نهاية عهد المقاومات

نشر في 28-01-2009
آخر تحديث 28-01-2009 | 00:00
 بلال خبيز لم تنجح دول الممانعة والمشاكسة، من إيران إلى فنزويلا فقطر، في إيقاف الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ولا في لبنان في صيف العام 2006. هذا أمر لا يقع من ضمن مسؤولياتها ولا يندرج في خانة الأسئلة التي يفترض أن توجه إليها، فهذه الدول بسبب عزلتها على المستوى الدولي لا تملك أدنى تأثير في استصدار القرارات الدولية، والضغط تالياً لتنفيذها، لكن ما حدث واقعاً أن العالم كله، في الحربين الأخيرتين، على أقل تقدير، لم يحتمل رؤية الدم يهرق رخيصاً بهذا المقدار. على هذا شاع بين أهل الممانعة والمقاومة حديث يفيد بأن الدم انتصر على السيف واقعاً، وأن شلالات الدم التي جرت أنهاراً في لبنان وفلسطين، منعت إسرائيل من تنفيذ أهدافها، وأسقطت حكوماتها وقادة جيوشها.

العالم في الحربين أدان العنف الإسرائيلي المنفلت من عقاله، وهذا في حد ذاته نصر للعرب جميعاً والفلسطينيين واللبنانيين خصوصاً، والأرجح أن الرأي العام العالمي أحرج إسرائيل فدفع بكبار كتابها ومعلقيها الصحافيين إلى الحديث عن انتصار في الميدان في الحرب الأخيرة على غزة وهزيمة في السمعة لن تستطيع إسرائيل أن تمحو آثارها بسهولة على المدى المنظور، مما يجعل تكرار مثل هذا السلوك الإسرائيلي مقيداًً إن لم يصبح مستحيلاً في المقبل من الأيام.

لم تعد إسرائيل تستطيع أن تقتل من دون قيد أو شرط ولو كان العالم كله مقتنعاً أنها تدافع عن أمنها ووجودها، بل إن الحربين الأخيرتين اكتبستا ملمحاً كونياً عاماً، فلم يعد ثمة جيش في العالم، كائنة ما كانت أسبابه، يستطيع أن يدخل في حرب بلا ضوابط كالتي جرت في غزة بداية هذا العام، والحق أن القيادة السياسية في إسرائيل باتت تخشى فعلياً ملاحقات قضائية وجزائية في كثير من دول العالم، بل إن المعركة المقبلة التي تستعد إسرائيل بكل ما أوتيت من حنكة وبقية وزن في العالم لخوضها، هي معركة إنقاذ سمعتها في العالم وتجنب الإدانات القضائية في غير بلد من بلاد العالم. وهذه هزيمة لا يرقى إليها شك.

لكن المدقق في طبيعة الجرم الإسرائيلي دولياً، لا بد أن يكتشف أن التهمة الإسرائيلية هي بالضبط، إفراط في استعمال القوة في غير الموضع الذي يجب أن تستعمل القوة فيه، أي أن إسرائيل لم تفرط في استعمال القوة ضد مقاتلي حركة «حماس» بل أفرطت في استعمالها ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، الذي يشبّه بعض المحللين الإسرائيليين وضعه في هذه الحرب بوضع اليهود في المحرقة النازية. فما المحرقة في نهاية الأمر غير أن يجد المرء نفسه في سجن كبير وليس ثمة مكان آمن يلجأ إليه حين يبدأ القتل، فضلاً عن اعتبار الجميع، بصرف النظر عن أعمارهم ومسؤولياتهم مذنبين بالمقدار نفسه، ويستحقون العقاب نفسه؟ وهذه التهمة التي تواجه إسرائيل بها قد تكون وسيلة ناجعة من أجل حقن الدم الفلسطيني، فمن دون الالتزام بالمعايير الدولية في الحروب والنزاعات تغامر إسرائيل في خسارة قدرتها على استخدام جيشها للدفاع عن أمنها، لكن الهزيمة الإسرائيلية لا يمكن مقارنتها بهزيمة حركة «حماس» والمقاومات الأخرى، ذلك أن إسرائيل باتت بعد هاتين الحربين تخضع لرقابة الرأي العام العالمي وتحتاج حاجة ماسة لتبييض صفحتها أمامه، وقد تنجح في ذلك لأسباب متعددة، لكن الطرف الآخر في النزاع، أي مقاومات العدو الإسرائيلي الناشطة عسكرياً، لم تعد ذات صفة في نظر الرأي العام العالمي، فليس ثمة من يحاسب إسرائيل، لا في أثناء الحرب ولا قبلها ولا بعدها، على قتل الناشطين من «حماس» أو «حزب الله» في أي مواجهة بين الطرفين، بل إن هؤلاء باتوا يقتلون من دون أسف أو اعتذار، بالنسبة للرأي العام العالمي، وإذا كانت إسرائيل قد هزمت في هذه الحرب في مواجهة الرأي العام العالمي الذي لم يغفر لها الإمعان في تقتيل المدنيين وحشرهم في أتون نار كبيرة، فإن هذا الرأي العام نفسه الذي حقق انتصاراً باهراً ومكلفاً، لم يهزم إسرائيل فقط، بل هزم مقاومة حركة «حماس» أولاً، ويبدو أن الهزيمة التي منيت بها الحركة غير قابلة للتعويض على نحو ما يمكن لإسرائيل أن تعوض هزيمتها وتحاول التطهر من جرائمها وفق السبل المتاحة أمامها.

لقد خسرت «حماس» الحق بالمقاومة، والدم الفلسطيني الذي جرى شلالات في غزة حقن الدم الإسرائيلي أيضاً وكل دم آخر في أي مكان من العالم، مما يجعل إطلاق صواريخ القسام في المقبل من الأيام على المستوطنات الإسرائيلية جريمة لا تغتفر في حسبان واعتقاد الرأي العام العالمي، وبذا نجح الشعب الفلسطيني في هزيمة إسرائيل، لكن إنقاذ الحق بالمقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي بات أقرب إلى المستحيل.

* كاتب لبناني

back to top