أين اختفت الموسيقى في الكويت ؟ د. جعفر لـ الجريدة.: أتعرض لإهانة يومية من قبل مسؤولي المؤسسة التعليمية

نشر في 20-03-2009 | 00:00
آخر تحديث 20-03-2009 | 00:00
هل يجوز ان يكون شكل السؤال التالي صحيحا: ما أسباب تراجع الاهتمام بالموسيقى في الكويت؟ توجهنا بهذا الاستفهام إلى ثلاثة مسؤولين مختصين، عميد المعهد العالي للفنون الموسيقية د. بندر عبيد، ووكيل المعهد د. عبدالله الرميثان، ورئيس قسم الموسيقى بكلية التربية الاساسية د. عامر جعفر.

أرجع رئيس قسم الموسيقى في كلية التربية الاساسية الاستاذ الدكتور عامر جعفر أسباب التراجع الموسيقي، الذي أصاب الكويت أخيراً، إلى تراجع الاهتمام بالثقافة بصورة عامة، لاسيما إهمال الحكومات المتلاحقة على الكويت الفنون على مختلف أشكالها، لافتاً إلى أن تراجع الاهتمام بالموسيقى لم يقتصر على الكويت فحسب، بل امتدت أياديه وطالت كل الدول العربية، وعلى رأسها مصر التي أثر تراجعها الموسيقي سلباً في العالم العربي، لأنها الحاضن الاول والاب الشرعي لشتى أنواع الفنون.

وأضاف د. جعفر في حديثه لـ «الجريدة»: «قديماً كانت هناك صناعة حقيقية للموسيقى تميزت بأسلوب راق مرتكز على جانب أكاديمي ضخم، كما هو الحال في أغاني سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وموسيقار الاجيال محمد عبدالوهاب، فضلاً عن تنوع المدارس الموسيقية التي كانت موجودة إبان هذه الحقبة الرائعة، إذ كانت الاغاني تتمتع بالمقدمة الموسيقية الطويلة، لاسيما الامتزاج الرائع بين المفردات والالحان، وتلون الكلمات بين المقامات والايقاعات»، مشيراً إلى التعادل في الاهمية بين الموسيقى والمفردات، لاسيما أن الحرص الشديد على ربط الكلمة والموسيقى في قالب واحد، أبرز مدى حنكة وتمكن صناع موسيقى ذلك الجيل.

وقال: «المدارس الموسيقية المصرية أثرت وبصورة إيجابية في معظم دول المنطقة، وتعد الكويت أولى تلك الدول، حيث كانت أولى ثمار التفاعل والتواصل بين المدارس الموسيقية المصرية-الكويتية إنشاء أول فرقة موسيقية كويتية تابعة لوزارة الاعلام، والتي شرفت بالعزف وراء عمالقة غناء العالم العربي في ذلك الزمان، حيث كانت تلقب الكويت وقتها بـ(هوليوود) المنطقة»، معتبراً أن المطربين يستمتعون بالغناء في الكويت، نظراً الى وجود الجمهور الذواق صاحب الأذن الموسيقية.

صوت الأذان... والموسيقى

وأكد د. جعفر أن الموسيقى في الكويت حكم عليها بالسجن مدى الحياة خلف قضبان الجماعات الاصولية المتشددة، ممن حرموا وجرموا الموسيقى من دون إبداء أي تبريرات تذكر، لاسيما توكيلهم لانفسهم حق توزيع صكوك الغفران، على حزبييهم ومنعها عن مناوئيهم، متسائلاً: هل الموسيقى محرمة في ذاتها؟ أم أن أسلوب استخدامها من قبل بعض العابثين غير الممتهنين محرم؟ مشيراً إلى أن الموسيقى تلعب دوراً كبيراً في حياتنا اليومية واستخدامها في الأذان نفسه، خلال الانتقال بين المقامات الصوتية المختلفة، وتنوع النغمات الموسيقية لحث الناس على الصلاة خير دليل على مدى أهميتها.

وذكر د. جعفر أن دعم أصحاب رؤوس الاموال للاعلام التجاري الهابط، كان سبباً رئيسياً في تسطيح الموسيقى وإفقادها قيمتها، ما ترتب عليه تراجع في الذوق العام، لأنه المصنع الاول للموسيقى، لاسيما استخدام البرامج الحديثة التي تغني عن العازفين، حتى أضحت الموسيقى تطهى بـ«الميكروويف»، لافتاً إلى أن أغلبية الاصوات، التي تعتلي الساحة الغنائية هذه الايام، معالجة بالتكنولوجيا الحديثة، وانه لو حللناها فسنجدها أصواتا مزيفة، معتبراً أن هذا يعد مكمن الخطورة والسبب الرئيسي وراء تراجع الموسيقى.

وأضاف: «الاوركسترا يحتاج إلى جانب أكاديمي ضخم، والاكاديمية الكويتية لتعليم الموسيقى تواجه عداء يوميا خارجا من فكر مظلم سواء كان من قبل بعض المسؤولين الحكوميين أو من قبل بعض أعضاء مجلس الامة، الامر الذي شكل ضربة قاسمة للموسيقى في الكويت»، مؤكداً أنه يتعرض لإهانة يومية من قبل مسؤولي المؤسسة التعليمية.

وقال: «الكويت باتت ضحية المسرحية السخيفة والمتكررة بين الحكومة والمجلس، فضلاً عن ظهور التدين الشكلي وتسابق الجميع في ماراثون الصراخ وفتح الحناجر، وإهانة الآخرين من دون حساب، لاسيما عبوسة الوجه وشق الجيوب ولطم الخدود ورفع القنادر، ليثبتوا أنهم الافضل والاعلم بأمور دينهم عن غيرهم».

قتلوا بلدي

وأعرب د. جعفر عن مدى أسفه لتراجع الحفلات الموسيقية التي كانت تقيمها وزارة التربية، وحل مكانها الحفلات التجارية، التي تسعى إلى المكسب المادي لا غير، لافتاً إلى أن مثل هذه الحفلات الرائعة لطالما أشعرتنا بالدفء العائلي داخل الكويت، ولكن للأسف تفرقت هذه العائلة، وجاء بدلاً منها القضايا والبلاء، مرجعاً أسباب تراجع مثل هذه الحفلات إلى كثرة الانتقادات التي وجهت اليها من سادة الفكر المتزمت، لضعف بصيرتهم التي جعلتهم يركزون على سلبياتها التي لا تذكر، غافلين كل الايجابيات التي كانت تحققها، معتبراً أن أصحاب الفكر المتزمت ذبحوا الموسيقى وقتلوا كل شيء جميل في البلد.

وقال د. جعفر: «لا وجود لادنى صور المساواة من قبل المسؤولين التربويين، بين أساتذة التربية الموسيقية وأساتذة العلوم الاخرى، لاسيما التهميش الواضح والمتعمد من قبل إدارة الجامعة في اختيار المناصب الادارية والاشرافية داخل الجامعة»، معتبراً أن هذا يعكس مدى جهل المسؤولين بأهمية الموسيقى، مؤكداً الدور الاكاديمي الذي يلعبه قسم الموسيقى في كلية التربية الاساسية، والذي يهدف إلى تخريج جيل من التربويين القادرين على تثقيف المجتمع، خلال الدفع بهم في وزارتي التربية والاعلام، لاسيما رفع كفاءة المؤسسة التعليمية، وفتح الابواب المغلقة أمام الموسيقى وتحريرها من سجون الجهل والتزمت.

back to top