ما قل ودل: حكاية المجلس الأولمبي...والقوة الملزمة للاتفاقيات الدولية 2 من 2

نشر في 07-07-2008
آخر تحديث 07-07-2008 | 00:00
 المستشار شفيق إمام عندما تناولت في مقالي في هذه الزاوية يوم الاثنين الماضي حكاية المجلس الأولمبي، كان هدفي الوحيد هو تناول الموضوع من منظور دستوري وقانوني، هو وحده الذي أملك أدواته لأجيب عن سؤال مهم وأساسي، هو مدى القوة الملزمة لاتفاقية دولية أقرها مجلس الأمة بالقانون رقم (6) لسنة 2006 بشأن الاتفاق بين حكومة الكويت والمجلس حول حصاناته، وحيث نصت هذه الاتفاقية في مادتها الخامسة على أن:

«1- يتمتع المجلس وأمواله وممتلكاته بالحصانة من أي شكل من أشكال الإجراءات القانونية ما لم يقرر رئيس المجلس التنازل عن الحصانة المقررة وذلك وفقا لكل حالة على حدة.

2- حرمة مباني المجلس مصونة وتتمتع ممتلكاته وأمواله وأصوله، أيا كان موقعها في دولة الكويت وأيا كان حائزها، بالحصانة فلا تخضع لإجراءات التفتيش أو المصادرة أو الحجز أو لأي شكل من أشكال التدخل الأخرى...»

وكانت الإجابة عن هذا السؤال هي محور حوار طويل دار بيني وبين صديق عضو في مجلس الأمة طلبني ليستطلع رأيي في الموضوع، وهو حوار أردت أن استكمله في هذين المقالين.

وأيا كانت النتيجة التي سوف تنتهي إليها اللجنة التي شكلت لتقصي سلامة الإجراءات التي اتخذتها الجهات الإدارية المختصة عند إبرام عقد تأجير الأراضي المخصصة للمجلس المذكور، فإن الإجابة عن سؤال بشأن القوة الملزمة للاتفاقية التي أقرتها السلطة التشريعية بقانون يجب أن تتبوأ مكانها عند إصدار أي قرار من مجلس الأمة في هذا الشأن.

وترد في الإجابة عن هذا السؤال بعض المعطيات منها:

أولاً: الالتزام بقواعد القانون الدولي العام:

حيث اتسعت هذه القواعد لتشمل فضلاً عن تنظيم علاقات الدول بعضها ببعض، علاقات الدول بالمنظمات الدولية التي اعترفت لها محكمة العدل الدولية بالشخصية القانونية منذ عام 1949.

وتعتبر المعاهدات الدولية مصدراً من مصادر هذا القانون، بل هي جوهر قواعد القانون الدولي العام، ولهذا نصت «اتفاقية فيينا» لقانون المعاهدات في المادة (31) على التزام الدول- أطراف المعاهدة- بها.

ثانياً- الالتزام بقانون أقر الاتفاقية:

حيث تنص الفقرة الثانية من المادة (70) من الدستور على:

«ان معاهدات الصلح والتحالف، والمعاهدات المتعلقة بأراضي الدولة أو ثرواتها الطبيعية أو بحقوق السيادة أو حقوق المواطنين العامة أو الخاصة، ومعاهدات التجارة والملاحة، والإقامة، والمعاهدات التي تحمل خزانة الدولة شيئاً من النفقات غير الواردة في الميزانية أو تتضمن تعديلاً لقوانين الكويت يجب لنفاذها أن تصدر بقانون».

ومؤدى ذلك أن الاتفاقيات الدولية التي يتم إقرارها بقوانين لا تستمد قوتها الملزمة من «اتفاقية فيينا» فحسب، بل من القوانين التي أقرتها لتصبح قيداً على القوانين الأخرى المعمول بها في الدولة.

ثالثاً- الاتفاقيات الدولية تعلو القوانين ذاتها:

وهو مبدأ يستفيد من أحكام الفقرة الثانية من المادة (70) من الدستور، التي أجازت للاتفاقيات الدولية التي اقرتها السلطة التشريعية بقانون أن تعدل القوانين الأخرى المعمول بها في الدولة.

وقد جسدت هذا المبدأ المادة (55) من الدستور الفرنسي لعام 1958 التي تنص على أن الاتفاقية أو المعاهدة الدولية المصادق عليها أو التي يتم إقرارها وفقاً للأوضاع المقررة، تكون لها، منذ نشرها، قوة أعلى من القانون Une autorite superieure a celle des lois

رابعاً- الالتزام بروح الدستور:

ذلك أن الدساتير المعاصرة كلها تقوم على احترام المعاهدات والاتفاقات الدولية، بل وتُعليها عليها، إلى الحد الذي قال بعض شراح القانون الدولي العام، إن المعاهدات الدولية تعلو حتى على الدستور.

وهو ما جسده دستور الكويت في المادة (177) التي نصت على أنه «لا يخل تطبيق هذا الدستور بما ارتبطت به الكويت مع الدول والهيئات الدولية من معاهدات واتفاقات».

ولئن كانت المادة السابقة تتوجه بخطابها إلى المعاهدات والاتفاقات الدولية، التي أبرمت قبل العمل بالدستور فيما نصت عليه من أن الدستور لا يخل بالمعاهدات والاتفاقات الدولية، إلا أن روح الدستور والمستلهمة من هذا النص، تملي علينا أن يتبوأ الاتفاق الدولي مكانه إلى جوار الدستور، طالما تم إقراره طبقاً للأحكام الدستورية المقررة في المادة (70)، ومنها صدور قانون بنفاذ الاتفاق الدولي.

خامساً- الالتزام بالقاعدة القانونية الأعلى:

حيث يعتبر تدرج القواعد القانونية في النظام القانوني بالدولة، هو البناء الأساسي الذي تقوم عليه الدولة القانونية، ويقوم عليه مبدأ المشروعية، والذي يسمو فيه الدستور على سائر القواعد القانونية في الدولة، تليه القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية، تليها القرارات التي تصدر عن هذه السلطة أو عن السلطة التنفيذية، بحيث لا يجوز بقرار يصدره مجلس الأمة أن يخالف قانوناً أقره المجلس بالموافقة على اتفاقية دولية.

ولا يفوتني بعد عرض هذه المعطيات التي كانت محور الحديث الذي دار بيني وبين الصديق عضو مجلس الأمة، أن أنبه إلى خطورة ما قاله لي من أن الاتفاقيات الدولية لا تحظى بالاهتمام الكافي من المجلس عند إقراره لها، وهو ما قد يدعونا إلى مزيد من الحديث عن الاتفاقيات الدولية في مقالات قادمة بإذن الله.

back to top