هل الغرب محقّ في استئناف العلاقات الودّية مع ليبيا معمّر القذافي؟

نشر في 14-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 14-09-2008 | 00:00

لمَ نطرح هذا السؤال الآن؟

لأن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس تقاسمت الخبز والملح مع القائد الليبي المتقلّب المزاج في إطار اجتماع تاريخي تم في ليبيا أخيراً، فلمست لمس اليد عدوله عن مواقفه السابقة بعدما تنازل عن أسلحة الدمار الشامل الخاصة به عام 2003. جاءت تلك الزيارة، الأولى من نوعها من قبل وزير خارجية أميركي على مدى أكثر من نصف قرن، بعد سنوات من العداء بسبب قضية لوكربي.

يذكر أن هذا الاجتماع دُبِّر بعدما وافق القذافي على دفع تعويضات إلى عائلات ضحايا تفجير طائرة «بان أميركان»، الرحلة رقم 103، عام 1988 ولقي بسببه 270 شخصاً حتفهم، وإلى ضحايا تفجير ملهى ليلي في برلين عام 1986. في المقابل، يدفع الأميركيون تعويضات للضحايا المدنيين الذين سقطوا في الغارات الجوية الأميركية على طرابلس الغرب وبنغازي، وهي غارات حفّزها تفجير الملهى الليلي.

عُقد اللقاء الذي جمع رايس بالقذافي في مجمع في طرابلس الغرب كانت الطائرات الحربية الأميركية قصفته عام 1986. يذكر أن الأميركيين جددوا العلاقات الدبلوماسية عام 2006، بعد ثلاث سنوات من إعلان ليبيا، التي صنفتها الإدارات الأميركية المتعاقبة بأنها «دولة مارقة»، تخلّيها عن الإرهاب وعن أسلحة الدمار الشامل.

من كافأ الزعيم الليبي أيضاً؟

كان طوني بلير (رئيس وزراء بريطانيا آنذاك) أول قائد أوروبي يهرع إلى خيمة الزعيم الليبي في الصحراء في مارس (آذار) 2004. كنتيجة لتعاون القذافي في ما يتعلق بالإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، تمكنت الدولتان من أن تطويا صفحة الذكريات المظلمة في ما يتعلق بتزويد ليبيا الجيش الجمهوري الايرلندي بالسلاح وإطلاق الرصاص على الشرطية إيفون فليتشر خارج السفارة الليبية في لندن عام 1984.

في وقت لاحق من عام 2004، نصب القذافي خيمته البدوية في بروكسل، حيث رُحّب به في مقر الاتحاد الأوروبي مع فريقه المتفوّق من المرافقات الشخصيات. كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الزعيم الثاني الذي قصد ليبيا السنة الماضية في يوليو (تموز) برفقة زوجته آنذاك سيسيليا، وتوسّط لتأمين إطلاق سراح الممرضات البلغاريات الخمس والفلسطيني المتهمين بإصابة 438 ولداً عن عمد بدم ملوّث بفيروس السيدا في مستشفى بنغازي.

تدبّر هذا القائد المتقلّب الحصول على دعوة رسمية إلى باريس للقيام برحلة اعتُبرت، وعلى نطاق واسع، إهانة للرئيس الفرنسي، إذ اتُّهم بتكريم ديكتاتور وحشي في يوم حقوق الإنسان العالمي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أخيراً وليس آخراً، يأتي رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني، الذي قاضت دولته الزعيم الليبي داخل الاتحاد الأوروبي على أمل وضع حدّ للمهاجرين الأفارقة الذين يأتون إلى شواطئ الجزيرة الإيطالية لامبيدوزا. على الرغم من وجود اتفاق على القيام بدوريات بحريّة مشتركة، بقي أكثر من 100 افريقي يطأون أرض لامبيدوزا يومياً. في 30 أغسطس (آب) الماضي، سافر برلوسكوني إلى بنغازي ليوقع على صفقة «صداقة» تدفع إيطاليا بموجبها مليارات الجنيهات الاسترلينية كتعويض عن 32 عاماً من الحكم الاستعماري. في هذا الإطار، قال برلوسكوني للعقيد القذافي إن إيطاليا تعتذر و«تعترف معنوياً وبشكل كامل بالأضرار التي تسببت بها للشعب الليبي خلال الحقبة الاستعمارية»، ما بين عامي 1911 و1943.

لكن تكمن وراء تلك الزيارات كلها، الحقيقة الاقتصادية لثروة ليبيا الهائلة من النفط والغاز الطبيعي، التي يمكن أن تؤمن عقوداً مربحة للشركاء الغربيين الذين حرموا من التبادل التجاري معها خلال سنوات طويلة من العقوبات المفروضة من قبل الأمم المتحدة بعد عملية التفجير في لوكربي.

هل يمكننا الوثوق به؟

يبدو أن الحكومات الغربية تظنّ ذلك في ضوء تخلّيه عن أسلحة الدمار الشامل، لكن حريّ بها أن تتذكر كيف أن المناصر الأبرز للوحدة العربية أدار في سبعينات القرن الماضي ظهره للقادة العرب عبر اتخاذه قراراً مفاجئاً بنقل دولته إلى الاتحاد الافريقي. قبل ذلك، استخف بفكرة إقامة اتحاد مع مصر. لكن الزعيم الليبي يعطي بقدر ما يأخذ: في السنة الماضية، امتدح رايس على قناة «الجزيرة»، وكان «فخوراً جداً بالطريقة التي تنحني فيها وتعطي الأوامر للقادة العرب... ليزا، ليزا، ليزا... أحبها كثيراً. أنا معجب وفخور جداً بها لأنها امرأة سوداء تتحدّر من أصول افريقية».

بعيداً عن أن تكون تلك مزحة دولية، في ظل حكم القذافي الديكتاتوري المستمر على مدى أربعة عقود تقريباً، لدى النظام الليبي سجلّ مريع على صعيد حقوق الإنسان. ثم إن القذافي تجاهل طلب رايس إطلاق سراح أبرز سجين سياسي ليبي، وهو فتحي الجحمي، الذي دخل السجن عام 2002.

لماذا تنازل العقيد عن أسلحة الدمار الشامل؟

هذا سؤال جوهري. تقول إدارة بوش إنه تخلّى عن مخزونه من الأسلحة الكيماوية وبرنامجه النووي لأنه خشي، بعدما بدأ المحافظون الجدد بتجربة أسلحتهم ضد صدام حسين بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 الانتحارية، أن يكون نظامه التالي على لائحة الأهداف الأميركية. غير أن أحد العوامل المساهمة تمثّل في استيلاء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيطاليا على سفينة ألمانية متّجهة إلى ليبيا في مارس (آذار) عام 2003. كانت سفينة BBC China، التي تعقّبها الأميركيون قرابة العام، تحمل آلافًا من قطع آلات الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، وكان القذافي أرسل مجساته (أجهزة للتجسّس) إلى الغرب في خضم التعزيزات العسكرية في الكويت قبل الاجتياح العراقي، لكن اعتراض تلك السفينة سرّع مسار الأمور. في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2003، أعلن القذافي خبراً مفاجئاً بأنه سيتخلى عن أسلحة الدمار الشامل، وسرعان ما لقي قراره ترحيباً من قبل الرئيس بوش ورئيس وزراء بريطانيا آنذاك طوني بلير.

ما حجم التهديد الذي كانت تشكّله ليبيا؟

على الرغم من أنها تمتلك برنامجاً ناشطاً، إلا أن ليبيا كانت بعيدة بسنوات عن تطوير سلاح نووي، وفقاً لأحد كبار المسؤولين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة. ساعد التعاون الليبي مفتّشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة في كشف شبكة العالم النووي الباكستاني، عبد القدير خان، الذي باع القذافي مجموعة شبه كاملة من المخططات التفصيلية وكتيّبات الإرشادات لاستخدام رأس حربي نووي، وذلك حسب التقارير الأميركية الأخيرة. يتوقع أن تنجز الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الأسابيع المقبلة مرحلة التحقيق في برنامج أسلحة الدمار الشامل غير الشرعي في ليبيا، لتنتقل إلى عمليات التفتيش الوقائية الروتينية، وتلك أقصر فترة استغرقتها الوكالة لإغلاق ملفّ.

ماذا عن قضيّة لوكربي؟

مُنح المواطن الليبي الذي يقضي عقوبة السجن المؤبّد بسبب تفجير لوكربي، عميل الاستخبارات السابق عبد الباسط علي محمد المقرحي، إذناً باستئناف العقوبة الصادرة بحقه بعد تمرير وثائق سرية إلى بريطانيا من قبل قوّة أجنبية. تبقى الأسئلة حول من وضع القنبلة وما الدافع الى تفجير طائرة «بان أميركان»، الذي وقع بعد خمسة أشهر من إسقاط الولايات المتحدة طائرة مدنية إيرانية. في ظل غزارة النظريات التآمرية، يقول البعض راهناً إن إيران خططت لتفجير لوكربي، في حين وجّه محامو الدفاع الذين يتولون قضية المقرحي أصابع الاتهام في الماضي إلى مجموعة فلسطينية كانت تعمل في ألمانيا عند التفجير.

الديكتاتور الذي يعود مجدداً إلى بر الأمان

كيف تعامل القذافي مع الغرب؟

1984: إطلاق رصاص على الشرطية ايفون فليتشر من السفارة الليبية. تقطع المملكة المتحدة العلاقات الدبلوماسية مع ليبيا.

1987: تعترض السلطات الايرلندية والفرنسية سفينة ليبية تنقل السلاح إلى الجيش الجمهوري الايرلندي.

1988: يشتبه بتورّط ليبيا في تفجير طائرة «بان اميركان»، الرحلة رقم 103، فوق لوكربي في اسكتلندا.

1991: رفض تسليم العميلين في الاستخبارات الليبية المتهمين بعملية التفجير في لوكربي يقود إلى مزيد من العزلة.

1999: يوافق القذافي على تسليم المشتبه بهما في قضية لوكربي.

2003: يعلن امتلاك ليبيا برنامج أسلحة دمار شامل ويسمح للمفتشين بتفكيك هذا النظام.

2004: يلتقيه طوني بلير في ليبيا.

2006: تتوصل ليبيا إلى اتفاق مع فرنسا لتطوير برنامج نووي.

أغسطس (آب) عام 2008: يوافق رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلوسكوني على التعويض عن الاحتلال الايطالي لليبيا.

سبتمبر (أيلول) عام 2008: كوندوليزا رايس في ليبيا، وهي وزيرة الخارجية الأميركية الأولى التي تزورها منذ عام 1953.

هل يجب أن يُدعى القذافي إلى بريطانيا؟

نعم

* كان منبوذاً لفترة طويلة ويجب أن يعود مجدداً إلى المجتمع الدولي.

* سيُحفَّز قطاعا التجارة والسياحة بفضل زيارة رسمية من العقيد.

* بعدما وقعت البلاد في حب كارلا بروني ساركوزي، سيعشق البريطانيون حارسات العقيد الفاتنات.

لا

* يجب أن يظهر نظام القذافي التزاماً أكبر بحقوق الإنسان في المقام الأول.

* هو شديد التقلّب إلى حد لا يمكن اعتباره شريكاً يُعتمد عليه، وستكون زيارته بمثابة إحراج رسمي.

* كان سابقًا غشاشاً وما زال، أنظروا كيف خدع العالم بشأن أسلحة الدمار الشامل التي يملكها.

back to top