قصص القرآن موسى والخضر ولله حِكَمٌ خَفيَّة

نشر في 14-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 14-09-2008 | 00:00
No Image Caption
قَبَل موسى عليه السلام شروط الخضر، وقبل الخضر أن يصاحب موسى ليعلمه من علم الله, الذي تعلمه الخضر أولاً... بعد ذلك ركب موسى وفتاه ومعلمهما (الخضر) سفينة.... أبحرت بهم السفينة، وجلس موسى والخضر على طرف السفينة ينظران ويتفكران، ويستمتعان, وبينما هما كذلك إذ جاء عصفور، فوقف على حرف السفينة ثم مدَّ منقاره إلى الماء وأخذ منه قطرة أو قطرتين، فقال الخضر لموسى: كم أخذ العصفور من ماء البحر؟

فقال له موسى: لم يأخذ شيئاً يذكر! وماذا يأخذ العصفور من ماء البحر؟.. نقرة أو نقرتين؟ وماذا يُنقص ذلك من البحر؟

فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور في البحر!

ثم قال الخضر: يا موسى إن لي علماً لا تعلمه، وإن لك علماً لا أعلمه...

إن كل علمٍ علمه البشر وغير البشر، وكل علم سيعلمه البشر وغير البشر حتى تقوم الساعة, في مختلف المجالات ـ سواء كان ذلك في علوم الفلك أم الطب أم العلوم الاجتماعية والإنسانية أم غيرها, مهما تقدمت تلك العلوم, لا يمثل ـ إذا ما قيس بعلم الله, إلا كما يُقاس ما أخذه العصفور من ماء البحر بكل مافي البحر من ماء.

بعد ذلك, رأى موسى الخضر يبحث عن منطقة في قاع السفينة ويتوارى عن أعين أصحاب السفينة... نظر موسى إلى الخضر فوجده يقدم على فعل عجيب، لقد أخذ فاساً وكسر لوح خشب ثم نزعه بيديه من السفينة، ورماه في البحر.

استغرب موسى فعلة الخضر، وسارع بالإنكار عليه، وقال له: ماذا فعلت!! لقد أكرمنا أصحاب السفينة وأركبونا بدون أجرة, أهكذا تقابل أنت إكرامهم؟ تقلع لوح السفينة وتخرقها؟!

إن هذا يؤدي إلى غرق السفينة وأهلها وركابها. وفعلك هذا أمر فظيع وعجيب!!.

ولكن الخضر لم يزد على أن قال، كما قال القرآن: {قَالَ أَلَمْ أَقُل إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} (الكهف: 72).

كل ما فعله الخضر أن ذكَّر موسى بالشرط الذي على أساسه قبل صحبته، ولم يكن أمام موسى إلا أن يؤكد التزامه بالشرط, ذلك لأن تزكيته كانت من الله مباشرة, الذي يعلم السرَّّ وأخفى, إذاً فلا بد أن هناك سراً وراء هذا التصرف, سيعرفه موسى بالتأكيد, ولكن ليس الآن...

قال موسى, كما أخبر القرآن: { قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} (الكهف: 73).

وانتهت الرحلة، ونزل موسى، وفتاه والخضر على الشاطئ، وظلوا سائرين... لم يكن موسى يعلم أين يذهبون, ولكنه ظل تابعاً مطيعاً، وفجأة وجد الخضر غلاماً يسير وحده فأسرع بقتله.

إن الأمر هذه المرة جد خطير، ففيه سفك لدم إنسان، وهو غلام صغير, لم يجرِ عليه القلم بعد، ولم يرتكب أوزاراً؟!!

كيف يقتله الخضر؟.. وبأي جريمة يؤاخذه؟.. وكيف يستبيح أن يُحزن أباً وأما كانا يرجوان نفعه، ويحزنان قطعاً لموته... هنا لم يستطع موسى أن يظل ساكتاً: { قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً} (الكهف: 74)..

تُرى, ماذا فعل الخضر أمام هذا الاحتجاج الشديد من تلميذه موسى: {قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} (الكهف: 75).

وهنا شعر موسى بالحرج والخجل، فها هو قد اعترض وأنكر على الخضر مرتين، وهو يرى أنه لا طاقة له بالسكوت, خاصة أن ظاهر ما يأتيه الخضر لا يمكن أن يقبله مؤمن أبداً، والأدهى من ذلك أنه يشتد في المرة الثانية عن الأولى كثيراً: { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً} (الكهف: 76).

وتابع الركب المبارك سيره، وكان في المقدمة الخضر وتلميذه موسى عليهما السلام، فأتيا قرية ودخلاها، ولم يعرفا أحداً فيها، وكانا بحاجة إلى طعام، فاضطرا إلى أن يستطعما أهلها، ويطلبا منهم الطعام والقرى، ولكنهم كانوا بخلاء فأبوا أن يضيفوهما ويطعموهما، وهذا لؤم وخسة وبخل منهم.. وشتان بين موقف أصحاب السفينة المساكين الفقراء الذين أكرموا موسى والخضر وحملوهما في السفينة بغير أجرة، وبين موقف أهل القرية البخلاء، الذين أبوا أن يقدموا الطعام لهما.

وظل الخضر سائراً يتبعه موسى حتى رأيا جداراً يوشك على الانهيار، فأقبل الخضر على الجدار، وقام على إصلاحه وتسويته، وإعادة بنائه، وموسى ينظر إليه مستغرباً.

وفي النهاية لم يستطع موسى أن يكتم استنكاره لما فعله الخضر: { قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} (الكهف: 77).

وبهذا الاعتراض الثالث وضع موسى نهاية لرحلته مع الخضر، وبدأ الخضر يشرح لتلميذه “كليم الله” تأويل ما قام به من أفعال, وقد كان مشوقاً كثيراً لمعرفة هذا التأويل، وأخذ الخضر يبين حِكَم الله التي تخفى على الكثير، ويبين لطف الله ورحمته بعباده الصالحين, وأن ما قد يؤلمهم ويحزنهم هو في صالحهم: دنيا وآخرة... وأن الله يختار لهم ـ بعلمه كل شيء وقدرته على الخلق ـ ما فيه صالحهم..

وعرف موسى أن قيام الخضر بخرق السفينة أنقذها من أن تغصب كلها لو كانت سليمة غير معيبة...

وعرف أن أبوي الغلام المقتول كانا صالحين، وأن هذا الغلام ـ لو امتدت به الحياة ولم يقتله الخضرـ كان في علم الله إنساناً عاصياً، وأن الله أراد أن يبدلهما بابن آخر يكون لهما ذخراً في الدنيا والآخرة...

وعرف موسى أنَّ قيام الخضر بإصلاح الجدار إنما كان رعاية من الله ليتيمين، كان أبوهما صالحاً, وقد ترك لهما هذا الجدار، ودفن تحته كنزاً, فإن تهدم الجدار ظهر الكنز، وأخذه أهل القرية الظالمون البخلاء، والله يريد أن يبلغ اليتيمان أشدهما، ويستخرجا كنزهما, رحمة بهما وإكراماً لأبيهما...

إن هذه الحوادث الثلاث علمت موسى وعلمت فتاه، وعلمتنا نحن أن هناك حكماً خفية وراء الأحداث، وأن ما يسوءنا، قد يخفى وراءه أموراً تسعدنا كثيراً في النهاية, دنيا وآخرة.

back to top