العداوة والعدوان

نشر في 20-04-2009
آخر تحديث 20-04-2009 | 00:00
 د. حسن حنفي العداوة بين الإخوة الفلسطينيين خاصة بين «فتح» و«حماس» مثل عدوان اليهود في السبت، عدوان على الميثاق الوطني الفلسطيني، وعدوان على الثوابت الفلسطينية.

نظراً للخلافات العربية العربية التي تصل أحيانا إلى الاشتباكات المسلحة يبرز سؤال: إلى أي حد يجوز عدوان العربي على العربي، والمسلم على المسلم؟ وقد تكرر لفظ «عدو» في القرآن الكريم مئة ومرة واحدة، أكثر من ألفاظ المصالحة والأخوة وهو في ثمانية معان مختلفة.

الأول العدوان في السبت، تجربة اليهود السابقة، فقد أخذ الله منهم ميثاق عدم العدوان في السبت واحترامه باعتباره علامة على طاعة الله «وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً». وقد اعتدوا فيه كما لاحظ السيد المسيح أيضا «وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ»، وإذا طبقوه فإنهم يفعلون ذلك بلا إيمان وعن نفاق، لذلك قال لهم السيد المسيح لتعرية نفاقهم «إن الإنسان سيد السبت وليس السبت سيد الإنسان. أرأيتم لو وقعت نعجتكم في حفرة يوم السبت ألا تنقذوها».

والثاني تعدي الحدود وخرق الشريعة «وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»، فتعدي الحدود ظلم للنفس، وظلم لله «وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ»، والالتزام بالحدود ليس غاية في ذاته بل تعويدا للإرادة على الطاعة.

والثالث معنى مشابه وهو العادي أي الذي تجاوز الحدود ولكن اضطرارا حفاظا على الحياة «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ». ومن يفعل ذلك فهم العادون «فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ»، «بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ»، وهو المعنى العام للعدوان أي تجاوز الحدود «مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ»، «مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ».

والرابع هو المعنى العام للعدوان «وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ»، وهناك نهيٌ مطلق بعدم الاعتداء «وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»، والتخلص من العدوان يكون بالتضرع والدعاء لله «ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ».

والخامس العداوة من الشيطان «وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ». والشيطان هنا يرمز لأهواء النفس ورغباتها وهي عادة ما تؤدي بالإنسان إلى التهلكة «إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ»، فكل عمل سيئ ينسب إلى الشيطان اختصارا «قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ»، بل إن لكل نبى شيطان «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ». والشيطان هو الذي يوقع العداوة والبغضاء بين الناس «إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ».

والسادس منذ خطيئة آدم وهبوطه إلى الأرض وقتل قابيل لهابيل والإنسان عدو لأخيه الإنسان على الأرض «وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ»، وذلك من أثر غواية الشيطان «فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ»، وقد سول الشيطان إلى موسى القتل مرة ثانية «فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ»، لذلك أصبح الإنسان عدوا حتى لأفراد أسرته بالضرب والطرد والقتل «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً». وقد تكون العداوة بين الإنسان والإنسان «إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ». ويستمر ذلك إلى يوم القيامة «فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

والسابع هناك عداوة متبادلة بين الإنسان والشيطان «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً»، ومن يعادي الله يعاديه «مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ».

والثامن عدم مقابلة العدوان بالعدوان لتأليف دالقلوب وكسبها بالسماحة والمحبة كما أوصى المسيح «عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً»، والله هو الذي يؤلف القلوب كإحدى نعمه «وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا». يتحول العدو إلى ولي «فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ». والتعاون يكون على البر والتقوى وليس على الإثم والعدوان «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ».

ومن ثم فالعداوة بين الإخوة الفلسطينيين خاصة بين «فتح» و«حماس» مثل عدوان اليهود في السبت، عدوان على الميثاق الوطني الفلسطيني، وعدوان على الثوابت الفلسطينية. واليهود هم أشد الناس عداوة للمؤمنين، «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ». هو تجاوز للخط الأحمر وعدوان على الشريعة الأرضية والسماوية. هو نزغ من الشيطان واسترجاع لخطيئة آدم وقابيل واستعداء لله على من يعاديه، يكفي عدوان الآخرين عليهم من الداخل والخارج. والإمساك أي الحصار وغلق المعابر للإضرار اعتداء «وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضرَاراً لِتَعْتَدُوا». الدفاع عن النفس ضد العدوان ليس عدوانا «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا». والاستعداد للقتال ليس للعدوان بل للردع، «تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ»، ولمنع الآخرين من العدوان «فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ». والفلسطينيون مظلومون، وقع عليهم العدوان، لا يعتدون على أنفسهم بل يدافعون عن أنفسهم ضد المعتدين.

* كاتب ومفكر مصري

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top