محسن الهزاني عميد شعراء الغزل

نشر في 17-04-2009 | 00:00
آخر تحديث 17-04-2009 | 00:00
يصف سلامة وربما شعره: اخن من روض تزخرف بوادي في قفرة ما داج فيها البوادي من كثر ما تبكي عليها الغوادي يغني عن العنبر زهرها إلى فاح وعندما يأتي الحديث عن الشعر، فإنه حتما يكون ذا شجون، وقد قيل وكتب الكثير عنه، لكننا قد نتفق دائما أن أجمل الشعر هو ما لامس الوجدان وترك أثره...
يصف سلامة وربما شعره: اخن من روض تزخرف بوادي في قفرة ما داج فيها البوادي من كثر ما تبكي عليها الغوادي يغني عن العنبر زهرها إلى فاح وعندما يأتي الحديث عن الشعر، فإنه حتما يكون ذا شجون، وقد قيل وكتب الكثير عنه، لكننا قد نتفق دائما أن أجمل الشعر هو ما لامس الوجدان وترك أثره العميق فيه، وهو ما عُرف عن شعر هذا الشاعر الكبير الذي خلدته قصائده رغم تباعد عصره.

محسن عثمان الهزاني شاعر ساطع التميز والموهبة في زمنه، ولولا ذلك لما وصلت قصائده إلينا، كما لو انها لم تعبر هذا الزمن الطويل، حيث عاش في النصف الأخير من القرن الثاني عشر الهجري بمنطقة الحريق التي تبعد عن الرياض 220 كيلومترا، وهو من أسرة الهزازنة، الذين كانوا امراء هذه المنطقة في ذلك العصر، وقيل انه تولى هو ايضا امارتها، لكنه ما لبث ان تركها وتفرغ لشعره وعشقه.

التجديد في شعره

يقول خالد الفرج إن محسن الهزاني هو اول من أدخل الأوزان المسمّاة بالسامري ذات القافيتين المختلفتين في الشعر النبطي، كما انه أدخل ما يُعرف بالمروبع حيث يكثر استخدامه له في الكثير من قصائده، وبسببه شاعت هذه الأوزان حتى تغلبت على النهج القديم.

هذا من حيث الشكل، اما بالنسبة إلى المضمون فقد عرفت الكثير من الاستخدامات اللفظية الشعرية اللطيفة التي لم تكُن معروفة قبله.

الهزاني شاعر مثقف

عندما تقرأ قصائد هذا الشاعر الكبير، ستصادف الكثير من المفردات التي توحي باطلاعه وتمكنه من ثقافة عصره، ويظهر ذلك جليا بقوله في المدح:

مظفي الحسنى وبداع الجميل

فرز شطرنج الوغي بحر القناه

ذروة العليا شقا عين الحريب

منهل الصاحب، سبب عزة غناه

وكذلك قوله في وصف حور الجنة:

وحورٍ حسانٍ كن صافي خدودها

قطع صافي بلور به التبر جامد!

أو قوله في الغزل:

مسكية الانفاس حورية العين

تبرية الخدين، كوفية الزين

للدين تستافي ولا توفي الدين

قلبي لها من تلع الأرقاب مشغول

كما ستجد الجناس المستند إلى موهبة قوية في قوله:

له عين خرسا كنها عين شادن

وقصور حبه في حشا القلب شادن

وخده ثمر وردٍ، والأنياب شادن

قراح مرتكم المقاديم طياح

عميد شعراء الغزل

اشتُهر الهزاني كثيرا بقصائد الغزل، وهو اكثر المضامين التي تطرق اليها في شعره، ما دعى الاستاذ محمد سعيد كمال في ديوان «الأزهار النادية في اشعار البادية»، إلى أن يطلق عليه عميد شعراء الغزل، خصوصا وهو المعترف بتمكن العشق منه بقوله:

لا حزن يعقوبٍ ولا صبر ايوب

حزني ولا صبري على تلع الأرقاب

ويستطيع المُطّلع على شعره أن يجد الكثير من القصائد التي حاول الهزاني فيها ان يتفنن في وصف النساء الجميلات، ولعل اجمل ما قاله في ذلك:

الثنايا، والعواتق، والخدود

صافياتٍ، ناعماتٍ، زاهيات

والجدائل، والنواهد، والحجول

سابحاتٍ، قاعداتٍ، حايرات

والردايف، والخواصر، والبطون

زامياتٍ، ضامراتٍ، هافيات

وقد كثُر استخدامه للتضاد هنا، وهو ما يؤكد ما ذهبنا اليه من تمكن هذا الشاعر وثرائه الفكري.

لكننا لن ننصفه لو اعتبرنا انه لم يبدع في غير هذا المجال، ذلك لأننا نجد في شعره الكثير من الصور الشاعرية البعيدة في نفس الوقت عن وصف المرأة، ومن ذلك على سبيل المثال وصفه للسحاب والمطر، كقوله:

وأدقٍ، صادقٍ، غادقٍ، ضاحكٍ

باكيٍ كل ما ظحك مزنه همل

مدهشٍ، مرهشٍ، مرعشٍ، منعشٍ

كن برقه لميع سيوف هندٍ تسل

لذلك يمكن القول إن محسن الهزاني شاعر يفتنه الجمال ويؤثر فيه أينما وجد وبأي شكل كان، لأنه يحمل قلب شاعر حقيقي، وهو قلب يرى من خلاله بوضوح ويتفاعل بابداع.

ومن شعره

خمسة عشر باب

غنت ضحا من فوق الاغصان ورقـا

واتفتحت للقلب خمسة عشر بـاب

أنـوح معها وأرتقـي كـل مرقـى

ولنوحها وجدي حضـر عقب ما غـاب

لم تزايـد حـب مـن بـه امْشقَّـا

عقلي وروحي والحشا به تلهـاب

وبكاس خمرات الهوى صرت مِشقـا

ساعة لفي من يمه الغالي كتاب

زيَّـد غرامـى والحشـا راح مرقـى

بين الفرح والحزن من حب واعتـاب

صار الهنـا بـي يرتفع ثـم يرقـى

في طربةٍ ياحـي مرسـول الاحبـاب

يا مرحبا مـاروض الاوجـان مسقـى

من سحب عيني وأحمر اللون سكـاب

يا مرحبا بـه كـل مـا بـات شرقـا

قنديل نوره من بها الشمس لا غـاب

ترحيبٍ اطيب من شذا المسك وانقـى

من ريحة العنبـر على وجنته ذاب

من قلب يهوى كـل الاوقـات ما القـى

من صاحبٍ هو طربتي دون الاصحاب

back to top