الباحث الكاتب د. رضوان السيّد: أخشى من مرحلة ثوريّة إسلاميّة تلغي الدولة المدنيّة!

نشر في 16-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 16-09-2008 | 00:00
حوار طويل حول العولمة والإسلام. نقاط الاختلاف والتصادم، مخاطر الدولة الاسلامية، الأصوليات وإلغاء فكر الآخر، القومية العربية والاستعمار الغربي، العروبة والأنظمة العسكرية العربية، العولمة ونشر الإسلام، غياب الفكر الإسلامي في مواجهة مخاطر العولمة، الدولة الدينية قناع جديد لسيطرة فئة تشبه العسكريتاريا بلباس ديني، غياب الحوار الحقيقي بين أطياف الإسلام وبين المسيحية، الحروب الدينية، النهج الانتحاري والشهادة، الخوف من دولة دينية تلغي الدولة المدنية.

كيف تفهم ظاهرة العولمة؟

يمكن الحديث عن المسألة بشكلين: العولمة من الناحية التقنية أو الواقعية والتي هي سلاسة انتقال السلع والأفكار والأشخاص التي تسود العالم وتحوّله الى قرية صغيرة.

يقول المؤرخون من مدرسة التاريخ الجديد، إن النظام العالمي مرَّ عبر التاريخ بثلاث مراحل. الأولى: مرحلة التاريخ العالمي، الذي بدأ قبل القرن الثامن (ق.م)، الثانية: مرحلة النظام العالمي الذي بدأ في القرن الثالث عشر ميلادي. في الثلاثين سنة الأخيرة دخلنا زمناً ثالثاً هو زمن العولمة الذي سيعيشه أولادنا بكل مشاعرهم وأفكارهم، وسينسون العالم السابق، عالم النظام العالمي والحرب الباردة والمشاكل الكبرى التي نزلت بنا.

يعتبر بعض المفكرين الإسلاميين أن العولمة شكلت في بعض مناحيها اعتداءً على الإسلام، ما هو رأيك؟

لم تسرّ الثقافات والحضارات والأديان كافة بالعولمة، باستثناء بعض الطوائف البروتستانتية أو الإنجيليين الجدد الذين اعتبروها عودة للرب الى العالم. لماذا؟ لأن العولمة تتحدى الهويات الخاصة وترمي الى إزالتها وإلى أن تحلّ عالماً متماثلاً في كل شيء. على هذا الأساس نجد هذا التناقض الذي يبدو الآن في العالم، عصر العولمة عصر تبسيط كل شيء وجعله بساطاً واحداً لا فروقَ فيه.

في الأديان كلها، ما عدا الكاثوليكية إلى حدٍ ما، هناك ثورانٌ دينيٌ رهيب. حتى البوذية، ديانة السلام والهدوء، هي الآن متمردة في كل مكان. الهندوسية التي قلَّما عرفت العنف هي الآن في حالة ثوران، بسبب الإحساس أن تلك العولمة تريد إزالة الهويات.

أحسّ المسلمون أكثر من غيرهم بهذا الخطر، لأن أولى نتائج العولمة حصول هذا الاضطراب العالمي، الذي تلا انتهاء الحرب الباردة. أول فوضى عالمية بدأت عندنا مع حرب الخليج الثانية. بعد ذلك تفاقمت الأمور، فتسلل إلى اعتقاد الأصوليين الإسلاميين، أن هذا العصر الجديد معادٍ للإسلام، عبر عولمة السوق والتقدم والاقتصاد. بدأ هذا العصر بالحرب على العراق، لكن العربي والمسلم نسيا أن العراق بدأ الحرب بغزو الكويت وقبل ذلك غزا إيران. في حسابهما أن الأميركيين ردوا بحرب لتحرير الكويت ولتدمير العراق. ثم تتالت الأحداث في التسعينات وصولاً الى عام 2001 عندما اعتبر أسامة بن لادن ومعه السلفية الجهادية (القاعدة) أنها ردت على كل الحروب السابقة بمهاجمة الولايات المتحدة، فنشب صراع عالمي هو الحرب العالمية على الإرهاب، التي لا تزال مستمرة ويترتب عليها احتلال افغانستان والعراق ونشر القواعد العسكرية عبر العالمين العربي والإسلامي. هنا نشاهد أصوليتين، الأميركية الصاعدة في السياسة والدين، والإسلامية. اصطدمتا وكلتاهما ذات بعد ديني، لذلك كان الاصطدام مريعاً.

أقوى قوة عسكرية في العالم من جهة ومعها هذه الإنجيلية الصاعدة، وعندنا الأصولية الإسلامية المتشددة التي تجلّت في تلك الهجمات الإنتحارية التي لا تأبه للبشر ولا للحجر وتريد القضاء ليس على المعالم المادية فحسب، إنما على الرموز. هاجموا مركز التجارة العالمي والبنتاغون رمز القوة الأميركية. كلا الطرفين يريد القضاء حتى على الرموز والجذور.

الإنسان المسلم ليس في خطر، كل يوم يزداد المسلمون عدداً ونفوذاً وعدةً. صرنا اليوم خمس سكان العالم وقد نصبح ربع سكان العالم خلال ثلاثين سنة، فأين الخطر في ذلك؟ الخطر على دنيانا وليس على ديننا.

أرى أن العولمة نشرت الإسلام أكثر. استفاد الإسلام من الفضائيات التي يظهر عليها دعاة المسلمين كل يوم ويصغي إليهم مئات الملايين.

في معرض توصيفه للعولمة وأثارها في الدين، يقول الشيخ محمد مجتهد شبستري في كتاب «الدين والعولمة والتعددية»، الصادر عن جامعة البلمند: «إن العولمة بمعنى عالمية المفاهيم ومناهج البحث وعالمية السياسة والاقتصاد، لا بمعنى الأمركة، لا تشكل في نظري أي تهديد للدين بل تعطيه حيوية وقوةً للاستمرار، وبالتالي لا يمكن اعتبار العولمة خصماً للدين. إن اشكالية العولمة بالنسبة الى المؤمنين هي إشكالية ثقافية وليست دينية. هل في هذا الموقف مصالحة إسلامية من وجهة نظر مفكر إسلامي فرد، مع ظاهرة العولمة بإعطائها صك براءة؟

كلام شبستري سليم وأوافقه تماماً. المسألة أن هذا الفهم لمخاطر العولمة ولميزاتها بالنسبة الى الإسلام ولسائر الأديان، لا يشاركه فيه أكثرية الناس، فهم خائفون من تلك العالمية على خصوصية الفرد والجماعة. من سوء الحظ أن قادة ايديولوجيا السوق تلك، تزامنت طروحاتهم مع الحروب الأميركية في العقدين الماضيين، فتسلل الى الاعتقاد، الاقتران بين العولمة والهيمنة الأميركية والحقيقة في الناحيتين الاقتصادية والثقافية، العالم ليس أوحدية القطب بل هو متعدد. يسهم الصينيون واليابانيون والهنود والروس والآن العرب، اسهاماً كبيراً في الاقتصاد العالمي. القوة الاقتصادية الأميركية تتراجع، وهناك عالم أكثر توازناً. أكبر كتلة اقتصادية في العالم اليوم هي الكتلة الأوروبية. يعيد العالم تنظيم نفسه، لكن المشكلة أنه من دون قيادة. في زمن الحرب الباردة، كانت هناك قيادة سوفياتية - أميرية تضبط إيقاع العالم.

جعلت مسألة اقتران العولمة بالهيمنة الأميركية أناساً قليلين جداً مثل الشيخ الشبستري يقولون إنه يجب أن نفرق بينهما. العولمة ظواهر متعددة، بعضها إيجابي وبعضها سلبي ولا يمكن ربطها بالهيمنة الأميركية فحسب!

في كلام للمفكر أبو الأعلى المودودي في كتابه «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» وتستشهد به في كتابك «الإسلاميون والعولمة»، ما يلي: «إن المسلمين مدعوون لإنقاذ العالم من تلك الحضارة المستبدة القاهرة وإعادة الأمور الى نصابها، والفوضى التي تسود العالم، تكشف عن هول الخسارة التي نزلت به عندما انحطّ المسلمون وفقدوا السيطرة على مقدرات العالم. على العرب أن يهبّوا لإنقاذ المسلمين والعالم كما فعلوا أول مرة حين أنقذوه بالإسلام.» علاقة الإسلام بالعصرنة، نقاط الخلاف والالتقاء؟

المودودي وأبو الحسن الندوي رمزان للخمسين سنة الماضية في شبه القارة الهندية، التي صارت الهند وباكستان، وأثَّرا أيضاً في شرق أسيا. المودودي هو الذي أسس الجماعة الإسلامية، أكبر حزب إسلامي خارج الإخوان المسلمين والعالم العربي. هناك حركتان إسلاميتان ضخمتان في الخمسين سنة الأخيرة في العالم العربي والإسلامي. الجماعة الإسلامية التي أسسها المودودي في الهند عام 1941 وحركة الإخوان المسلمين في العالم العربي التي أنشأها حسن البنّا عام 1928. فكر الندوي يتشابه مع فكر المودودي، لكن الأخير أكثر تشدداً منه وإلا لما أنشأ حزباً له برنامج وظل حتى سنة 1979 يقاتل الحكومة الباكستانية سلمياً. تلك هي المشكلة، والتي انتقلت الآن الى العولمة، مشكلة المسلمين الأصولية. طوال الخمسين سنة الماضية، اشتغلوا على أطروحة أن الصراع مع العالم هو صراع حضاري، فهم متفقون مع هنتنغتون، لكن الخلاف في أنه يقول إن الإسلام هو العدواني وهم يقولون إن المسيحية والغرب واليهود هم العدوانيون. الحقيقة أن الأصوليتين وجهان لعملةٍ واحدة. عرفت هنتنغتون وكان يحضر دروسي في هارفارد وكنا نتناقش عامي 1997 و 2002. إنه رجلٌ هادئ ومسالم، ووجهات نظره استعارها من المستشرقين وبالذات من برنارد لويس في مسألة صدام الحضارات. لكن المسلمين الذين استنكروا هذا الكلام وردوا عليه طوال التسعينات، بأن حضارة الغرب ضدنا وهي حضارة مادية، وهيمنة واستعمار، ونحن دينٌ روحاني وحضاري، لذلك محكوم علينا أن نتصارع معهم. حتى المسيحية جعلوها ديناً مادياً مع أنها دينٌ روحاني، حرّفها هؤلاء الغربيون وحرفوا روحها. موقف الإسلاميين من الحضارة الغربية يشبه موقفهم من العولمة، فهم يعتبرون أنفسهم جماعات هوية رئيسة تدافع عن هوية الإسلام، وأن الحضارة الغربية تتحدى الهوية الإسلامية والآن العولمة. لم يقبل أسامة بن لادن أن يعترف بالإخوان المسلمين، والجماعة الإسلامية اعترفت بالتغيّر من الحضارة الغربية الى العولمة. ما زال بن لادن يحكي عن مرحلة أقدم. يقول بالجبهة الإسلامية لمصارعة اليهود والصليبيين! أي أنه لا يزال في القرن الثاني عشر. هذا إحساس متضخم بالهوية وبالظلم وبأن هيمنة الغرب علينا التي استمرت آماداً لا بد من مواجهتها، وهذا يجعل رؤية العالم لدى هؤلاء الناس، رؤية مانوية «خير وشر وأسود وأبيض»، ولا يوجد منطقة رمادية لتقول تعالوا لنحاول أن نوِّفق ونعمل صفقة صغيرة أو كبيرة. ليس من مجال في تلك الرؤية الانفصامية الانفصالية لأي تصالح. هذا التعبير «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» كتاب الندوي الذي صدر في الخمسينات من القرن الماضي هو أول كتب الصدام الحضاري، الذي يقول إن هناك خللاً في النظام العالمي ناجماً عن تضاؤل في دور المسلمين وتواليهم وسيطرة الحضارة المادية الغربية بجناحيها الماركسي والرأسمالي.

كأنك تقول إن الندوي سبق هنتنغتون بخمسين سنة تقريباً؟

طبعاً سبقه بـ 50 سنة، ونظريته تستند الى الركيزتين نفسهما: أساس التفوّق الحضاري الإسلامي والتفوق الحضاري اليهودي المسيحي. الأمر الثاني أن الحضارة تقوم على الدين، فما يصيب الدين يصيب الحضارة. هذا عند هنتنغتون أيضا، لذلك رأى أن المسلمين لأنهم تضاءلوا حضارياً تسلل الى اعتقادهم أن دينهم خطر. كذلك يقول الندوي إن العرب تضاءل دورهم الحضاري السياسي والعسكري، لأنهم تركوا الإسلام. أنتم أيها العرب كما صنعتم الإسلام أعيدوا العمل فيه من جديد فتنقذوا العالم وأنفسكم. أصحاب النظريات التمييزية والإثنية والعنصرية والدينية لا يمكن إلا أن يتفقوا. عندما تجعل في القلب فكرة الإثنية أو الفكرة الدينية تترتب عليها نتائج كثيرة بحيث يلتقي اليهودي المتشدّد مع المسلم المتشدد والمسيحي المتشدد والبوذي المتشدد والهندوسي المتشدد.

ماذا تعني الصحوة الإسلامية، أو مقولة استعادة الذات الإسلامية؟ إذا صح أن الغرب يتراجع، هل غفا الإسلام ليصحو أو فقد ذاته كي يسعى لاستعادتها؟

الغرب لا يضعف ولا يتراجع، بالعكس تنتشر حضارته لتصبح حضارة العالم. الذي يحدث أن ثمة تعددية قطبية في الصناعة والتكنولوجيا والتقدم والاقتصاد العالمي، بمعنى أن الآسيويين نهضوا نهوضاً هائلاً وتكوّنت كتل سياسية كبرى: كتلة أسيوية وأوروبية وأميركية وروسية. أهم اجتماع يحدث ليس اجتماع حلف الأطلسي بل اجتماع الدول الثماني الاقتصادية الكبرى في العالم.

ما يحدث عندنا يقال إنه صحوة لاستعادة الذات كما سألت يمكن أن يكون سليماً. حتى الآن نبحث عن وسائل لتصحيح تجربتنا السياسية السيئة وفهمنا المغلوط للدين وللعلاقة بالعالم. إذا كانت الصحوة تعني تصحيح التشخيص والعلائق بالذات، والخطأ الاقتصادي والسياسي والحضاري والديني فلا بأس. الذي أراه لا يدل على إدراك سليمٍ ولا على ردة فعلٍ سليمة على هذا الاختلال في العالم. الذي نفعله أننا نريد الانتقام بشكل عنيف وانتحاري وليس التصحيح. لا يمكننا العودة الى خريطة العالم عن طريق الانتحاريات!

هل تعتبر أن الحركات الإسلامية السلفية الأصولية هي انتحار، بما في ذلك ما يحصل في فلسطين؟

نعم. المتطرفون من تلك الحركات أوصلوا الأمور الى درجة الانشقاقات، يعني الذين جمعتهم القاعدة السلفية الجهادية إضافة الى الذين يقومون بعمليات انتحارية في البلدان العربية والإسلامية أو في البلدان الأوروبية، والقدس أو في بعض أنحاء الضفة الغربية ضدّ المدنيين لا ضد الجنود الإسرائيليين.

كمسلم أنت تدين تلك العمليات؟

نعم، باعتباري عربياً ومسلماً، لا أرى أن هذا النهج الانتحاري يمكن أن يجلب شيئاً لأنه تنافس في قتل المدنيين، واليهود أقدر منا على قتل المدنيين! مقابل كل جندي قتيل أو أسير، أنظر الى عدد الشهداء الفلسطينيين الأبرياء الذين تقتلهم اسرائيل والى حجم الخراب الذي تحدثه آلتها العسكرية!

لا أرى أن صراعنا مع إسرائيل التي احتلت فلسطين يبرّر لأيٍ منا تجاهل قوانين الحرب أو الأعراف الإنسانية، فضلاً عن أنها، سواء عند حماس أو حزب الله، تتخذ غلافاً دينياً فنسميه جهاداً ونتصرف على أساس القيم الدينية.

أرى أن إعطاء طابع ديني للصراع مع العدو الإسرائيلي لن يحرر الأرض ولن يؤدي الى حلٍ عادلٍ وشاملٍ للنزاع. الحروب الدينية لا تنتهي وهي تبيد الطرفين. تلك الظاهرة الإسلامية تشبه الظاهرة اليسارية المتطرفة من حيث النزوع الى الأعمال الانتحارية، خصوصاً أنهم وصلوها بفكرة الاستشهاد، والاستشهاد لا علاقة له بالانتحار.

قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين هي جريمة العصر في القرن العشرين! وجود تلك الدولة الدينية في هذا الشرق العربي، أوجد أرضاً خصبة لقيام أصوليات إسلامية تلتقي من حيث لا تدري مع الأصولية الصهيونية على حساب الإسلام المستنير السمح؟

التقت الأصوليتان الإسلامية والغربية أو الأميركية، لكن هذا القانون ليس مطلقاً. الأصوليات تتصارع، عندما قامت دولة إسرائيل على أنها دولة قومية ذات خلفية دينية، واجه العرب هذا الأمر بحرب قومية. شاركت سبع دول عربية سنة 1948 باسم العروبة. خاضت مصر وسورية والأردن حروبًا خاسرة عدة، الأمم في مثل تلك الحالات، تلجأ دائماً لتبرير الهزيمة والخروج منها، الى أعماقها الرمزية، والعمق الرمزي الأبرز هو الإسلام.

هل توافق أن أصوليةً ما تستتبع حكماً أصوليةً مقابلة، تتصارع الأصوليات لتلغي بعضها البعض طبعاً ولكنها تخلق مناخاً لنماء حالات أصولية، ألا ترى ذلك؟

لو لم تكن لدى إسرائيل أحزاب دينية قوية، تتحدث عن الطابع الديني للدولة، لما ظهرت لدينا أحزاب إسلامية. سمعت الأخوان المسلمين من 30 سنة يقولون يا جماعة: اغودات إسرائيل، هذا الحزب الديني كذا وكذا، اليهود يتمسكون بدينهم وأنتم لا تتمسكون بدينكم؟ لا تقرون الأخوان المسلمين؟ يحافظ اليهودي على دينه وأنتم لا تحافظون على دينكم؟ لا شك في أن ظهور أصولية ما، يبرر ظهور أصولية أو قوة أصولية أخرى.

إذا صح أن العولمة تشكل ببعض مناحيها اعتداءً ما على الإسلام، هكذا يقول بعض غلاة المسلمين، ما هو المشروع الذي يطرحه الإسلاميون لمواجهة تلك الهجمة وللدفاع عن الإسلام في مشروع الصحوة؟

ليس عندهم الاّ إدانة العولمة وإثبات تآمرها على الإسلام وعلى القيم والأديان.

يعني شتيمة؟

بعضها. هم يستعيرون كثيراً من النقد اليساري للعولمة، من نعوم تشومسكي مثلاً. نصف كتبه ضد العولمة الأميركية، وهم يتبنون تلك الطروحات من دون ذكر اسمه، لذلك لا يمكن القول إنهم يعرضون منهجاً معيناً فكرياً أو سياسياً لمواجهة العولمة، لكن يمكن الاستنتاج أنهم بالإضافة الى منهجهم الصراعي، من جهة أخرى يقولون إن العلاج لكل الأمراض هو في إقامة الدولة الإسلامية التي تطبق الشريعة.

إذا صح أن قامت الدولة الدينية، هل تعتبر ذلك أنه مشروع حروب عربيةـ عربية وكيف تتعامل مع العالم الخارجي، مع أوروبا وأميركا ومع ما يسمى بنظام العولمة؟

كما أرى في التهدئة بين حماس وإسرائيل أو بين حزب الله وإسرائيل، لا أظن أنه سيكون لهم مشكلة مع الغرب ولا حتى مع إسرائيل. مشكلتهم معنا، مع الناس. اذا تسلّم هؤلاء السلطة سيقمصون الناس، وسندخل في مسألة ما هو حرام وما هو حلال!

أرى أن الدولة الدينية هي قناع جديد لسيطرة فئة من الناس على مجتمعاتنا، تشبه فئة العسكريين ولكنها بلباس ديني. ذلك يجعل الأمر أكثر صعوبة وأشد خطراً!! تحدينا الرئيس هو تحدي الدولة المدنية والمجتمع المدني. أرى أن أكثر التحديات خطورة، المسألة الفلسطينية. القضية الفلسطينية والعراقية والصومالية واللبنانية كلها قضايا سواء كانت قضايا تحرير أو تصحيح. تلك لا بد من أن يصحّحها الناس شرط أن تكون قدرتهم على التصحيح في وضع سليم. إذا كان الجمهور اللبناني أو العراقي أو السوري في تلك الأوضاع المأسوية، كيف يستطيع أن يناضل لفلسطين أو لوحدة العراق أو لحرية سورية وديمقراطيتها؟ لا يمكن ذلك إلا بمجتمع وبدولة مدنية!

تنامي المد الأصولي الإسلامي يؤدي بالضرورة الى قيام الدولة الإسلامية، هل الدولة الإسلامية هي كبوة للإسلام؟ هل تستطيع تلك الدولة أن تماشي منطق العصر؟ هل الهدف من قيامها تفقير العقل العربي الإسلامي في منطقة غنية بالنفط لتسهيل عملية السيطرة على تلك الثروة الكبيرة؟ إذا أردنا أن نربط الأمور بمنحى اقتصادي ماذا تقول؟

لا ليس الى هذا الحد. إسرائيل دولة شبه دينية، دولة هوية، ولم يحصل فيها هذا الأمر كله. الذي أخشاه من الدولة الدينية أمران: أن يصبح الإسلام، ديننا وثقافتنا، موضع نزاع. الإسلامي الذي يصل الى السلطة سيقوم ضده «إسلاميّ» آخر، فيصبح الدين هو سبب الانقسام، ويدخل في الصراع ويصبح موضع نزاع نفسه (ما بدأ بين السنة والشيعة). يمكن أن تحصل صراعات داخل الإسلام السني - السني، والشيعي - الشيعي، وبين السني والإسلام والإثنيات والقوميات الأخرى!

هذا الحكم الديني نجربه للمرة الأولى، لا نعرف كيف سيتعامل مع الحريات المدنية، يعني نزعة التفكير والتخوين السائدة. يبدو أن الأمر لن يكون جيداً، إنما المشكلة الثالثة أنني لا أرى أن الدولة الدينية ستحل المشكلتين. مشكلة تحسين حياة الناس ومشكلة الحفاظ على المصالح الوطنية والقومية. هي تظهر حرصاً أكبر من الأنظمة السائدة على المصالح الوطنية والقومية وعلى حياة الناس، لأنها في المعارضة. عندما تصل الى السلطة فالأمر يختلف!

الأمر الرابع والأخير أننا ندخل في مواجهة مع العالم، على أساس من هو مع الإسلام ومن هو ضده؟ لأننا دولة دينية ويستمر عداؤنا لهذا العالم.

قبل فترة قليلة حصل لقاء مهم في مدريد حول حوار الحضارات والثقافات بحضور عدد كبير من الدول الإسلامية والمسيحية، وكنت حاضراً لهذا الحدث الفكري الديني الكبير. ما هي أهمية هذا اللقاء وماذا نجم عنه؟

أهمية هذا اللقاء أنه يأتي بمبادرة عربية للمرة الأولى. كنا دائماً نُدعى أفراداً أو جهات، من الكنائس الكاثوليكية او البروتستانتية. الآن ولأول مرة، تدعو جهة عربية وهي المملكة العربية السعودية. لذلك دلالة كبرى لأن السعودية يُنسب إليها من جانب الولايات المتحدة الأميركية وكثير من المحافظين الجدد، أنها أساس التشدد والأصولية. تقول السعودية الآن: أنا منفتحة ومثلكم ضد القاعدة والتشدد والعنف والإرهاب وهو ضدي أكثر مما هو ضدكم، وأنا منفتحةً عليكم وأريد الخصوصية وأريد مشاركةً، وأن نسهم معاً عن طريق القيم المشتركة، في سلام العالم وتقدمه وأمنه. ثم إنه يثير نقاشاً بين المسلمين. تحدثنا طوال هذه المقابلة عن المخاطر التي تواجه الإسلام والصحوة الإسلامية والدولة الدينية. قلنا إن هذا كله مظاهر لأزمة في داخل الإسلام.

back to top