بوب ديلان... شاعر الوجوه المتعّددة!

نشر في 17-11-2008 | 00:00
آخر تحديث 17-11-2008 | 00:00

يصدر قريبا 23 قصيدة للمغني والشاعر الأميركي الحائز جائزة {بوليتزر} بوب ديلان في مجلّد مصوّر في الولايات المتحدة، وهي قصائد كتبها الشاعر منذ أكثر من أربعة عقود، وقد عثر عليها بيري فاينشتاين، مصوّر «الروك آند رول»، الذي رافق ديلان والتقط له الصور أثناء جولاته بين عامي 1966 و1974 مع فرقة «ذي باند» عندما بدأت تتشكل أسطورة هذا الموسيقي والشاعر والرسام وصاحب الموقف.

بوب ديلان أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في القرن العشرين سواء على المستوى الفني أو الثقافي. كان على قائمة «التايم» لأبرز مئة شخصية في القرن العشرين، ووُصف بأنه شاعر عظيم، وناقد اجتماعي مقدام وحاد. كذلك يعتبر ضمن أهم الشخصيات الأدبية والفنية مثل بيكاسو وموزار وتشارلز ديكينز وشكسبير. جاء اسمه في قائمة المرشحين لجائزة نوبل للآداب هذا العام التي فاز بها الروائي الفرنسي لوكليزيه.

قصائد ديلان المكتشفة تعيده الى الواجهة الثقافية، كان المصور فاينشتاين يراجع أرشيفه في منزله في «وودستوك» عندما وجد حوالي 75 صورة يعود تاريخها إلى الستينيات، إلى جانب 23 قصيدة كتبها ديلان تعليقاً على تلك الصور. أكد المصوّر أنه سأل ديلان إذا كان يريد كتابة بعض النصوص كي تصاحب تلك الصور، فراقته الفكرة، وعلى هذا النحو كتب تلك القصائد. ثم أرسلا الكتاب إلى إحدى دور النشر، التي رفضت نشره، وبذلك حكمت عليه بأن يبقى طي النسيان، يوضح المصوّر: «كان مخطوطاً ضائعاً»، لكنه سيرى النور خلال الشهر الجاري بعنوان «صورة بلاغية لهوليوود، المخطوط الضائع».

يسترجع هذا الكتاب حياة هوليوود المليئة بالأضواء، وقد شمل رؤى حول مشاهير وأشخاص مغمورين في الوجه الآخر غير المرئي من عالم هوليوود. بالإضافة الى نحو 90 صورة تظهر الانحطاط والخطر والشطط والتوتر والوحدة التي تحيط بعالم الشهرة.

من بين تلك الصور، تبرز صورة الممثل الراحل مارلون براندو وهو يسير بين جماعات عنصرية تتهمه بأنه صديق للسود، والصورة المتأنقة والحازمة لزجاجة المنوّم المكتوب عليه كنية مونرو، التي التقطها فاينشتاين لصالح وكالة «ماغنوم» في حجرة النجمة الهوليوودية التي كانت لفظت أنفاسها الأخيرة للتو هناك، والتي وقعت ضحية جرعات زائدة من الاكتئاب.

نبرة حزن

ولد ديلان فى 24 مايو/ أيار عام 1941، في دوليث بولاية مينسوتا في الولايات المتحده، ثم انتقلت أسرته بعد ذلك إلى هيبينغ. تعلم عزف الغيتار والبيانو منذ طفولته، كذلك تعلم في ما بعد عزف الهارمونيكا. شكل بعض فرق الروك المدرسية. عام 1959 ، التحق بجامعة مينسوتا وبدأ مشواره الفني بالغناء في ملاهٍ ليلية كثيرة. ثم انتقل إلى نيويورك عام 1961 حيث التقى بنجمه المفضّل مغني الفولك ودي غوثري الذي كان يمثل بالنسبة إليه القدوة لأنه كان يدافع عن طبقة العمال والمضطهدين.

شارك ديلان في حفلات في نيويورك، ما أكسبه شهرة واسعة. لقي ألبومه الأول نجاحاً كبيراً وضمّ أكثر أغنياته شهرة، فمنذ البداية سحر هذا الشاب الخجول جمهوراً كبيراً بصوته الرخيم المسكون بنبرة حزن موجعة وأغنياته التي تصوّر شجون الحياة اليومية عبر قصص قصيرة ومكثفة تحكي انكسارات المواطن الأميركي العادي وشجونه.

يعود معظم أغنيات ديلان المشهورة إلى الستينات عندما كان رمزاً لعدم الاستقرار في الولايات المتحدة الأميركية. أصبح عدد منها نشيداً لحركات الحقوق المدنية. كذلك شارك ديلان في مسيرات كثيرة مثل مسيرة واشنطن من أجل الحريات والوظائف عام 1963. كانت كلمات أغنياته الأولى تشمل التأثيرات الأدبية، السياسية، الاجتماعية، والفلسفية التي تتحدى موسيقى البوب السائدة في ذلك الوقت.

مُنح ديلان جائزة غرامي عام 1991 عن إنجازاته طوال تاريخه الفني. فاز بجوائز عدة أهمها جائزة أوسكار عام 2001 عن أغنية «الأمور تغيرت» لفيلم ووندر بويز «أولاد العجائب» بطولة الممثل مايكل دوغلاس، وجائزة غولدن غلوب عن الأغنية ذاتها. ثم حاز عام 2006 جائزة غرامي عن موسيقى فيلم وثائقي يروي حياته بين عامي 1962 و1966 عندما تحوّل من مطرب شعبي إلى صوت جيله.

رسّام

اهتم ديلان بالرسم طوال 20 عاماً، واتصلت به دار النشر «راندوم هاوس» بعد أن اطّلعت على مجموعة من رسوماته، تسأله إن كانت لديه الرغبة في أن تنشر له ما يتوافر لديه من رسومات على شكل كتاب. كانت ثمرة ذلك التعاون ظهور كتاب الرسومات «درون بلانك» حاملاً إسم بوب ديلان بصفته رساماً.

يقول ديلان في مقابلة أجرتها معه صحيفة «ذي تايمز»: «أحاول ممارسة حياتي في أبسط صورها وأرسم كل ما يخطر في بالي من دون تكلّف أو تخطيط مسبق. أعمل لعرض مشهد لعوالم الأشياء كما أراها أمامي». يعود ديلان بذاكرته الى أول زيارة له لمتحف الفن في نيويورك قائلاً:» كان أمراً مهولاً، نظراً الى تباين الأعمال المعروضة هناك وكثرتها. شعرت حينها أنه بمقدوري البقاء ساعات طوال أمام أي من اللوحات المعروضة، كما لو كنت جالساً أشاهد شريطاً سينمائياً».

ينفي ديلان أنه يحاول من خلال رسوماته وتخطيطاته تقليد إدغار ديغاس أو فان غوغ أو أن يصبح صورة طبق الأصل للرسام دافنشي: «أفتقد القدرة على الاستنساخ. في ما يتعلق بمدى تأثيرهم الفني عليّ، فلو كنت أمتلك موهبة الرسم مثلهم، لاكتشفت ما نتشابه فيه، وإن وجد ذلك التشابه، فبمحض الصدفة، أو بالفطرة».

يؤكد ديلان رغبته في أن يأتي رد فعل الجمهور على لوحاته: «صادقاً في مشاعره وعفوياً، وأن يتجنب سبر أغوار اللوحات، والبحث عما وراء الرسومات». يضيف: «أحاول إدخال المتعة في نفس المتفرج، فهو لا يحتاج الى تعيقد الأشياء من حوله. وإذا أحس بالاشمئزاز من اللوحات، فلا بأس».

حول الموسيقى يقول ديلان: {الموسيقى مقيتة بحد ذاتها، وبفضل إصدار سيرتي الذاتية في كتاب عام 2004، تيقنت من أن عالم النشر، مثلاً، هو أكثر صفاءً من عالم الموسيقى». عن عالم الفن التشكيلي يوضح: «على رغم قصر عمري الفني في مجال الرسم، أستطيع تأكيد أن الجمهور هنا أكثر صدقاً وعفوية، ويفي بوعوده. في نهاية الأمر، الناس هنا يقدمون نفسهم من دون مواربة أو تكلّف. ولأنني عشت معظم حياتي في عالم الموسيقى، أستطيع القول أن لا وجود لذلك كله هناك».

الى ذلك، اصبح بوب ديلان ملهما للكتاب، فقد أهدت الروائية جويس كارول بوب ديلان مجموعتها القصصية بعنوان «أين أنت ذاهب، أين كنت؟» (1993) بعدما ألهمتهـــا أغنيته It’s all over now, Baby blue ، حتى أنّها استعارت جملاً كاملة من أغنية ديلان مثل: «المــتشرّد الذي يطرق على بابك الآن، يقف باللباس الذي ارتديته أنتِ مرةً». إضافة إلى تشابه الأغنية والمجموعة في المزاج والنبرة والمناخ. تناولت كارول انعكاسات الموسيقى الشعبية والروك والفولك على مراهقي أميركا في الستينيات.

back to top