ما قل ودل: تحول في القضاء الدستوري في قانون الاجتماعات العامة

نشر في 16-06-2008
آخر تحديث 16-06-2008 | 00:00
 المستشار شفيق إمام طرحت في تعليقات سابقة على حكم المحكمة الدستورية في الكويت الصادر في 1/5/2006 بعدم دستورية المادة المادتين (4) و(16) من نصوص قانون الاجتماعات العامة كيف بسطت المحكمة رقابتها على (13) مادة أخرى، وقضت بعدم دستوريها، وطرحت في نهاية التعليقات سؤالاً حول ما إذا كان قضاء المحكمة خارج نطاق الدعوى الدستورية والذي لم يكن ضرورياً أو لازماً للفصل في ما قضت به المحكمة من عدم دستورية المادتين (4) و(16) السالفتي الذكر، يعتبر تحولاً عن القضاء الدستوري المستقر على غير هذا النظر؟ وهو ما يقتضي عرض قضاء المحكمة المستقر في هذا الأمر.

القضاء المستقر للمحكمة:

وكانت المحكمة الدستورية قد استقرت في كل أحكامها على أن يقتصر قضاؤها في الرقابة الدستورية على النص الدستوري الذي انصب عليه الدفع بعدم الدستورية، دون أن تتطرق إلى أي نص دستوري آخر، ولو كان مرتبطاً بالنص الذي تقضي بعدم دستوريته.

بل إن المحكمة من شدة حرصها على ذلك، قد حجبت نفسها عن تسليط رقابتها على نصوص قانونية، أحيل إليها الدفع بعدم دستوريتها، إذا كان يمكن الفصل في النزاع المطروح أمام المحكمة المختصة، دونما حاجة إلى القضاء بعدم دستورية هذه النصوص، وذلك لأنه لا يجوز التصدي للبحث في دستورية قانون، إلا عند الضرورة القصوى، أي متى كان أمراً لا يمكن تجنبه، بأن كان لازماً وضرورياً للفصل في الطلبات الموضوعية، فإذا انتفت هذه الضرورة كانت المنازعة الدستورية غير منتجة وغير لازمة أو مقبولة، وتنتفي المصلحة كذلك إذا لم يقدم مبدي الدفع الدليل على أن ضرراً واقعياً قد لحق به، وأن يكون ضرراً مباشراً وممكناً تداركه ومواجهته بالحكم بعدم الدستورية، وأن يكون مرد الأمر في الضرر إلى النص التشريعي الذي تقضي المحكمة بعدم دستوريته.

الدعوى الدستورية ليست دعوى حسبة:

وتضيف المحكمة الدستورية إلى ما قدمناه من أسباب، تتمثل في طبيعة القضاء الدستوري كقضاء احتياطي، أو تحقيق مصلحة لرافع الدعوى في الحكم الصادر بجلسة 27/6/1992 في الطعن رقم 1 لسنة 1992، أنه لا يكفي الفصل في الدعوى الدستورية توافر المصلحة العامة للجماعة بالدفاع عن المشروعية، لأن الطعن بعدم الدستورية ليس من قبيل دعوى الحسبة المعروفة في الشريعة الإسلامية والقانون الروماني، وهي المبادئ التي طبقتها المحكمة الدستورية في العديد من الأحكام ومنها:

من تطبيقات القضاء المستقر:

- قضاء المحكمة بعدم قبول الطعن الخاص بحقوق المرأة السياسية، والذي أسسته على أن المنازعة تدور حول أصل الحق الانتخابي، ألبسها الطاعن ثوب المنازعة في القيد، وهو حكم لم يصبه التوفيق، لأن المنازعة في القيد كانت السبيل الوحيد أمام المرأة لحصولها على حقها السياسي قضاء (الطعن رقم 12 لسنة 2001).

- قضاء المحكمة بعدم قبول الدفع بعدم دستورية نص في قانون الجزاء بجرم فعل الزنى بالنسبة إلى الرجل ولا يجرمه بالنسبة إلى المرأة التي يواقعها برضاها متى كانت تبلغ الخامسة عشرة من عمرها ولا تبلغ الحادية وعشرين، لمخالفته مبدأ المساواة أمام القانون، وقد حجبت المحكمة نفسها عن هذا الدفع، لأن المتهم لم يعاقب على هذه الجريمة وحدها، بل عوقب بعقوبة الجرم الأشد عن عدد من جرائم العرض (الطعن رقم 3 لسنة 2006).

- كما قضت المحكمة كذلك بعدم قبول الطعن بعدم دستورية المادة (28) من قانون المطبوعات رقم (3) لسنة 1961 التي تقيم قرينة قانونية مفترضة بمسؤولية رؤساء التحرير الجزائية عن كل جرائم النشر التي تقع من الصحيفة، بالمخالفة لأحكام الدستور التي تقرر شخصية العقوبة، وقد حجبت نفسها عن هذا الطعن لسقوط الدعوى الجزائية بعدم رفعها في الميعاد الذي حدده قانون المطبوعات (الطعن رقم 5 لسنة 1998).

- كما قضت المحكمة بانتفاء مصلحة الطاعن في الدفع بعدم دستورية قانون المديونيات، لأن الفصل في الدفع منبت الصلة ببطلان الإقرار الذي صدر من المدعي لوقوعه في غلط، وتحت تأثير الإكراه، (الطعن رقم 31 لسنة 1997).

العدول عن قضائها المستقر:

ولا جدال في أن المحكمة في قانون الاجتماعات العامة عندما قضت بعدم دستورية المادتين (4) و(16) من هذا القانون بجلسة 1/5/2006، وتطرقت إلى (13) مادة أخرى من نصوصه، خارج نطاق الدعوى الدستورية، لتقضي بعدم دستوريتها، على الرغم من أن هذا القضاء لم يكن ضرورياً أو لازماً للفصل في الدعوى الدستورية أو الدعوى الموضوعية.

حيث قضت المحكمة بعدم دستورية المواد (1 و2 و3 من قانون الاجتماعات العامة والتجمعات)، باعتبارها حسبما جاء بأسباب الحكم «مفترضاً أولياً»، لتطبيق المادة (4) من القانون التي تتطلب الحصول على ترخيص لعقد هذا الاجتماع، أو لتطبيق المادة (16) التي تقرر عقوبة جزائية على عدم الحصول على هذا الترخيص، وهو قضاء مردود عليه بأن المفترض الأولي –الذي ذكرته المحكمة- لا يقوم إلا في حالة واحدة هي أن تقضي المحكمة بدستورية المادة (4)، إذ يتعين عليها في هذا الحالة التصدي لبحث دستورية المفترض الأولي، المحدد لمفهوم الاجتماع العام، لبحث ما إذا كان الاجتماع عاماً يتطلب الحصول على ترخيص أو خاصاً لا يتطلب ذلك.

الأمر الذي يؤكد أن التصدي لبحث مدى دستورية نصوص القانون التي عرفت الاجتماع العام، لم يكن ضرورياً أو لازماً بعد أن قضت المحكمة بعدم دستورية المادة (4) من هذا القانون والذي كان كافياً لتحكم المحكمة الجزائية ببراءة المتهمين، بعدم الحصول على ترخيص لعقد اجتماع عام، ودون حاجة كذلك إلى القضاء بعدم دستورية المادة (16) التي تقرر عقوبة جزائية على مخالفة أحكام المادة (4) وقد قضى الحكم بعدم دستوريتها، إذ تسقط تبعاً لهذا القضاء تلقائياً المادة (16)، لسقوط الفعل المجرم، كما تسقط تبعاً لها كذلك المادتان 5 ،6 اللتان حددتا بيانات طلب الترخيص وعدد الموقعين عليه وتوقيعاتهم وميعاد تقديم الطلب وتحديد مكان وزمان الاجتماع.

وهو ما دللنا عليه كذلك، في تعليقاتنا السابقة بالنسبة إلى قضاء المحكمة بعدم دستورية النصوص المتعلقة بتحريم حمل السلاح وعدم جواز امتداد الاجتماعات إلى ما بعد الثانية عشرة مساء وغيرها من نصوص، والتي لم يكن الفصل فيها ضرورياً أو لازماً للفصل في الدعوى الدستورية، بما يعتبر هذا القضاء تحولاً في القضاء المستقر للمحكمة الدستورية، وخلقا لرقابة لدستورية القوانين سابقة على إقرار التشريع، وحلولا للمحكمة محل السلطة التشريعية فيما هو من صميم اختصاصها، وهو تقدير ملاءمة أو عدم ملاءمة التنظيم الذي تقره بديلاً عن قانون الاجتماعات العامة الذي قضت المحكمة بعدم دستوريته.

وهو ما يطرح سؤالاً حول مدى التزام مجلس الأمة بهذا القضاء خارج نطاق الدعوى الدستورية، وهو ما سنتناوله في مقال قادم بإذن الله.

back to top