مَنْ يرث الدور القطري؟

نشر في 09-07-2008
آخر تحديث 09-07-2008 | 00:00
 بلال خبيز طرح وزير الخارجية المصري السيد أحمد أبوالغيط في الاجتماع الوزاري العربي الذي عُقِد على خلفية أحداث السابع من مايو في لبنان، احتمال تشكيل قوة عربية، مصرية على وجه الخصوص، لإعادة الهدوء إلى لبنان، لكن الطرح خرج من التداول سريعاً. إذ إنه قوبل بمعارضة بعض العرب، خصوصاً سورية، من جهة أولى، ونقص في الاستعدادات المصرية - السعودية على هذا المستوى، لكن الطرح في حد نفسه مؤشر بالغ الدلالة. فالنظام المصري بات يستشعر التهديدات التي تدق أبوابه في غزة وعلى معبر رفح، فضلاً عما يجري في اليمن والسودان، مما يهدد احتمالات الدور المصري المستقبلي بصورة أساسية، لكن المسافة بين استشعار الخطر والشروع في مواجهته ليست قصيرة دائماً، ولا يمكن قطعها بقرارات أو آراء مستنيرة، إذ لو سُئِل سائل ما الأفضل لمصر أن تبادر إليه في هذه الأحوال دفاعاً عن دورها واستقرارها في الوقت نفسه؟ لأجاب من دون تردد: أن تحدد خطوطاً عامة لسياساتها الخارجية في مناطق التوتر كافة ومن دون إبطاء، وتعمل على تنفيذها. الأفكار في هذا المجال كثيرة وجليلة، لكن مقومات التنفيذ ليست متيسرة في كل حين، والواقع أن الدولة المصرية تنحو منذ عقود نحو تثبيت استقرار داخلي لم تشهد له مثيلاً منذ منتصف القرن الماضي، وأن المملكة العربية السعودية تترفع عن المغامرات غير المحسوبة جيداً، وغالباً ما تزن خطواتها بميزان الذهب، يعني أن تدخلاً فاعلاً في لبنان من إحدى الدولتين الكبريين في العالم العربي ليس أمراً متحققاً.

اللبنانيون، من جهتهم، بلغوا في انقساماتهم حداً لم تعد تُجدي معه خطب المجاملات السياسية. فالانقسامات حادة وشديدة، والدم بات يفصل بين الجميع من دون استثناء. فضلاً عن استحالة تعايش دورين متناقضين: واحد ممانع ومقاوم في الوقت نفسه، وآخر يتطلب السلم وتسويق الهدوء والأمن لينشئ مشروعاً يمكن أن يغري المستثمرين، هذا كله يفصح أن الأزمة الداخلية في البلد باتت أصعب من أن يتم إيجاد الحلول لها في غضون أشهر قليلة، وإذا أضيف إلى هذه الاستعصاءات والتعقيدات الهائلة التي تضرب جذورها عميقاً في الاجتماع اللبناني، لجهة الانقسامات الطوائفية والتوزيع الديموغرافي- السياسي، يصبح واضحاً أن أزمة تشكيل الحكومة التي بلغت أعلى ذراها في الأسابيع القليلة الماضية هي عينة من عينات الأزمات التي ستعصف بلبنان وتحتاج في كل مرة إلى وسيط قطري لحل عقدها المستعصية.

واقع الحال، أن اللبنانيين يستجدون التدخل الأجنبي، أي أن الطرح المصري لم يقع على بنية لبنانية ترفض مثل هذا التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية وتنحو نحو تحقيق استقلال ناجز وتام. بل إن الخلافات في لبنان تتعلق بهوية المهيمن وطبيعته وليس ثمة من خلاف على منطق الهيمنة نفسها. فبالنسبة إلى «حزب الله» لن يكون وجود جيش إيراني أو سوري، حتى الآن، في لبنان سبباً لاعتراضه، وتمسكه بسيادة لبنان على كل شبر من أراضيه، وبالنسبة إلى الطرف الآخر يمكن القول، إنه بعد أحداث بيروت الأخيرة سقطت آخر القوى التي كان يقدر لها أن ترفض أي هيمنة من أي نوع، وبات الميدان جاهزاً لاستقبال أي تدخل مصري أو سعودي بالترحاب، أما تضخم الدور القطري فليس مرده إلى قوة قطر الإقليمية ووزنها الراجح، وهذا ما عبّر عنه أمير قطر بوضوح في افتتاح مؤتمر الدوحة الذي جمع الخصوم من اللبنانيين، بل مرده إلى الخلاف اللبناني المستشري على هوية الطرف الذي يتطلب الهيمنة ولو بصيغة الوساطة الملطفة، مما يعطل طرداً دوراً سورياً أو إيرانياً أو مصرياً أو سعودياً متوازناً على هذا المستوى.

مع ذلك، ورغم نجاح قطر في الدور الذي انتدبت نفسها لأدائه في لبنان، فإن مقومات الأزمة اللبنانية وتعقيداتها المتشابكة سرعان ما ستطفو على السطح مرة أخرى، مما يجعل الدولة القطرية عاجزة عن إعادة تفعيل دورها. حينذاك لن يكون بالإمكان الاعتماد على حكمة اللبنانيين، فهم أثبتوا أنهم لا يتمتعون بهذه الصفات، ويصبح الميدان مفتوحاً لأي تدخل خارجي كائناً من كان المتدخل.

قوة قطر أتت من قدرتها على ادعاء الحياد في الصراع بين المحورين، أي المحافظة على علاقات جيدة مع إسرائيل وإيران في الوقت نفسه، وهذا عين ما تفعله سورية في هذه الأيام: مفاوضات تتقدم على الجانب الإسرائيلي ومعاهدات تُوقّع على الجانب الإيراني، وفي هذا السلوك ما يكفي سورية لتصور نفسها مرة أخرى دولة الوسط العربي، وإذ إن النظام السوري يملك القدرة والرغبة في المغامرة، بخلاف المصري أو السعودي أو القطري، فإننا على الأرجح سنشهد في الأشهر القليلة المقبلة عودة سورية إلى لبنان من أعرض بواباته، وربما كانت بروفة ميشال عون والدور السوري في تليين موقفه أول تمارين المسرحية المقبلة.

*كاتب لبناني

back to top