هذه العزلة الفارهة

نشر في 02-02-2009 | 00:00
آخر تحديث 02-02-2009 | 00:00
No Image Caption
بهتان كل حضارة مصنعة بيد الإنسان، كذب وادعاء كبير كل ما ننسبه للإنسان من تعمير وإصلاح للأرض، فخ وحيلة مزدوجة نروجها لتزداد عظمة سلالتنا الإنسانية التي دمرت أكثر مما عمرت، أكتب هذا الكلام بعد زيارتي إلى مسقط ومنها اتجهت إلى محافظة مسندم التي هي في الحقيقة أكبر شاهد وفاضح لأكذوبة البشرية الكبرى التي هي في حقيقة الأمر أفسدت أكثر مما ادعت، لأن شرف الحضارة كلها ينتمي إلى خالقها الحقيقي وهو رب هذا الكون، ومحافظة مسندم خير برهان على ذلك، فكل شيء فيها يشهد بعظمة خالقها، كل شيء فيها منسجم في غايته وهدفه، فسلاسل الجبال تشهق في السماء، وتنعس في وديانها الساكنة والملتفة على خلجان البحر الممتدة في سطوتها المموه بالسكون الذي يضفي على المكان وقار القدسية وجلال اللحظة المهيمنة على النفس بفضيلة التواضع، ورقة التضاؤل أمام حضور هذا التجلي العظيم لهذه الرواسي الشاهقة الممتدة كأنصال في شرايين الأرض وأوتاد، ما يعقلها وما يربطها، وما يثبتها ويمنحها هذه السطوة المباركة بالهيلمان الطاغي في حضوره.

وليس هناك إلا هذا الوعر الملتف في سكينته الراقدة على شراسة المرتفعات في هذه العزلة الفارهة في صمتها، البهية في هيمنتها، وهذا الصمت الغارق في رحمانيته المترفة بالحكمة وجلالة المعنى التي تجعل الإنسان محفوفاً ومطوقاً بفيض التجلي الإلهي المبهر في حضوره الطاغي الذي يتضاءل عنده كل حضور. ما معنى أن يكون الإنسان في بقعة بريئة كل البراءة وألا يحمل من أوزاره إلا أقلها، وألا يأتي النهار محملا بالهموم إلا بأخفها، وأن يدوخ الرأس بنقاء الأكسجين الطافح وهديل السكينة المفعمة بالأمن وطيب الإنسان العماني، هذا الطيب المدهش في صدقه ورقته وحضارته وحيائه، الذي لم يعد هناك من يشبهه على كرتنا الأرضية. الإنسان العماني حالة خاصة ليس لها مثيل، الدماثة في أوجها، والفضيلة هو خير من يمثلها، انه يشبه مكانه إلى درجة لا تصدق، من تأثر بمن ؟ من فرض حضوره وأسره على الآخر ؟ هل شخصية العماني هي التي شكلت المكان أم أن المكان هو الذي شكل شخصية الإنسان العماني ؟ هل هيمنة المكان هي التي فرضت حضورها على تكوين الفرد العماني، أم أنه هو من هيئها وصبغها وشكلها بفردانية طابعه ؟ نظافة وسكون وآمان البلد تدل على التحلي بالأخلاق العظيمة، حسن المعاملة والصدق يدل على الحياء والرقة التي لم يعد لها وجود في عالم شرس يسعى الى تدمير ذاته بذاته، العمانيون انعكاس كامل لطبيعة بلادهم، هذه الطبيعة التي شكلتهم وشكلوها بأرقى ما تمثله صيغة الحضارة الحقيقية، الحضارة التي تبني الإنسان باتساق

وتناغم مع كل ما خلقه الله من طبيعة وحيوان وبشر، وهو الشكل الثقافي والوعي الحضاري الحقيقي.

ينتمي الفرد العماني إلى قبيلته ومعنى ذلك أن يتحلى بالأخلاق النبيلة الكريمة كي لا يسود وجه بأي فعل سيئ، لذا نجد الكل يتحلون بأفضل الطباع، فالفرد عنوان لقبيلته يرفع رأسها بأفعاله وتصرفاته النبيلة، لذا الغلط غير وارد وغير مقبول في ضوء منظومة الأخلاق هذه. أسعدتني تلك الأيام القليلة التي قضيتها في درة الأخلاق الخليجية عمان، الجميلة والرائعة بطبيعتها وبناسها الطيبين الذين لا يشبهون إلا أنفسهم العزيزة النادرة، فلهم كل التقدير والمحبة.

back to top