مدد يا حكومة 1- 2

نشر في 20-06-2008
آخر تحديث 20-06-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي رغم جهود الإصلاح كلها، فإن ملاحظاتي عن عمران الحكم في مصر وثقافة الشعب ومخيلته تقول باستحالة هذا الأمر، وإن الجغرافيا والتاريخ والتراكم الثقافي كلها عوامل تجعل من فكرة المواطنة في المجتمع المصري إما أمراً مستحيلاً تماماً، وإما في أحسن الأحوال صعبة المنال. فالناظر إلى جغرافيا الحكم وثقافته المحيطة يدرك لأول وهلة أن تعامل المصريين مع الحكومة ومع البرلمان هو نفس تعاملهم مع أضرحة الأولياء؛ توسل بدلاً من المطالبة، ودعاء بدلاً من الحقوق والواجبات، والرشاوى أو الهدايا التي تقدم إلى عضو مجلس الشعب كواسطة للمواطن عند الحكومة تقابل بالضبط ذبح الخراف وذكر الماعز أمام أضرحة الأولياء، فالخط الديني والخط الدنيوي متطابقان في الحالة المصرية، مما يجعل إقامة نظام أساسه المواطنة كبديل للتوسل أمراً مستحيلاً. تطابق الخطين: الديني والدنيوي، ثنائية الضريح والحكومة، وقبة الولي وقبة مجلس الشعب، هما أكبر عائق في وجه الإصلاح، إن لم يفك هذا الارتباط فعلى مشروع المواطنة السلام. وتبقى الممارسات كلها مهما كان بريقها هي «زينات» على بيت أعمدته الأساسية هي التوسل والدعاء، لا الحقوق والواجبات!

«زينات» لها بريق كالقشرة الفضية التي تغطي مسجد محمد علي في القلعة، قشرة فضية حديثة مركبة فوق معمار إقطاعي قديم. لذلك نجد أن الجماعات الدينية في مصر ركزت خطابها المحلي على رفض تلك الواسطة التي تسيطر على النسق الاجتماعي بأكمله‏،‏ حيث اعترض الإسلاميون على التوسل بالأضرحة والأولياء‏،‏ ورفضوا الواسطة في الديني على أمل التأثير بالواسطة في السياسي‏.‏ ورغم تركيزهم على هذا الخطاب، فإن الواسطة الدينية استمرت وغالبوها فغلبتهم‏،‏ ومعها استمرت الواسطة السياسية‏،‏ أي أن الذبح أمام الضريح قابله التقرب إلى عضو الحكومة أو عضو مجلس الشعب والذبح له بالأشكال الرمزية المختلفة‏،‏ ذبح المتضرع لا المُطالب بحق‏!‏

النقطة الجوهرية هنا، أن حديث بعض الإسلاميين بالتخلي عن الواسطة في علاقة العبد والرب‏،‏ كان ردة فعل لتصور عن العالم والمجال السياسي اقترب خلاله الخط الديني من الخط السياسي لدرجة تشابه في فحواها أهمية القباب في صرة الحكم في العاصمة‏.‏

إذن، استراتيجية الاحتجاج السياسي الإسلامي التي استهدفت كسر حلقة الواسطة بين العبد والرب فشلت فشلاً ذريعاً، وربما لهذا السبب نقول إن الحكومات تأتي بالمعارضات التي تستحقها، أو التي تشبهها إلى حد كبير... فالحكومة ومعارضتها هما نتاج هذا النسق الذي يختلط فيه الديني بالدنيوي، ويختفي فيه القانون والمواطنة.

لتحفيز الذهن أقترح حلاً صادقاً، حلاً جغرافياً يفصل هذا التشابك على مستوى المكان. فمثلا أن تقرر الحكومة نقل العاصمة الإدارية إلى الأقصر إلى غرب النيل، ويبقى مقام الولي «أبو الحجاج» في شرقه، أو أن تنقل العاصمة الإدارية لمصر كلها إلى أسيوط أو الإسكندرية ويبقى مقام الحسين في القاهرة، إن لم يتم فض الاشتباك بين الديني والدنيوي في مصر على الأقل على مستوى المكان، فسوف تستمر علاقة المواطن بالحكومة علاقة توسل لا علاقة مواطنة، ولا يبقى في وسع المواطن «الغلبان»، سوى أن يطوف بالمصالح الحكومية ويقبّل أعتاب مجلس الشعب في خشوع تام كما يفعل الشيء نفسه عند مقام الحسين، ولكن بدلاً من «مدد يا حسين»، يخرج من أعماقه صوت مدفوع بالحاجة يقول: «مدد يا حكومة».

* مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز الدولي للدراسات السياسية والاستراتيجية IISS

back to top