهتهم يدركون إدراكاً حاسماً أن الفلسطينيين حققوا على مدى سنوات نضالهم شخصيتهم الوطنية، وحازوا اعترافاً دولياً شاملاً بحقهم في إقامة دولة. لكن الخلافات مازالت تقوم على شكل هذه الدولة وحدودها وطبيعة نظامها وقواها السياسية. وهذا أمر حسم فيه الفلسطينيون منذ أوسلو على وجه التحديد. مما يجعل الحديث اليوم عن توازن القوى العسكرية بوصفه الطريق الوحيد للحصول على الحقوق المسلوبة على ما يكرر القادة الإيرانيون وقادة حزب الله وحركة «حماس» بلا كلل، حديثاً لا جدوى منه. فميزان القوى الفلسطيني-الإسرائيلي لا يقاس بعدد الدبابات والمدافع التي يملكها كل طرف، بل بحضوره الدولي والعربي بشكل عام. وحيث إن تجاهل الشعب الفلسطيني وحقوقه لم يعد ممكناً، لا في أوروبا ولا في أميركا، ولا حتى في إسرائيل نفسها، فإن النقاش ينعقد اليوم على حدود هذه الحقوق ومداها السياسي والحقوقي والقانوني.

لكن نتنياهو الذي مازال يقرأ في كتاب الثمانينيات والسبعينيات من القرن الماضي، يحسب أنه يستطيع أن يتجاهل هذه الحقوق أو على الأقل يستطيع وضعها في أسفل سلم الأولويات، والحال، ليس الملف النووي الإيراني مرتبطاً على نحو مباشر بالملف الفلسطيني، وهذا ما تدركه إدارة أوباما جيداً، التي تدعو إسرائيل لفصل الملفين. لأن هزيمة إيران لن تُضعف الاهتمام بالملف الفلسطيني عالمياً وعربياً بطبيعة الحال. فهذا ملف لم يحصل مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي إن تم وزنه بحساب القوة العسكرية البحت. لطالما كان الميزان مختلاً اختلالاً ساحقاً لمصلحة إسرائيل، وعلى أرض فلسطين يمكن للمرء التقرير أن الدم انتصر على السيف فعلاً. أما انتصارات الرئيس أحمدي نجاد الإلهية، من جنوب لبنان إلى غزة وصولاً إلى طهران، فلم تكن غير اعتداد بالسيف الإيراني وتوابعه، ولم تقم مرة وزناً للدم.

* كاتب لبناني

back to top