لبنان تحت العمامة المسلحة

نشر في 02-05-2009
آخر تحديث 02-05-2009 | 00:00
 بلال خبيز في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية يقول نائب الأمين العام لـ«حزب الله» أن الحزب أجرى عملية جس نبض مع الدول الغربية لمعرفة ما يمكن أن تكون مواقفها من حكومة يسيطر عليها «حزب الله» بالكامل، وبحسب الشيخ نعيم قاسم، فإن الدول الغربية طمأنت السائلين إلى أنها لن تقطع العلاقات مع لبنان لهذا السبب. وتالياً فإن حكومة يسيطر عليها «حزب الله» في لبنان ستكون حكومة مقبولة دولياً، وهذا مما يبعد شبح مصير غزة تحت ظل حكم حركة «حماس» عن لبنان إذا ما قرر «حزب الله» استلام السلطة.

المتابعون لمجريات الانتخابات النيابية اللبنانية يقطعون الشك باليقين في القول إن هذه الانتخابات لن تنتج أكثرية كبيرة وأقلية صغيرة. في النتيجة ستكون الكفتان متعادلتين في السياسة بصرف النظر عن الأرجحية التصويتية في مجلس النواب أو في الحكومة، والواقع أن «حزب الله» انتخابياً أنجز من قبل أن تتم الانتخابات معركة رئاسة المجلس النيابي وحصرها في يد الرئيس الحالي نبيه بري. ذلك أنه ليس ثمة أي مرشح شيعي في دوائر لبنان الانتخابية كافة لا يتبع تبعية مباشرة لـ«حزب الله» أو حركة «أمل». وتالياً سيجد الفريق الآخر نفسه أمام اضطرار الاقتراع للرئيس نبيه بري بوصفه أفضل الموجود. ولم يتأخر «حزب الله» في إعلان عناوين المعركة المقبلة التي يريد الخوض فيها مع خصومه في لبنان، فهو يريد إقراراً منذ الآن بحقه في حيازة الثلث المعطل إذا ما فازت قوى الرابع عشر من آذار بأكثرية مرجحة، وإلا فإن الحزب سيلجأ إلى وسائله الأخرى لتحقيق هذا المطلب، وهذا إذا ما قرناه بتصريح نائب أمين عام «حزب الله» الآنف ذكره يوضح طبيعة المستقبل اللبناني بعد الانتخابات بجلاء ومن دون شكوك أو التباسات.

«حزب الله» يقترح على الفريق الآخر فيما لو حقق هذا الفريق أرجحية عددية في الانتخابات أن يذعن لإرادة «حزب الله»، أما لو فاز «حزب الله» بالأكثرية فيمكنه أن يحكم من دون خوف من حصار دولي بحسب ما يعلن الشيخ نائب الأمين العام. وفي حال لم تذعن الأكثرية الحالية في حال فوزها في الانتخابات لمطالب «حزب الله»، فليس ثمة ما يردعه عن تجربة خيار غزة، أي احتلال البلد برمته وفرض حكمه عليه. وهو في هذا الخيار يعرف جيداً أن المجتمع الدولي لن يعاقبه على إجراء تفصيلي، وأن مغامرته ستمر من دون مضاعفات دراماتيكية.

إذ سبق أن جرّب عينة منها في شهر مايو المنصرم، ولم تكن ردود الفعل الدولية حادة إلى درجة الهلع من تمكن «حزب الله» وإيران من ورائه من التحكم بالبلد برمته وفرض شروطه الحاسمة على شركائه فيه. والأرجح أن «حزب الله» الذي يدرك أن الفترة الراهنة بين الاستعداد الدولي والإقليمي للحرب أو السلم والشروع بأي خيار من تلك الخيارات هي فترة سماح بالنسبة له، يمكنه خلالها تنفيذ ما يريد من دون أن يخشى أي رد فعل حاسم.

والحال فإن اللبنانيين اليوم يخوضون في انتخابات معروفة النتيجة سلفاً، في الاقتراع والسياسة. سيكون ثمة أكثرية قليلة وأقلية كثيرة في النتيجة الانتخابية، وسيكون ثمة تحكم كامل بالوجهة السياسية للحكومة المقبلة بصرف النظر عمن حاز الأكثرية من الفريقين، بل إن تجربة رئيس الجمهورية السابق في لبنان أثبتت أنه في الإمكان ممارسة الضغوط على الأكثرية لتمتنع عن الحكم أصلاً، مثلما كانت الحال مع الرئيس الراحل رفيق الحريري في بداية عهد الرئيس السابق إميل لحود، حين تسلم رئاسة الحكومة الرئيس سليم الحص وهو شخص محترم وكفؤ، لكنه لم يكن يمثل المزاج السني العام، وكان أن تكررت الحكاية نفسها مع الرئيس عمر كرامي في العام 2005، حين اختير رئيساً للحكومة بعدما واجه رفيق الحريري ضغوطا هائلة دفعته إلى الاستنكاف.

أن تكون نتائج الانتخابات غير مقررة في مصير البلد منذ اللحظة وفي توجهاته السياسية لهو أمر يحبط الناخبين من دون شك، ويجعل من الانتخابات فولكلوراً صاخباً لا يقدم ولا يؤخر في العملية السياسية، وفي هوية القابضين على قرار البلد وحاجزي تطوره السلمي والديمقراطي. و«حزب الله» الذي ورث الهيمنة على لبنان من الإدراة السورية التي هيمنت عليه طوال ما يقارب العقود الثلاثة، ليس أقل خبرة ولا أضعف تمكناً من الإدارة السابقة.

والحال، فإن الإدراة الأميركية التي تعد اللبنانيين بأنها لن تبيع لبنان لسورية مرة أخرى، تكون صادقة في ما تعد. ذلك أن مقومات الهيمنة السورية على لبنان لم تعد قائمة، لأن سورية لم تعد قادرة على الهيمنة أصلاً، ولأنها فقدت دورها المحوري في كل مكان، وهي تنتظر جائزة ترضية من الرابح في جوارها، أكان الرابح إيران أم إسرائيل، أم الاعتدال العربي المتناغم مع المجتمع الدولي وتوجهاته الكبرى.

يبقى أن يسأل المرء سؤالاً مضنياً: هل يشرّع «حزب الله» شرعة الانتقام والثأر أمام أعوان النظام السوري تنكيلاً بخصومه؟ أم أن الهيمنة التي يطمح إلى تحقيقها تمتنع عن الدخول في أتون هذه الصغائر؟

* كاتب لبناني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top