افتتاحية لئلا يكفر الناس بالديمقراطية
يبدو أن أتباع الحركة السلفية خاصة والاصولية المتطرفة عامة، لا يزالون يعيشون نشوة الفوز فيقرأونه على غير حقيقته، ويعتقدون ان كسب 15% أو 20% من مقاعد البرلمان يعني انهم اكثرية قادرة على قيادة المجتمع الى الوراء، ويظنون انهم يملكون القدرة و«الكثرة» الممكنة لرسم وتحديد اولويات المجتمع الكويتي في الهوامش الشرعية والسلوكية والاخلاقية.
ان الواهمين هم اولئك الذين يعتقدون انهم بخمسة مقاعد او عشرة قادرون على وضع المجتمع الكويتي وحرياته على مذبح العودة للسلف الصالح، وقلب اولوياته في مسيرة التنمية، حتى تكون سلوكيات الناس وحرياتهم شعارا يسبق الدعوة إلى بناء الكويت مركزا ماليا وتجاريا. إن شغل المجتمع بقضية «ستار أكاديمي» وغيرها على حساب انشغاله برسم خريطة استثمارية تحمي القادم من اجياله او اعادة ترشيد اقتصادياته هو في حقيقته عبث بمصير الامة ومستقبلها. الطامة الكبرى التي يقودنا اليها سلوك كتلة السلف وانصارها في تقييد الحريات الخاصة، والانقضاض على المبادئ العامة للديمقراطية هو في حقيقته الدفع بقناعات الناس إلى الكفر بالديمقراطية وممارستها. انهم في حقيقة الامر يقوضون التجربة الديمقراطية برمتها من حيث لا يدرون او يدرون -وهو الارجح !ـ ومن خلال ادوات ممارستها وقنوات العمل بها. ولعل أول معنى للتعدي على ثوابت الديمقراطية ومبادئها الاعتقاد بأنها سيطرة الاغلبية وبطشها، بينما الاصل ان تحمي الاغلبية حقوق الاقلية. وقبل هذا وذاك هي مسؤولة عن صيانة مبادئ الديمقراطية وثوابتها، التي قوامها احترام الحريات او السعي إلى مزيد منها كما نص الدستور، وليس لتقليصها والتضييق على الناس في حرياتهم ومعتقداتهم وسلوكياتهم الخاصة. ما لم يدركه الإخوة في الحركة السلفية وانصارهم من الاصولية المتزمتة هو أن البلاد امام تحديات أكبر، وأمام أولويات أوضحها سمو الأمير في أكثر من مناسبة، وركز على آلياتها في النطق السامي. ويبقى الخطر الحقيقي على وحدة المجتمع ولحمته الاجتماعية هو فرزه إلى طائفة مسلمة وأخرى ليست كذلك، وكأن الإسلام نزل على هذه الفئة دون غيرها. هذا الفرز الذي تتبناه حركة السلف سيضعنا في خندقين، خندق المتأسلمين وخندق المجتمع المدني الذي جبلنا عليه اجيالا، وأجيالا أكثر إيمانا، وأكثر عمقاً بثوابت الأمة ومقومات وحدة اهلها. إننا مدعوون إلى الوقوف أمام هذا العبث موقفا واضحاً لا لبس فيه، كل من موقع مسؤوليته، حكماً وحكومة وقوى سياسية وجماعات ضاغطة ومؤسسات المجتمع المدني كافة، اما ترك الأمور تسير كما هي دون حزم وحسم فهو تسليم مستقبل البلاد ومستقبل وحدتها الوطنية إلى أيدي من لا يقيمون للسياسة وحصافتها وأولوياتها أي اعتبار لحساب برامجهم الخاصة، ومن تهمهم شعاراتهم على حساب الأمة ومصيرها واستقرارها. ويبقى التأكيد على حقيقة مهمة، وهي ضرورة أن يعي الإخوة في الحركة السلفية وأنصارهم، أنهم إن كانوا حقاً يملكون أكثرية في البرلمان فهم المسؤولون عن أدائه ورضا الناس عنه، لكن مجرى الرياح يشير إلى أنهم يقودون السفينة نحو الكفر بالديمقراطية... إن كان هذا نتاجها...!! الجريدة