قصص القرآن عزير عليه السلام الإحياء بعد الموت لون من الإعجاز في قصص القرآن
قصة (عزير) نبي الله من القصص التي تدعو الناس بعامة، والمؤمنين بخاصة إلى الثقة في وعود الله مهما كانت الأوضاع والظروف الظاهرة معاكسة لتحقيق هذه الوعود .. فلا ينبغي للمؤمن أن ييأس، وينبغي له أن يتحرك، وأن يعمل ما في وسعه وما في قدراته وإمكاناته؛ مع الثقة في وعود الله؛ فإن هو فعل ذلك فإن الله مالك القوى والقدر يعينه ، ويحقق له وعده.وفي البداية نقول: إن «عزير» نبي من أنبياء بني إسرائيل، أتى على حين كان بنو إسرائيل يعيشون فترة من أحلك فترات تاريخهم. فهم لم يحفظوا نعمة الله، ولم يحافظوا على الملك الذي بناه نبيّان كريمان هما: داود وسليمان (عليهما السلام)، وإنما راحوا يتظالمون ويفسدون، واشتد الفساد؛ فأرسل الله عليهم الملك بختنصر، ليهدم حواضرهم وخاصة القدس، وليسبيهم كلهم، ويُجليهم عن الأرض المقدسة.
عاش اليهود فترة طويلة في هذا السبي البابلي، وولد «عزير»، وظل يحمل في قلبه وعقله أمل النهوض بأمته ودينه؛ رغم أن الظروف كانت أكثر من معاكسة وغير مواتية.حفظ «عزير» التوراة كلها عن ظهر قلب، وأخذ يعظ الناس، ويذكرهم بأن عزَّهم ومجدهم من الممكن أن يرجعا إليهم إن هم عادوا لربهم.عانى كما عانى كل الأنبياء من قبله ومن بعده، وبدأ الأمر كما لو كانوا يقاومون فكرة تحررهم، ويستريحون لاستعبادهم وإذلالهم!أخيراً؛ قرر «عزير» أن يترك بلده وأهله وقومه أولئك الذين استمرأوا الذل والظلم، وخرج يريد القدس؛ لعله يستطيع أن يعيدها ـ كما كانت ـ شامخة عالية, ولعلَّه يجد فيها أناساً مازالوا يثقون في عهود الله، ويعينونه على تحقيق غايته هذه.ولنتعرف الآن على قصة نبي الله «عزير» كما رواها حبر الأمة؛ عبدالله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فهو يذكر أن «عزير» خرج من بيته راكباً حماره وأخذ معه طعامه وشرابه، كان معه سلتان، سلة فيها تين وسلة فيها عنب، أخذ الحمار يسير وهو يحمل «عزير»، وكان «عزير» يفكر أثناء سيره في مهامه التي عليه أن يؤديها غداً؛ أولى هذه المهام ؛ هي أن يلتقي بالناس، وأن يعيد تذكيرهم بالله وبوعوده، وأن يعيد غرس الإيمان في نفوسهم ، وحينما وصل وجد كل شيء صامتاً وميتاً وخراباً.. البيوت؛ تهدمت معظم جدرانها، وبقيت أعمدتها تتهيأ للسقوط.. الأشجار القليلة في المدينة فقدت نضرتها واصفرت أوراقها، وفي طريقها للذبول نهائياً, كان الصمت يعشش في المكان، وينشر أجنحته الساكنة على الأرض, وأحس «عزير» بقسوة الموت وثقل الخراب، باختصار كان الوضع كما قال الله تبارك وتعالى: {خاوية على عروشها}، فالعروش هي الأسقف، وهي التي وقعت في البداية، ثم انهارت الجدران، فانهيار السقف كان نتيجة لشدة الدمار، وهذا يدلنا على وضع هذه القرية.ولأن «عزير» نبيّ فقد كان شديد الثقة بالله، عالماً بأن الله يستطيع إحياء كل هذا الموات، وأن مهمته هي طاعة الله فيما أمر، وتنفيذ ما كلفه به مولاه، وهو أمره بالذهاب إلى هنا وهو قد ذهب.ولكنه لشدة ما رآه من دمار ومن موات، قال، كما حكى الله عنه: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} (البقرة : 259).هذا السؤال من الممكن أن يتبادر إلى ذهن وإلى فكر أي مصلح يريد أن يصلح العالم الآن، وهو يرى الضياع الذي يعيشه العالم, وهو يرى تحكم الظالمين، وضعف واستسلام حملة الخير إلى الناس, وهو يرى المؤسسات التي تتعاون على المنكر وعلى إماتة الحق.حينما قال «عزير» هذه الكلمات فإن الله أماته على الفور، ويستفاد هذا من حرف الفاء؛ إذ يقول الله «فأماته الله».ولنا أن نتخيل حال «عزير» قبل أن يميته الله، فهو قد وصل من السفر متعباً، ورأى مظاهر الموت تلف المكان كله.. نزل من على حماره، وربطه، ثم أخرج طعامه من سلتيه، ودخل الكهف ليستريح، فمات.إن الله أراد أن يجعل «عزير» نفسه آية، هو كان يريد أن يحيي تلك القرية المباركة، والله أراد أن يجعله هو عظة وعبرة، يحيي بها الله قلوب المؤمنين في كل زمان ومكان، حتى تقوم الساعة. ومرت سنوات ونسي الناس «عزير» ما عدا أصغر أبنائه, وامرأة كانت تعمل في بيته خادمة، وكان عمرها عشرين عاماً حين خرج «عزير» مسافراً وانقطعت أخباره.وبعد مائة عام أحيا الله «عزير»، وعندما أحيا الله «عزير» فرك عينيه، وتجول ببصره حوله فرأى الكهف كما هو يوم أن دخله، وتذكر أنه نام، ثم قال لنفسه: لقد نمت طويلاً، ربما من الظهيرة إلى المغرب.فأرسل الله إليه ملكاً؛ سأله الملك: «كم لبثت؟» وأجابه «عزير»: {قال لبثت يوماً أو بعض يوم}، قال له الملك الكريم: {بل لبثت مائة عام}.{فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه}، نظر «عزير» إلى التين فوجده كما هو.. لم يتغير لونه ولا طعمه ولم يفسد.. لقد مرت عليه مائة سنة فكيف بقى الطعام على حاله؟!، ونظر «عزير» إلى الصحن الذي عصر فيه العنب ووضع فيه الخبز الجاف فوجده على حاله الذي تركه عليه.. كما هو؛ مازال شراب العنب صالحاً للشرب، وما زال الخبز ينتظر أن يفقد قسوته وجفافه وهو مغموس في عصير العنب، وامتلأ «عزير» بالدهشة... كيف تمر مائة سنة على عصير العنب ويظل على حاله بغير تغيير... بينما هو يتغير بعد ساعات ويفسد ؟! إن هذا دليل على أنني نمت ساعات قليلة وليس مائة سنة.قال الملك: بل لبثت مائة عام. ثم قال بعد أن رأى نظرات الشك في عيني «عزير»: {وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية}، نظر «عزير» إلى حماره فوجده تحول إلى عظام مبعثرة؛ ولا يمكن أن يحدث ذلك في زمن قصير فإن موت الحمار أمر قد يحدث في يوم، لكن أن يرم جسمه ثم ينتهي لحمه إلى رماد ، ثم تبقى العظام مبعثرة فتلك قضية تريد زماناً طويلاً لا يتسع له إلا مائة عام، فكان النظر إلى الحمار هو دليل صدق على مرور مائة عام، فالقضية إذن قضية عجيبة .. كيف طُوى الزمن في مسألة الطعام، وكيف بُسط الزمان أو لنقل كيف بقى على حاله وحقيقته في مسألة الحمار، إنَّ الله سبحانه يظهر لنا أنه هو القابض الباسط، فهو الذي يقبض الزمن في حق شيء، ويبسط الزمن في حق شيء آخر؛ والشيئان متعاصران معاً وتلك العملية لا تتوفر إلا لقدرة طليقة لا تملكها النواميس الكونية وإنما هي التي تملك النواميس.بعد ذلك رأى «عزير» كل عظمة في حماره، وهي ترفع من الأرض وشاهد كل عظمة تركب مكانها وبعد تكوين الهيكل العظمي للحمار بدأت رحلة كسوة العظام لحماً، وبعد ذلك تأتي الحياة، ووقف الحمار على رجليه حياً، كما كان قبل مائة عام.حينها قال «عزيز»: «أعلم أن الله على كل شيء قدير».وظلَّ «عزير» آية وعبرة لنا؛ كما كان لقومه؛ ليدلنا أن قدرة الله مطلقة؛ لا تحدها حدود.. ولتعرفنا أنَّ الإنسان في الكون ؛ بل كل الكون تحكمه إرادة الله في الحقيقة، ولا تحكمه النواميس والقوانين؛ فخالق النواميس هو الذي يعطيها القدرة على الاستمرار ، وهو إن شاء عطَّلها.ورحمة الله تتنزل على المؤمنين فتنجيهم ، وغضب الله ينزل على الكافرين فيرديهم.حتى لو كان الجميع في نفس المكان والزمان.. فالله حفظ التين والعنب والعصير [وهما من أشد الأشياء تأثراً بالزمان والظروف غير المواتية ويفسدان سريعاً]، وأهلك الحمار القوي؛ في نفس المكان ونفس الظروف..والله تتنزل رحماته على المؤمنين الصالحين، ويتنزل غضبه على الكافرين والفاسقين؛ حتى وإن جمعهم مكان واحد، وزمان واحد.والعاقبة ـ دائماً ـ للمتقين الواثقين في الله ثقة مطلقة.