مُنظِّر الجماعة الإسلامية في مصر لـ الجريدة: تنظيم سيد قطب خطط للإطاحة بعبدالناصر والخلاف كان على السلطة

نشر في 22-07-2008 | 00:00
آخر تحديث 22-07-2008 | 00:00
No Image Caption

بعد مرور 54 عاماً على الخلاف أو «العداء التاريخي» بين الإسلاميين ونظام الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، وفي الذكرى الـ56 لثورة يوليو، يرى نائب رئيس مجلس شورى تنظيم «الجماعة الإسلامية» المحظورة في مصر الدكتور ناجح إبراهيم، أنه لم يكن عبدالناصر على خصومة مع جماعة «الإخوان المسلمين» والدليل أنه «أعاد لها مشروعيتها القانونية»، لافتاً إلى انه «على الرغم من ذلك حاول بعض أفرادها اغتياله في حادث المنشية»، مشيراً إلى أن «النظام الخاص- الجناح العسكري للإخوان- قام بذلك من دون الرجوع إلى المستشار حسن الهضيبي مرشد الإخوان آنذاك».

ويلفت إبراهيم إلى أن تنظيم الشيخ سيد قطب، الذي حُكِم عليه بالإعدام عام 1966 بعد اتهامه بالتآمر لقلب نظام الحكم، هو تنظيم مسلح حقيقي كان يخطط للإطاحة بنظام عبدالناصر لكنه ضُبِط في مراحل تكوينه الأولى.

ويؤكد منظر «الجماعة الإسلامية» في حواره مع «الجريدة»، أن الخلاف بين عبدالناصر و«الإخوان» كان نزاعاً على السلطة وليس خلافاً على الإسلام والدين كما يدعي البعض.

وفي ما يلي نص الحوار:

• في ظل التغيرات التي طرأت على فكر «الجماعة الإسلامية» في السنوات العشر الأخيرة، ما تقييمكم كمنظر للجماعة وعضو في مجلس شورتها لمرحلة حكم الرئيس عبدالناصر في الذكرى الـ56 لثورة يوليو؟

- يمكن أن أقسّم فترات حياتي بالنسبة لعلاقتي ومشاعري تجاه الرئيس جمال عبدالناصر إلى ثلاث مراحل: الأولى الإعجاب والحب الشديد له، وشعوري أن له قدرات خارقة تختلف عن أي رئيس في العالم كله. لهذا اشتركت في جنازته وأنا طالب في السنة الأولى من الثانوية، واستمرت هذه المرحلة معي منذ طفولتي وحتى انتمائي للحركة الإسلامية في الجامعة. هذا الحب الشديد للرئيس عبدالناصر نشأ وترعرع في نفسي لأنني نشأت في أسرة وطنية كمعظم الأسر المصرية.

وبعد انتمائي للحركة الإسلامية، بدأ الإعجاب والحب لعبدالناصر يزول، وذلك بعد أن سمعت من دعاة وعلماء الإخوان المسلمين ما صنعه عبدالناصر بـ«الإخوان» خاصة والإسلاميين عامة، من تعذيب وسجن وإعدام ومحاكم عسكرية عامي 1954 و1965، خصوصا أن هؤلاء الدعاة أفهمونا أن حادث المنشية هو تمثيلية... وأن تنظيم عام 1965 كان تلفيقا ً للشيخ سيد قطب ومن معه من المباحث الجنائية العسكرية. كانت تلك المرحلة الثانية من مراحل علاقتي بنظام الثورة وبالرئيس عبدالناصر.

كنا في تلك الفترة شباباً لديه حمية دينية قوية وإنفاذ قوي لعقيدة الولاء والبراء، ولم يكن عندنا تمحيص أو تدقيق تاريخي لفحص هذه الأحداث، ولم يكن لدينا كذلك فلسفة الحكم على الإنسان بمجمل حسناته وسيئاته، فكان عندنا لونان فقط أبيض وأسود، فمن كان ضد الحركة الإسلامية فهو محارب للإسلام. وهو كالثوب الأسود الذي لا يعرف البياض أبدا، ومن كان من دعاة الإسلام والحركة الإسلامية فهو كالثوب الأبيض الذي لا يقربه الغبار.

وفي السجن بدأت المرحلة الثالثة، وهي مرحلة الدراسة الشاملة والبصر العميق لكل ما حولنا، إذ الوقت المتسع ووجود الكتب بأنواعها المختلفة مع التفكير العميق في كل شيء، وقبل ذلك كله التجرد لله سبحانه وتعالى في الحكم على الأشياء وترك نظرية الأبيض والأسود فهناك مزيج كبير من الألوان في منتصف المسافة بينهما، مع دراسة الإيجابيات والسلبيات لكل شخص، ومعرفة أن الحركات الإسلامية وكذلك الدول الإسلامية تختلف عن الإسلام نفسه، فالإسلام معصوم ولكنها غير معصومة تصيب وتخطئ لها حسنات وسيئات. ولكن أكبر حسنة عندها هي أنها جعلت الإسلام مرجعية لها، ولكنها قد تخطئ في العمل بهذه المرجعية لهوى شخص أو طلب دنيا أو السعي وراء الجاه والسلطة، ولكن ليس هذا هو الأصل والأساس في عملها وسعيها.

ومما يميز الجماعة الإسلامية عن غيرها شجاعتها ومصداقيتها، فإذا حاربت حاربت بشجاعة، وإذا سالمت سالمت بمصداقية وشفافية وأمام الجميع، ولذا كان لزاما ًعلينا النظر والتفكير من جديد في أمر الرئيس عبدالناصر ودراسة تاريخه مع «الإخوان» دراسة عميقة بعيداً عن نظرية المؤامرة التي شاعت في الحركة الإسلامية طويلاً.

•وما نتيجة تلك الدراسة العميقة والطويلة- على حد وصفكم؟

- إن الرئيس عبدالناصر لم تكن له خصومة مع الإخوان من قبل، بل إنه حلّ كل الأحزاب والتنظيمات وأعاد جماعة «الإخوان» لمشروعيتها القانونية، وبهذا يكون قد أحسن إلى «الإخوان» في البداية.

إن حادث المنشية هو محاولة حقيقية لقتل عبدالناصر، وإن «النظام الخاص» وهو الجناح العسكري لـ«الإخوان»، قام بذلك فعلاً ولكنه لم يستأذن في ذلك المرشد المستشار الهضيبي الأب «رحمه الله».

وتنظيم الشيخ سيد قطب خطط للإطاحة بنظام عبدالناصر وهو تنظيم مسلح حقيقي، ولكنه ضُبِط في أولى مراحل تكوينه، ولكن المشير (عبدالحكيم) عامر والمباحث الجنائية العسكرية ضخموا من خطره ليوهموا عبدالناصر أنهم حماته الحقيقيون.

• يبدو من كلامك أنك تبرئ نظام عبدالناصر وتحمّل المسؤولية كلها لجماعة الإخوان المسلمين؟

- ليس صحيحاً فعبدالناصر أخطأ بتجاوزه لكل القوانين والأعراف من سجن وتعذيب واعتقال وقتل في السجن الحربي، وكذلك استخدامه للمحاكم العسكرية التي لم يستخدمها الملك نفسه في قضية السيارة الجيب أو قتل النقراشي.

نفس الانتهاكات التي حدثت سنة 1954 تكررت بشكل أوسع منها سنة 1965 في السجن الحربي، إذ إن الفاجعتين تعدان من أفظع انتهاكات حقوق الإنسان في العصر الحديث، وهما اللتان رسّخا سياسة التعذيب واسع النطاق في مصر الحديثة.

• بما تصف الخلاف بين عبدالناصر و«الإخوان»؟

- الخلاف بين عبدالناصر والإخوان نزاع على السلطة والنفوذ... وليس خلافاً على الإسلام والدين. لكن عبدالناصر أو من حوله استغلوا هذا الخلاف بعد ذلك للتضييق على الدعوة الإسلامية بكاملها، وإشاعة الأفكار المناهضة للإسلام، وتعيين كل المعادين للفكرة الإسلامية في أماكن التوجيه والإعلام والتثقيف، وهؤلاء هم الذين رسّخوا العداوة الحقيقية بين الدولة والإسلام نفسه.

إن الحركة الإسلامية ممثلة في جماعة «الإخوان» أخطأت في هذا العصر برفضها التعامل والتعاون مع عبدالناصر لتتركه لأصحاب الفكر اليساري الذين أحسنوا استقطابه، وأخطأوا كذلك بمحاولة قتله في سنة 1954 أو الانقلاب عليه سنة 1965. أو الاستخفاف بقدراته في بداية الثورة وعدم الاهتمام، خصوصا من قبل المرحوم المستشار الهضيبي (الأب) الذي وصف بتكبره الشديد وتعاليه عليه بحسب شهادات من عاصروه.

• بعيداً عن علاقة عبدالناصر بـ«الإخوان»، ما تقييمكم للتجربة الناصرية إجمالاً؟

- الكلام عن تجربة عبدالناصر خارج إطار تعامله مع الإسلام والحركة الإسلامية تحتاج إلى كلام كثير ليس هذا مجاله. ولكنه عموماً اجتهد قدر طاقته في تحديث مصر وتطويرها من كل النواحي، وأرى أن أهم ما صنعه هو جهوده الحثيثة في استقلال القرار الوطني المصري، بحيث يكون نابعاً من الإرادة المصرية الخالصة ويصب مطلقاً في مصلحة مصر كما تصورها وقتئذ.

• تعدون الآن ملفاً عن تقييم التجربة الناصرية تمهيداً لنشره على «الموقع»، ما السر وراء اهتمامكم هذا العام بالتجربة؟

- قد ذهبت إلى الحج في العام الماضي وذهلت أن معظم الحجاج يحبون عبدالناصر حباً شديداً، علما بأنه مر على وفاته قرابة 37 عاماً وبعد غياب كل المؤثرات الإعلامية التي تؤثر فيهم. فتساءلت: ما السر في ذلك؟ وقلت لنفسي: لعل السر هو أنه كان يضمن لكل إنسان في مصر وظيفة يتكسب منها ويبتعد بها عن الحرام، أو لنظافة يده وبعده وأسرته عن الحرام أو لتصديه لأطماع إسرائيل في المنطقة ومواجهته لها حتى وإن أخفق في ذلك، والله أعلم بسر ذلك، فهذه المحبة لا تدوم بعد هذه السنوات الطويلة من حكم عبدالناصر إلا إذا كان بينه وبين الله شيء لا يعلمه إلا الله.

back to top