كور مخلبص

نشر في 10-03-2009
آخر تحديث 10-03-2009 | 00:00
 د. صلاح الفضلي من يتابع الأحداث السياسية في الكويت في الأيام السابقة ويرى تسابق النواب على استجواب رئيس الوزراء- الذي أصبح التهديد باستجوابه أسهل من شرب الماء- لابد أن يصاب بالدهشة والسؤال عن سر هذا التسابق المحموم على استجواب رئيس الوزراء، وكأن الجميع أيقنوا أن الحل قادم لا محالة، فأصبحوا يتسابقون على تقديم استجوابات لرئيس الوزراء في الوقت الضائع على أمل أن يقتاتوا عليها في حملاتهم الانتخابية إذا ما تم حل مجلس الأمة، والذي تشير كل الدلائل على أن القرار قد اتخذ بالفعل، وهو في طور اللمسات الأخيرة، وهو متوقع بين لحظة وأخرى.

وكما يقول المثل، فإن المصائب تأتي دفعة واحدة، وكأن رئيس الوزراء لم يكفه الاستجوابين المقدمين من «حدس» ومن النائب فيصل المسلم، حتى يأتي النائب محمد هايف لاستجوابه على خلفية إزالة مسجد كيربي غير مرخص. في هذا الشأن بالذات لا يلوم الشيخ ناصر إلا نفسه، فهو من خلال التردد والتراجع عن قراراته شجع مَن لم يعهد منهم هذه الشجاعة في مواجهة «المعازيب» ولا الحرص على تطبيق القانون، وهم مَن شارك في التعدي بالانتخابات الفرعية على المطالبة باستجوابه في كل شاردة وواردة، ولذا تحول المشهد السياسي إلى مزاد علني لاستجواب رئيس الوزراء، وأصبح يطعن فيها «الدايني». وإلا كيف لرئيس وزراء أن يأمر بوقف تطبيق القوانين من خلال الأمر بالتوقف عن إزالة المصليات الكيربي غير المرخصة؟

المشهد السياسي أصبح أشبه ما يكون بـ«الكور المخلبص»، فلم نعد نعرف من هم أعضاء فريق الموالاة ومن هم لاعبو فريق المعارضة؟ ومن هم مع الديمقراطية، ومن هم مع الحل غير الدستوري؟ لذا اختلط الحابل بالنابل. هل كان أحد يتصور أن نواباً مثل علي الهاجري وسعدون حماد وعبدالله راعي الفحماء، وهم من لاعبي الصف الأول في فريق «الموالاة»، يؤيدون استجواب رئيس الوزراء، بينما ينبري بعض رموز المعارضة السابقة للدفاع عن الحكومة والذود عن حماها؟ وهل كان أحد يتصور أن تقود «حدس» مخترعة طريقة «مسك العصا من النص» صفوف المعارضة؟ كل هذه المفارقات تجعلنا لا نعرف «زوجها من حماها».

في ظل حالة الانفلات السياسي الحاصل في البلد يجب التأكيد على الالتزام بالثوابت، وأهمها الالتزام بالدستور ونصوصه، فأي قرار تحت سقف الدستور هو قرار مقبول، أما أي تعد على نصوص الدستور فلا يمكن وصفه إلا بالانقلاب على الدستور، الذي هو مصدر شرعية النظام، لذا فإن أفراد الأسرة هم الأولى بالمحافظة عليه والتمسك به، وليس التهديد بانتهاكه والتحريض على الانقلاب عليه والدعوة إلى تعطيله كما نُقل على لسان مجموعة من الشيوخ البارزين في اجتماع الأسرة الأسبوع الماضي. التخلص من مجلس الأمة حلم قديم يراود بعض رموز الأسرة منذ وقت طويل، ولكنهم غير قادرين على تحمل تبعاته في الوقت الحالي، ولذلك فهم كبالع الموس. الانقلاب على الدستور عبر الحل غير الدستوري سيدخل البلد في نفق مظلم وسيناريوهات مخيفة، وبالتأكيد ستكون له تداعيات وخيمة لا تحمد عقباها. الأمور وصلت نقطة اللاعودة، وأصبح الحل أمراً مستحقاً، ولعل من فوائد الحل أن تكون فترة الانتخابات فرصة لكي يراجع الجميع مواقفهم ويعيدوا حساباتهم.

***

تعليق: أحداث البقيع التي وقعت في المدينة المنورة الأسبوع الماضي التي تعرض فيها بعض زوار مقبرة البقيع إلى المضايقة والتعدي من قبل رجال «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» بسبب معتقدات هؤلاء الزوار الدينية- وهذه التعديات أمر معروف عن رجال الهيئة- يؤكد خطر هيمنة النمط الفكري المتشدد الذي لا يقبل بالآخر ولا يتسامح مع مَن يخالفه في الرأي، ويريد أن يجبر الجميع على اعتناق معتقداته. ما جرى في البقيع يؤكد حالة الاحتقان الطائفي المنتشرة في المنطقة، والتي تكفي أي شرارة لكي تحولها إلى نيران مستعرة، مما يزيد من التوتر في المنطقة. وفي هذا السياق فإن تصريحات الشيخ ناطق نوري عن تبعية دولة البحرين لإيران هي تصريحات استفزازية وغير مسؤولة، وتضع إيران في دائرة الحرج والانتقاد الشديدين، حتى لو صدرت هذه التصريحات من مصدر لا يمثل الرأي الرسمي، والقول بأن هذا الرأي ورد في سياق بحث تاريخي كلام غير مقنع وغير مقبول، ويجب أن يعي مطلقو هذه التصريحات خطرها، وألا يتصرفوا بسذاجة تكون نتيجتها عواقب وخيمة.

back to top