هاريسون فورد... النجّار الذي أصبح نجماً متميّزاً!

نشر في 04-06-2008 | 00:00
آخر تحديث 04-06-2008 | 00:00

أدت أخبار عودة هاريسون فورد إلى الشاشة الفضية لأداء دور «إنديانا جونز»، بعد 18 عاما،ً إلى فيض من الدعابات. نُعت هذا الممثل، البالغ 66 عاماً، ومجموعة أفلامه هذه بشتى الأوصاف.

لكن المعلنين سلكوا منحى مختلفاً بشأن فيلم Indiana Jones and the Kingdom of the Crystal Skull، الذي يُعتبر موضوع اهتمام كبير في مهرجان «كان» السينمائي. نسمع اليوم كلاماً كثيراً عن فيلم «مفعم بالحياة لكنه مألوف»، هذا ما ينتظره المشاهدون من هذا الفريق القديم الذي يضم الكاتب جورج لوكاس والمخرج ستيفن سبيلبرغ والنجم هاريسون فورد الدائم التجدد بدور عالم الآثار البطل، ويتوقع الخبراء أن يحقق الفيلم أرباحاً طائلة.

يعلم فورد أن «إنديانا جونز» سيحقق أرباحاً طائلة. كانت الأجزاء السابقة من أنجح الأفلام على شباك التذاكر في تاريخ السينما، كذلك تصدرت هذه المرتبة الأولى في لائحة أبرز مئة بطل من أبطال الأفلام. علاوة على ذلك، عادت عليه بأرباح إجمالية تُقدر بنحو 6 مليارات دولار أميركي، جعلته أحد أنجح ممثلي جيله من الناحية المادية. مَن يأبه كونه لم يترشح لجوائز الأوسكار إلا مرة طيلة حياته المهنية، فهو في النهاية نجم خمسة من الأفلام العشرة التي حققت أعلى الإيرادات في تاريخ السينما.

كذلك كان صدور الجزء الرابع من هذه السلسلة متوقعاً. منذ 15 عاماً، يبحث سبيلبرغ وشركاؤه عن نص جيد، رفضوا ثلاثة ظنوا أنها لم تكن على المستوى المطلوب، يقول فورد: «لم يشعر أي منا بالرضى عما قُدِّم في تلك النصوص».

يحمل هذا الإستعداد كله نوعاً من المفارقة، حفلت حياة فورد المهنية بالصدف وخلت عموماً من التخطيط. كانت مراحل أساسية كثيرة في سيرته كنجم، خلال العقود الأربعة الفائتة، صدفاً سعيدة أو فرصاً غير متوقعة. حصل على فرصته الأولى في عالم السينما حين أدى دور هان سولو في الفيلم الأول من سلسلة حرب النجوم، فاز بهذا الدور عندما كان يعمل نجاراً وطُلب منه أن يقرأ دور ممثل غائب. أما المعطف الجلدي الذي يرتديه إنديانا (لباس غريب بالنسبة إلى عالم آثار يعمل في مناخات حارة)، فصُمِّم في البداية للممثل طوم سيليك الذي عجز في اللحظة الأخيرة عن فسخ عقده مع المسلسل التلفزيوني Magnum PI.

يصف البعض هذه الصدف بحظ الرجل الإيرلندي، مع أن فورد ليس مجرد ممثل أميركي من أصل إيرلندي. كان والده إيرلندياً ووالدته يهودية، ما يعني، حسبما قال ذات مرة مازحاً، إنه ورث مبادئ أبيه في العمل ومخاوف أمه: «في المهنة أشعر أنني يهودي، أما في حياتي اليومية فأنا إيرلندي. لذلك أعمل بكد وجهد وتركيز عال أثناء تصوير الأفلام، خارج هذا الإطار أعيش كل يوم بيومه». عندما سئل كيف يصف نفسه نتيجة هذا التعارض، أجاب: «أنا ديمقراطي».

تربى في شيكاغو. عندما كان في ثانوية ماين إيست في بارك ريدج في ولاية إيلينوي، انجذب إلى التمثيل وكان في نظره أمراً يمكن القيام به مع مجموعة من الأشخاص لأنه كره الرياضات التنافسية. أصبح أول طالب مذيع يعمل في المحطة الإذاعية الجديدة التي أنشأتها ثانويته. في العام 1960، بعد أربع سنوات من تخرجه، انتقل إلى لوس أنجليس ليحقق حلمه بالعمل راوياً في الأفلام. في العقد الذي تلى، نال أدواراً صغيرة في مسلسلات تلفزيونية ودوراً ثانوياً في أحد الأفلام. اضطر معدو هذا الفيلم إلى كتابة اسمه «هاريسون ج. فورد» لكي لا يظنه الناس ممثلاً آخر في الأفلام الصامتة يحمل الإسم نفسه. كان الحرف «ج.» من اختراعهم وليست له أية دلالة.

عام 1964، تزوَّج ماري ماركوارد، زميلته في المدرسة، رزقا صبيين، لكن عمله في السينما لم يعد عليه بالربح الكافي ليؤمن قوت عائلته، تعلم مهنة النجارة وأنجز أعمالا مختلفة. عمل مساعداً في الكواليس مع فرقة روك بارزة آنذاك تُدعى The Doors وصنع بعض الخزائن في منزل جورج لوكاس. وكما في حلم من نسج هوليوود، عرض المنتج على النجار دوراً في فيلمه American Graffiti، الذي عرض عام 1973. حقق لوكاس لاحقاً نجاحاً كبيراً واحتاج إلى مكتب أكبر، طلب من فورد العمل على توسيع مكتبه. في أحد الأيام، سأله لوكاس أن يقرأ دور بعض الممثلين الغائبين في فيلم جديد بعنوان «حرب النجوم». لاحظ المخرج ستيفن سبيلبرغ أن هذا النجار يصلح أن يكون ممثلاً بارعاً. بفضل أدائه دور هان سولو، قائد مركبة فضائي صلب ووقح، في فيلمَي The Empire Strikes Back وReturn of the Jedi، سطع نجم فورد في عالم السينما.

بعد ذلك مثَّل مجموعة من الأفلام. حصل على دور في فيلم الخيال العلمي الكلاسيكي Blade Runner 1982 للمخرج ريدلي سكوت، فضلاً عن دور آخر في السنة نفسها في فيلم ET للمخرج سبيلبرغ (مع أن مشاهد مدير مدرسة البطل الشاب حُذفت من نسخة الفيلم النهائية).

مهد هذا الفيلم أمامه السبيل ليؤدي دور إنديانا جونز، عالم آثار بارز وخبير بالتحف السحرية يُضطر دوماً إلى الهرب من النازيين ومقدمي الذبائح البشرية وغيرهم من الأشرار. نتيجة لذلك يستبدل فرشاة التنقيب بسوط فيما يتنقل في مختلف أرجاء العالم بحثاً عن تحف قديمة غامضة. استمرت ثلاثية لوكاس/ سبيلبرغ (بدأت كفيلم منخفض الميزانية جاء تكريماً لسلسلة كليف هانغر) من العام 1981 ولغاية 1989 وجعلت من فورد نجماً محبوباً.

يشمل سجلُّه، بعد عصره الذهبي، مجموعة من الأفلام يسعنا أن نعتبرها محيرة. حقق معظمها أرباحاً قليلة ولم يحظَ باستحسان النقاد. عام 2004، رفض الدور الذي أتاح لجورج كلوني فرصة الفوز بجائزة أوسكار في فيلم الإثارة Syriana، يقول باقتضاب: «مثلت أفلاماً حققت نجاحاً كبيراً وشاركت في أفلام أخرى فشلت».

صديق البيئة

نادراً ما يحضر فورد حفلات مشاهير عالم السينما، لا يلبي دعوات النجوم إلى حفل افتتاح أفلامهم الجديدة. عاش مع زوجته الثانية ميليسا ماتيسون، كاتبة نص فيلم ET، بسلام طوال 21 عاماً في منزل تحيط به غابة من الأشجار مساحتها نحو ثلاثة كيلومترات مربعة في وايومنغ. أعاد تشجيرها وبدّل اتجاه ينابيع أسماك السلمون ووجد متعة كبيرة في التحليق بطائراته ومروحياته، لأن الطيران هوايته الثانية. نتيجة لذلك، فاز بجوائز من منظمات حماية البيئة وصار عضواً في مجلس إدارة «المنظمة الدولية لحماية البيئة»، حتى إن إدوارد أويلسون، عالم الحشرات المميز من جامعة هارفارد، أطلق على نوع جديد من النمل اسم هاريسون فورد، هنالك أيضاً نوع من العناكب اكتشف حديثاً يحمل اسمه.

ربما كان ميله إلى الانعزال والابتعاد عن الأضواء السبب الأبرز الذي جعل الناس يُفاجأون عندما التُقطت له صور في ملهى ليلي بعد انهيار زواجه الثاني. أثارت الصحافة ضجة كبيرة حول موضوع سخيف كهذا، على غرار ما حدث عندما وضع فورد للمرة الأولى قرطاً في أذنه.

بين فورد وفلوكهارت

كُتبت صفحات عن أزمة متوسط العمر التي مر بها. عاود هذا الموضوع الظهور عندما التقى بشريكته الثالثة، كاليستا فلوكهارت، حين صبت المشروب على جائزته في حفلة توزيع جوائز «غولدن غلوب» عام 2002. جسدت هذه الممثلة شخصية المحامية النحيلة آلي ماكبيل في المسلسل الذي حمل الاسم نفسه، تصغر فورد باثنتي وعشرين عاماً. على الرغم من الأقاويل التي سرت في هوليوود، ما زالت علاقتهما مستمرة منذ ستة أعوام. تبنيا ولداً هو الآن في السابعة من عمره، يُدعى ليام، ويعيشان في لوس أنجليس وقلما يمضيان الوقت في مزرعة وايومنغ.

أما في ما يختص بالمسائل السياسية، لا يخشى فورد التعبير عن رأيه بصراحة. بما أنه ديمقراطي، دان اجتياح العراق، داعياً إلى «التغيير في النظام في الولايات المتحدة». كذلك ينتقد صناعة الأفلام بسبب العنف الذي تصوره ويطالب بفرض ضوابط أكثر تشدداً على الأسلحة في الولايات المتحدة. في العام الماضي، انضم هو وكاليستا إلى مشاهير آخرين، بمن فيهم كيرك دوغلاس، ليقدموا الطعام إلى المشردين يوم عيد الشكر في إرسالية لوس أنجليس. كذلك شارك أخيراً في فيلم عن الدالاي لاما لأنه يؤمن أن «قدسيته تؤثر إيجاباً في العالم».

عودة إنديانا

عاد الآن إلى عمله المربح كعالم آثار (لا يتحدث فيلم إنديانا جونز الجديد عن عملية التنقيب عن الآثار المملة). نفذ، مرة أخرى، معظم المجازفات بنفسه. يدَّعي أنه بكامل لياقته البدنية، تماماً كما كان منذ عقدين تقريباً ويؤكد أن المعطف الجلدي ما زال يلائمه بعد مرور 18 عاماً. وكي يشارك في هذا الفيلم اضطر هذا الممثل، الذي اعتبر الرجل الأكثر إثارة قبل عقد، إلى اتباع حمية تحتوي كميات كبيرة من البروتين وكثَّف زياراته إلى النادي الرياضي. على الرغم من تأكيده أنه ليس مهووساً بالرياضة، يذهب إلى النادي ثلاث مرات في الأسبوع، حيث يمارس الرياضة 40 دقيقة في كل مرة ويلعب كرة المضرب مدة ساعة، حتى لو لم يكن يستعد لتصوير فيلم. «المسألة في النهاية ليست مسألة سنين، بل مسألة صلابة وتحمل»، على حد تعبير إنديانا في فيلم Raiders of the Lost Ark.

علاوة على ذلك، يخلو الفيلم من أية مؤثرات حديثة. يقول فورد في هذا المجال: «لم نتبع أسلوب أفلام Matrix في التصوير، إذا ضربت أحداً في هذه الأفلام، يطير في الفضاء وأنت لا تشعر بالألم أو الخوف. أعتقد أن المُشاهد في هذا النوع من الأفلام يفقد أي رابط بينه وبين الشخصية. في فيلم إنديانا جونز اتبعنا الأسلوب القديم، قلما استخدمنا مشاهد مركبة بواسطة جهاز الكمبيوتر وركزنا أكثر على المشاهد الحقيقية». كذلك يؤكد أن سبيلبرغ صور الفيلم على «طريقة شابلن وكايتون. كل شيء واضح أمام أعين المشاهدين من دون أي تعديل أو تغيير... في كل مرة تبدل الكاميرا زاويتها الديناميكية، تشعر أن ثمة خطباً ما وأن شخصاً يخدعك». اعتُمدت هذه المقاربة لتتماشى مع الجو الذي يميز الأجزاء السابقة من هذا الفيلم.

يُذكر أن شون كونري، الذي أدى دور والد إنديانا، رفض المشاركة مؤكداً أنه تقاعد. هل يحذو فورد حذوه؟ يؤكد أن تصوير جزء خامس من إنديانا جونز ممكن، لكنه يأمل ألا يستغرق الإعداد له 20 عاماً.

لمحة

ولد في 13 يوليو 1942 في شيكاغو - إيلينوي.

كان والده ممثلاً سابقاً ومستشاراً تنفيذياً، مثلت والدته أدواراً في إحدى المحطات الإذاعية. ظهر حبه للتمثيل خلال دراسته في كلية ريبون في ويسكنسون، لكنه لم ينهِ تعليمه الجامعي.

انتقل إلى هوليوود عندما كان في الرابعة والعشرين من عمره ليعمل راوياً في الأفلام. وقع عقداً مع شركة «كولومبيا» ليضمن أول دور ناطق له عام 1966. جسد أدواراً عدة على شاشة التلفزيون، لكنه اضطر إلى امتهان النجارة لأن التمثيل لم يسد حاجات عائلته. انطلق في عالم السينما عندما أدى دور هان سولو في فيلم «حرب النجوم» عام 1975 ومن ثم دور البطل الأسطوري إنديانا جونز في العام 1981. حققت له أفلامه هذه أرباحاً بقيمة 6 مليارات دولار، ما جعله أهم نجوم عالم السينما آنذاك. كذلك تعلم قيادة الطائرات وصار طياراً محترفاً يحلق بطائراته ومروحياته فوق مزرعته التي تبلغ مساحتها نحو 3 كيلومترات مربعة في وايومنغ.

back to top