انتخابات لبنان ضد لبنان

نشر في 25-04-2009
آخر تحديث 25-04-2009 | 00:00
 بلال خبيز لبنان في قلب عاصفة من صنع محلي، فالمتفائلون والواقعيون يقولون: سينتج عن الانتخابات أقلية كبيرة وأكثرية ضئيلة؛ الأكثرية لن تكون أكثرية والأقلية لن تكون أقلية، والناتج عن هذين النفيين ليس أقل من نفي مضاعف: استحالة حكم البلد، واستحالة التوافق.

طيب! إنها انتخابات مفصلية... هكذا يقولون! فلنصدق، لقد صدقنا وانقضى الأمر، بعض النتائج تذاع قبل حصول الانتخابات أساساً، ففي طرابلس لم يقبل مصباح الأحدب على أي لائحة، توازنات القوى لم تسمح له بأن يدخل ضمن لائحة قوية. نرجو ونأمل أن يخترق إحدى اللائحتين؛ ومصباح الأحدب نائب طرابلسي سني المذهب، وهو عضو فاعل في حركة التجدد الديمقراطي التي يرأسها الوزير الحالي نسيب لحود... قلنا لا بأس! سيكون لرئيس الحركة التي ينتمي إليها الأحدب دور فاعل في انتخابات المتن الشمالي، حيث المعركة حامية، ويمكن أن نسميها مفصلية، لكن نسيب لحود ينسحب من المعركة، يسحب ترشيحه وينهي الجدال حول إمكان عودته عن سحب ترشيحه. نسيب لحود، مرشح اللبنانيين الأمثل لرئاسة الجمهورية على مدى عقود، وهو السياسي الذي أثبت طوال زمن ممارسته العمل السياسي أنه حريص على الحياة الديمقراطية والعمل البرلماني حرصاً فائقاً، والسياسي الذي يحترمه الجميع ينسحب من السباق. فليتريث قليلاً من يستعجل الأحكام... فعلى الجهة الثانية، لا مكان للرئيس حسين الحسيني، واللائحة مكتملة وليس ثمة فيها مناصب شاغرة للمحترمين، والحسيني ليس آخر الرجال المحترمين، وأيضاً ثمة سمير فرنجية الذي لم يفكر في ترشيح نفسه أصلاً... أمكنة المحترمين تضيق. نقول إن ثمة أملا بفوز بطرس حرب، وأيضاً قد يفوز فؤاد السنيورة، فلنحمد الباري أولاً، وعطوفة القوى المتحكمة بالمصير اللبناني الداخلي، عائلات وطوائف مسلحة وأخرى تتاجر بالممنوعات، لأن ثمة أملا في أن يفوز السنيورة وبطرس حرب، وقلة قليلة غيرهم، وسيبقى البرلمان اللبناني مستحقاً لتسميته إذا ما فاز هؤلاء، لكن خسارة المنسحبين الذين لا مكان لهم على اللوائح لا تعوض، والطوائف تأكل لبنانها.

بعض اللبنانيين، المتفائلين بطبعهم، صدقوا أن في وسع الرئيس الحالي، ميشال سليمان إنشاء كلتة واسعة في البرلمان الجديد، كتلة تقع تماماً في الوسط، ولو حدث ذلك، فهو يدعو إلى الاستبشار، لكن الموارنة في لبنان يعيشون نفيين لا ينتجان موجباً... بعضهم ينفي بعضهم الآخر، والموجب في بعبدا، لكنه أيضاً معزول، كما يشاع منذ الآن أن ثمة كتلة وسطية ستقوم بعد الانتخابات، كتلة يقوم على زعامتها زعيمان:

نبيه بري ووليد جنبلاط: نبيه بري هو نفسه الذي أقفل المجلس النيابي وليس أحد غيره، إنه دولة الرئيس الحالي ودولة الرئيس المقبل. ما إن تنتهي الانتخابات، يقولون، حتى يقع في التوسط بين اللبنانيين، ووليد جنبلاط أيضاً هو من تعرفونه، الزعيم الذي قاد فريق 14 آذار في بعض لحظات تطرف هذا الفريق وغضبه، لكنه أيضاً الزعيم الذي شارك في تهدئة الخواطر أيضاً إثر مقتل الزيادين وبعد حوادث 7 مايو المنصرم، وهو أيضاً الزعيم الوحيد في لبنان الذي مازال يستطيع أن يتاجر بهفواته. الرجلان يملكان تاريخاً في التوسط من دون شك، لكن التوسط بين من ومن؟ بين الدولة وطوائفها؟ أم بين الطوائف وطوائفها؟ الأرجح أننا منذ الآن نعرف نتيجة الانتخابات، ليس ثمة من يستطيع الحكم، وليس ثمة من يستطيع البناء.

في بيان انسحابه من السباق الانتخابي، أعلن الرئيس حسين الحسيني أن هذه ليست انتخابات ولا قانونها قانوناً. إنها انتخابات طبعاً! سيذهب المواطنون للوقوف في طوابير طويلة أمام أقلام الاقتراع، وسيصدر عن لجان مراقبة الانتخابات المحلية والدولية ثبتاً بالمخالفات، وسيقف المرشحون مبتسمين أمام الكاميرات وهم يهمون بوضع الورقة في الصندوق. لن يكون ثمة ما يخالف الأصول، وفي النهاية سينتخب اللبنانيون برلماناً جديداً كل الجدة، فكل شيء سيكون حسب الأصول... فقط ثمة هنات هينات لا تعطل النزاهة. إذ ماذا لو جرت الانتخابات تحت السلاح؟ وماذا لو كان اللبنانيون يعرفون الفائزين منذ الآن؟ وماذا لو أن اللبنانيين يدخلون انتخاباتهم تحت شعارات مغرقة في فئويتها؟ ليس ثمة ما يمنع أن تطمح فئة قليلة منغلقة على نفسها في جعل البلد كله فئة قليلة. اللبنانيون اليوم ينتخبون ضد لبنان. لبنان: من المفروض أنه وطن وأنه يتسع لجميع أبنائه، خصوصاً «المحترمين» منهم، لكن اللبنانيين يقترعون لجعل البلد أضيق أرض الله طراً... حسين الحسيني هو الأب الروحي لاتفاق الطائف، وخرج من السباق، ثمة من اغتاله معنوياً هذه المرة، والأب الآخر لهذا الاتفاق ذهب غيلة في تفجير السان جورج في 14 شباط– فبراير من العام 2005.

الطريق باتت ممهدة أمام تثبيت اتفاق الدوحة وإحلاله محل الطائف، ومعنى ذلك رمزياً، إحلال إمارة قطر محل المملكة العربية السعودية، بوصفها ما يجمع اللبنانيون على دورها، إمارة قطر ربما تتلمذت على بيروت... أميرها يعلن توبته قبل أن يرأس القمة، لقد حفظ وليد جنبلاط الدرس جيداً، وها هو يعتذر إنما الأرجح أنه لن يتوب.

* كاتب لبناني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top