The duchess... الدوقة المحتجزة في قفص ذهبيّ
يبدو فيلم The Duchess أشبه بقصة رعب. ترسل أم ابنتها البريئة البالغة السابعة عشرة من عمرها إلى رجل غريب جل ما يهمه قدرة هذه الفتاة على إنجاب وريث ذكر. وما إن تستقر في قفص الزواج الذهبي حتى تكتشف أن هذا الرجل، المتحدر على ما يفترض من شجرتها العائلية، بالكاد يعرف العرق البشري، لا بل إنه أكثر تعاطفاً مع الكلاب منها.
بعد إنجابها فتاتين عوضاً عن صبي، ينفر منها زوجها ويتخذ لنفسه عشيقةً، فتعيش بائسة إلى أن تصادف الحب الحقيقي. عندما يكتشف زوجها الأمر يزداد وحشية تجاهها ويضع حداً لهذا الحب عبر التمادي في إذلالها. لذلك، يستحق هذا الفيلم عنوان Married Alive (متزوجة حيةً) بدلاً من The Duchess (الدوقة). تلك هي المراحل الرئيسة من حياة جورجيانا سبنبسر، دوقة ديفونشاير، التي أدت دورها كيرا نايتلي في مشاهد متلاحقة ظهرت فيها بفساتين رائعة وشعر مستعار منسدل. في مقابل الرعب الذي عاشته في حياتها الخاصة، نجد المشهد اللامع من حياتها العامة. كانت جورجيانا شخصية مشهورة في انكلترا خلال القرن الثامن عشر ومحبوبة، وبالتالي، مرشحة لفيلم يتناول سيرتها الذاتية في القرن الواحد والعشرين.يدرك المخرج سول ديب (عمل على نص مقتبس من السيرة الذاتية التي كتبتها أماندا فورمان وحققت أفضل مبيع) مزايا الروايات الأدبية، إلا أنه يسلّط الضوء في الوقت عينه على الدراما الإنسانية. ذاع صيت ديب بفضل فيلم Bullet Boy2004 الذي يروي قصة مجرم (تمثيل آشلي والترز) يخرج من السجن إلى دوامة من العنف وسط مدينة هاكني المكتظة بالسكان. على الرغم من أن الموقع مختلف والقرن أيضاً، إلا أننا أمام المشكلة عينها التي يواجهها الشباب العالقون في فخ الطبقات والآمال. بفضل جمالها وملابسها الرائعة، كما هو جلي في لوحة الرسام غاينسبورو، أصبحت جورجيانا قبلة الأنظار في المجتمع الراقي، إلا أن حبها للسهر واللهو والسياسة عزلها عنه. تظهر جورجيانا في إحدى اللقطات تتصدر مائدة عشاء وتتبادل خواطر سريعة البديهة مع تشارلز جيمس فوك (سايمون ماكبورني) زعيم حزب ويغ. في النهاية، تستدير عدسة التصوير لترينا الأمور من منظورها. إن دلت حياة جورجيانا العامة على أنها امرأة تفوق سنها، فالنصيحة التي قدمتها لها والدتها (شارلوت رامبلينغ) حول الواجبات الزوجية تضعها تماماً في سنها الحقيقة. «قد يكون الأمر مزعجاً»، على حد قول والدتها، ولكنها ستتجاوز ذلك «بالصبر والثبات». لا بأس بهذه النصيحة، لكنها بالكاد تعلمها كيف تتعامل مع زوجها. يؤدي رالف فيان، صاحب الشفاه الرفيعة والبطن الممتلئ، دور الدوق البارد العواطف، البعيد والممل بقدر ما تبدو زوجته اجتماعية ولطيفة المعشر.ثمة نوع من الغموض في هذا الأمر، بما أنه اختار عشيقةً له. فالدوق «هو الرجل الوحيد في انلكترا الذي لم يحب الدوقة». على الرغم من أن هذه الأخيرة انغمست في حياة الطبقة الاجتماعية الراقية خلال العصر الجورجي، إلا أن من المحال بالنسبة إليها تجاهل رغبتها في كسب حب زوجها واهتمامه. بات الوضع لا يطاق ما إن اتخذ الدوق اللايدي بيس فوستر (هايلي أتويل) عشيقةً له، وهو خيار ظالم بشكل مضاعف لأن اللايدي كانت الصديقة المقربة إلى جورجيانا.يصور ديب هذا الوضع في مشهد عشاء يجمع الأشخاص الثلاثة، الدوق والدوقة عند طرفي طاولة العشاء الطويلة، وبيس في الوسط. هذه اللقطة شبيهة بلوحة ويليام طويلر أوركاردسون التي تصور الزواج التعيس خلال عهد فيكتوريا: الزوجة الشابة في طرف، والزوج العجوز في الطرف الآخر. ولكن في حالة جورجيانا ليس العمر ما يفرق بين الاثنين، إنما التأكيد على القدرة الأرستقراطية. «الولاء والوريث الذكر» مطلبا الدوق، وما استطاعت الدوقة طلبه منه لم يُستجب على ما يبدو.أداء مميّزتتحوّل تجارب الذل في العلاقة الزوجية الى مأساةً تجيد نايتلي تجسيدها على نحو مقنع. نفضت عنها ثوبي النكد والمشاكسة اللذين اتسمت بهما أدوراها في بداية مشوارها الفني على الشاشة، وارتدت هذه الأزياء على مضض (يبدو الشعر المستعار ثقيلاً على رقبتها الهزيلة). في المقابل، لا تثير علاقتها المشؤومة مع السياسي الصاعد والفقير تشارلز غراي (دومينيك كوبر) التعاطف المرجو، على الرغم من أنه يتمتع بملامح وسيمة إلا أن شخصيته غير مقنعة بما يكفي لإحداث الأثر المطلوب فينا. في المقلب الآخر، يؤدي فيان دور الدوق ببراعة مثيرة للقشعريرة، فيجسد بالتفصيل شخصاً بارد العواطف ولديه إرادة للسيطرة خالية من الجاذبية. في ختام الفيلم، يلفت إلى أنه قد لا يكون الوحش الذي يبدو عليه، ويتحدث عن فهمه الغامض لمعنى الحب ملمحاً بحذر إلى زانٍ آخر من الطبقة الراقية.يستحق الفيلم التقدير لأنه لا يستغل الروابط بين جورجيانا سبنسر وبين فتاة أخرى عاشت في عصرنا الحالي من العائلة عينها، على الرغم من أنه ينطوي ضمنياً على فكرة أن الأميرة ديانا هي الوريثة الروحية. غير أن الموزعين لا يتمتعون برهافة حس مماثلة، لأن ملخص الفيلم يشير إلى رابط بين امرأتين من عائلة سبنسر حرمتا من الحب. بإسم «الصلة» بين الاثنتين، يتجلى رد الفعل الحديث والقلق الذي يتمثل بأن جمهور السينما لن يتعاطف مع الوضع المزري الذي عانته امرأة من القرن الثامن عشر إلى إن رأى بأم العين انعكاس عناصر من تجربته الخاصة في الفيلم. في هذا السياق، عمل ديب وفريقه بكل صدق لإقناعنا بإمكان قيامنا بذلك.