الصلح خيـر

نشر في 30-03-2009
آخر تحديث 30-03-2009 | 00:00
 د. حسن حنفي في هذا الوقت الذي ينعقد فيه مؤتمر المصالحة الوطنية الفلسطينية بالقاهرة من أجل تجاوز الخلاف بين «فتح» و«حماس»، بين السلطة الفلسطينية والمقاومة حفاظا على وحدة الشعب الفلسطيني في مواجهة حكومة يمينية قادمة أو حكومة وحدة وطنية يسيطر عليها اليمين أو اليمين الوسط، يبرز موضوع الصلح في القرآن الكريم كمصدر رئيسي للثقافة الوطنية السياسية القادرة على تدعيم المصالحة والوفاق الوطني.

فقد ورد مصدر «صلح» مئة وثمانين مرة أي أن الصلح موضوع رئيسي وجوهري في القرآن وفي حياة الناس. ورد اثنتي عشرة مرة فقط بمعنى المصالحة بين الأطراف، وهو المقصود لنزع الخلاف بين الناس. والمرات الباقية بمعنى فعل الخير والإصلاح في الأرض والصلاح والصالحات، فالصلح بين الناس جزء من منظور أعم وهو الإصلاح في الأرض.

وقد ورد لفظ «صلح» بمعنى المصالحة بستة معانٍ: الأول أن الصلح في حد ذاته خير بصرف النظر عن الصلح بين مَن مِنَ الأطراف المتنازعة «وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ». شح الأنفس وعدم الرغبة في الحلول الوسط والتصلب والمطالبة بالحد الأعلى حتى لو أدى ذلك إلى التضحية بالطرف الآخر هو السبب في منع الصلح. يحتاج الصلح إلى كرم النفس، وطيبة الخاطر، وحسن الطوية، وسماحة القلب.

والمعنى الثاني الصلح بين الزوجين، فالصلح في الحياة الخاصة سابق على الصلح في الحياة العامة، «فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً»، فالقادر على الصلح في الداخل قادر على المصالحة في الخارج، وهو ما يقرره المحللون النفسيون كذلك. وهو أهون الضررين من الصراع والنزاع والخلاف والحرب الخفية أو المعلنة بين الطرفين. لذلك كان الطلاق أبغض الحلال عند الله. وكان رد الزوجة خير من طلاقها «وَبُعُولَتُهُنَّ أحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أرَادُوا إصْلاحاً». والله يوفق بين المتصالحين «إنْ يُرِيدَا إصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا».

والمعنى الثالث هو الصلح بين الوصي والموصى عليه. وهو أيضا صلح داخل الأسرة ليس بين الزوجين هذه المرة بل بين الوصي والموصى عليه «فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أوْ إثْماً فَأصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ»، فقد تتعارض المصالح بين الطرفين نظرا لاحتمال سيادة الأهواء والميول والمصالح الشخصية على الوصي طمعا في أموال وممتلكات الموصى عليه أو طمعا فيه هو إذا كانت أنثى. لذلك حلل تعدد الزوجات حتى لا يحكر الوصي على الموصى عليها فلا يزوجها طمعا في مالها، وهو سبب لم يعد له وجود اليوم. هناك المجلس الحسبي ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني للقيام بهذا الدور بدلا من الوصي. والمعنى الرابع الصلح بين الإخوة أي بين أي جماعة بينهم رابطة الدم أو المكان أو المصلحة أو الفكر «إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأصْلِحُوا بَيْنَ أخَوَيْكُمْ»، فالاتفاق في النسب أو في الجيرة أو في الهدف أو في المصلحة يوجب الصلح، فلا قتال بين الإخوة ولا نزاع بينهم، والمؤمنون إخوة بينهم رابطة الإيمان الواحد.

والمعنى الخامس الصلح بين الناس جميعا، فبينهم رابطة الإنسانية أو البشرية. وماؤهم حرام فيما بينهم «أنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ»، فالسلام بين البشر هو الأساس، والصراع هو الاستثناء، وما يربط الناس بعضهم ببعض إما صدقة أي فعل الخير، وإما النصح أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإما الإصلاح بين الناس «إلا مَنْ أمَرَ بِصَدَقَةٍ أوْ مَعْرُوفٍ أوْ إصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ»، فالناس تجتمع على الخير والتناصح وليس على الشر والعدوان.

والمعنى السادس وهو الأهم، الصلح بين المتقاتلين ساعة الفتنة «وَإنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأصْلِحُوا بَيْنَهُمَا»، وإن رجع فريق إلى الحق أو كلاهما فالصلح واجب «فَإنْ فَاءَتْ فَأصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأقْسِطُوا»، فإصلاح ذات البين أقرب إلى التقوى والمصلحة العامة «فَاتَّقُوا اللهَ وَأصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ». دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم وأنفسهم حرام عليهم، ولئن مد قابيل يده لقتل هابيل ما قدم هابيل يده لقتل أخيه حتى يبوء الأخ القاتل بالعدوان وبحرمة دم أخيه، فدم «فتح» و«حماس» حرام على بعضهما بعضا، والشقاق بينهما لا يجوز لأن النزاع شر، وهما كالزوجين في الأسرة الفلسطينية الواحدة. وفي يوم من الأيام كانت «فتح» هي المنظمة الكبرى و«حماس» هي الصغرى، ثم تبدلت الأحوال وأصبحت «حماس» هي الكبرى لها الأغلبية في المجلس التشريعي وفي الشارع الفلسطيني، وهما إخوة. الصلح بينهما واجب. يتقاتلون، والقتال داخل الأسرة الواحدة لا يجوز.

الصلح بين الأطراف جزء من الإصلاح العام نتيجة للإيمان والتقوى والعفو، ومن هناك أتت الأعمال الصالحة «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» ضد الفساد والإفساد في الأرض وبين الناس، لذلك سمى أحد الأنبياء صالح والجنة مآل الصالحين. والإصلاح سنة الأنبياء، والله يعلم المفسد من المصلح، لذلك مهما اختلفت «فتح» و«حماس» ومهما تصارعتا على السلطة وتباعدتا في المنظور فلا يجوز النزاع ولا الخصام بينهما، والصلح خير بأمر القرآن.

الخلاف في الوسيلة لا يمنع من الاتفاق في الغاية، والاختلاف في الطريقة لا يمنع من الاتفاق في الهدف، والعدو الصهيوني نموذج في الاختلاف والاتفاق، اختلاف نتائج الانتخابات بين الحزبين الكبيرين وإمكانية قيام حكومة ائتلافية دون اقتتال بينهما، فهل يكون الفلسطينيون أقل التزاما بمبادئ الإسلام من العدو الصهيوني؟

* كاتب ومفكر مصري

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top