المعهد الدبلوماسي يدشن برنامجه للمحاضرات الدولية بـ الثقافة والدبلوماسية بن عيسى: مراكز صنع القرار لا تستغني عن القوة المعنوية للثقافة

نشر في 06-05-2008 | 00:00
آخر تحديث 06-05-2008 | 00:00
أكد وزير خارجية المغرب السابق محمد بن عيسى أن العملين الدبلوماسي والثقافي متساويان، وكلاهما يسعى الى تعميق التواصل والتقارب بين المجموعات البشرية ودرء الخلافات والنزاعات بينها.

وأوضح بن عيسى في محاضرة «الثقافة والدبلوماسية»، التي دشن بها المعهد الدبلوماسي الكويتي برنامجه للمحاضرات الدولية، بحضور وزير الخارجية الشيخ د. محمد الصباح ووزير الاعلام الشيخ صباح الخالد ووكيل وزارة الخارجية السفير خالد الجارالله وعدد من الوزراء السابقين والدبلوماسيين، أن المنظومتين الدبلوماسية والثقافية تنفرد كل واحدة منهما باستقلالها الداخلي وقوانينها الذاتية، وقال: «اذا تشابهت اساليب العمل وتوحدت الاهداف وتقاربت النتائج في بعض الاحيان، فذلك لا يعني مطلقا انه يمكن استبدال الواحدة بالاخرى».

وأضاف بن عيسى ان الثقافة في بعض الاحيان قد تضطلع بدور الممهد والمكمل للعمل الدبلوماسي، وتهيئ الارضية والاجواء المناسبة لارساء علاقات ثنائية او متعددة نافعة، مشيرا الى ان للثقافة خاصية تسهل تجاوز الحواجز القائمة بين بني البشر، والمساهمة قدر الامكان في اصلاح الاعطاب، وتخفيف حدة الاضرار التي يمكن ان تتسبب فيها الدبلوماسية نتيجة سوء تقدير منها.

ولفت الوزير بن عيسى الى ان هناك تيارا في علم الدبلوماسية «لا يرتاح دائما لمزاحمة الثقافة للوظيفة التقليدية المسندة الى وزارات الخارجية»، واضاف «مثلما يستعين مخطط الاستراتيجية العسكرية بشتى التقارير فإنه كذلك يتوجب على الفاعل الدبلوماسي ان يستنير في عمله بمصابيح المعرفة.

واستعرض بن عيسى بعض التجارب الشخصية التي مر بها في بدايات عمله خبيرا لدى منظمات دولية خارج المملكة المغربية، ومن ثم عمله وزيرا للثقافة وتأسيسه موسم اصيلة الثقافي في أواخر عقد السبعينيات من القرن المنصرم، واشار الى تطبيقه وزملاء له في مهرجانات اصيلة المتتالية بعض اساليب العمل الدبلوماسي، ومنها فتح قنوات الاتصال مع كل الاطياف السياسية والفكرية الوطنية، مع التركيز على التوجه نحو الخارج.

وقال: «اقمنا تدريجيا جسور التواصل مع الآخرين في اطار الحوار الشامل، وناقشنا في مواسم اصيلة المتتابعة عشرات المواضيع والقضايا الشائكة في شبه تنظيم فكري وفني واممي، واصبحت فعاليات اصيلة نافذة مشروعة للانفتاح على الآخرين، واطلق الكثيرون على الموسم اسم المحفل الدبلوماسي والثقافي السنوي».

وأوضح بن عيسى ان تقاسم الثقافة والدبلوماسية للقيم بصورة تفاعلية لا يلغي من الاذهان ان تحقيق الانصهار بينهما ليس ميسورا دائما، لاسيما ان الدبلوماسية مسار طويل ومتشابك وتراث زاخر بتجارب الذين مارسوها عبر العصور، لافتا الى ان العمل الدبلوماسي لم يعد محصورا في الادوار التقليدية، حيث تأثرت الدبلوماسية بتطور المعرفة الانسانية وتشعبها وتداخل فروعها، اضافة الى ظهور حضارات وثقافات وتقاليد امم وشعوب ناهضة كانت مطموسة، فتحولت اسهاماتها مع مرور الزمن الى قيمة مضافة دخلت سجل الدبلوماسية واغنت اعرافها وممارساتها.

وبين الوزير بن عيسى أن الكويت انفقت ولا تزال تنفق بسخاء في سبيل ازدهار الثقافة ونشرها على اوسع نطاق، وخاطب بن عيسى الحضور متسائلا: ان كانوا يقدرون الخدمات التي اسداها الى الكويت سفيرها (مجلة العربي)، ذلك الدبلوماسي الورقي الزاهي بصنوف المعرفة حين دخل كل البيوت في العالم العربي، ومثل الكويت منذ السنوات الاولى لقيام دولتها الحديثة من دون ان يحتاج الى اوراق اعتماد، مبشرا بالقيم الموحدة والجامعة لاشتات الوطن العربي المترامي من الخليج الى المحيط، واكد ان اي دولة عربية لم تجرؤ على قطع العلاقات مع مجلة العربي، او اعتبارها مطبوعا غير مرغوب فيه «لقد زاوجت مجلتكم بين رصانة المعرفة ودبلوماسية المواقف فلم تغضب احدا على مدى سجلها الحافل مثلما لم تتخل عن منطلقات التأسيس».

وذكر ان علم الدبلوماسية المعاصر شهد تطورات لافتة، منها الانفتاح على آفاق غير مألوفة انتجت مصطلحات وتسميات مثل الدبلوماسية الوقائية والبرلمانية والحزبية والاقتصادية والسياحية والرياضية والفنية، مشيرا الى استعانة المنظمات الدولية لتنفيذ المهام الانسانية الصعبة بالفنانين والمفكرين ضمن ما يسمى سفراء النوايا الحسنة والمساعي الحميدة.

واستعرض بن عيسى تجربته في مجال الدبلوماسية، عندما كان سفيرا للمغرب لدى واشنطن، وكيف دافع عن صورة بلاده ومصالحها وحرص على سمعتها وموقعها بين الامم، معترفا بقوة سلاح الثقافة قائلا: «نفعني كثيرا حيث استعملته باقتصاد وحذر، وشجعني على ذلك ان وزارات الخارجية ومراكز صنع القرار في الدول المتقدمة لا تستغني عن القوة المعنوية الهائلة والطاقة السحرية التي تختزنها الثقافة، ويحملها المثقفون»، واشاد في هذا الصدد بجهود نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ د. محمد الصباح الذي كان سفيرا للكويت حينذاك لدى واشنطن.

وقال الوزير بن عيسى: إن بعض الدبلوماسيين يرى أن الازمات والصراعات الدولية الراهنة تبدو عسيرة الحل لا ينفع فيها ومعها سلاح الثقافة كمكمل للدبلوماسية والسياسات الخارجية، «واخطر ما في تلك الآراء انها انتقلت الى معسكر الفلاسفة الذين يبدو ان بعضهم تخلى عن رسالته الفكرية في الدعوة الى التقريب بين الشعوب، وتحولوا الى مبررين لمشروعية العنف ومنظرين لصراع وتصادم الحضارات ودق طبول الحرب»، بيد انه اشار الى أن في المقابل يوجد ما يحملنا على التفاؤل والاطمئنان، إذ يوجد في قمة السلطة في كثير من البلدان، بينها العربية، قادة يدركون اخطار التعصب والتطرف ومشبعون بالقيم الثقافية، ويؤمنون بفضائل الحوار في الداخل ومع الخارج.

المعهد كان حلماً وأصبح حقيقة

أوضح وكيل وزارة الخارجية خالد الجارالله أن الهدف من هذه المحاضرات تهيئة الدبلوماسيين واعدادهم جيدا، مشيرا الى وجود محاضرات متواصلة سواء لضيوف الكويت من الخارج او من خلال الدورة التي وضعت للدبلوماسيين داخل الكويت.

وأعرب الجارالله عن تفاؤله بدور المعهد الدبلوماسي، وقال: إنه يهيئ الدبلوماسيين على درجة كبيرة من الكفاءة، والقدرة على التعامل مع تحديات العمل الدبلوماسية، مشيرا الى ان المعهد الدبلوماسي في الكويت كان حلما واصبح الان حقيقة، وسيسهم اسهاما حقيقيا، وجاء في دفع العملية الدبلوماسية وتعزيزها وتمكين الدبلوماسيين من قدرات هم بحاجة ماسة اليها في عملهم داخل الوزارة او خارجها.

قيادة حازمة وهادئة

أشاد الوزير بن عيسى بحكمة سمو امير البلاد الشيخ صباح الاحمد الصباح، وقال: «إنه يجمع بين القيادة الحازمة والهادئة والدبلوماسية الرقيقة التي اختبرها وجربها وادرك جيدا المزالق والمتاهات التي يمكن ان تقع فيها»، مشيرا الى ان قيادة بلاده ممثلة في عاهلها جلالة الملك محمد السادس تسير على نفس النهج، وذكر ان الدروس المستفادة من تجارب الماضي البعيد والحاضر القريب تنبهنا الى خطورة تلك الدعوات المنذرة بالويلات، «والتي لا ارى سلاحا سلميا لمناهضتها غير وسيلة الحوار الثقافي وتأييد قياداتنا المتنورة»، واكد ان سلاح الثقافة اضحى في العصر الحاضر اشد ضررا واقوى من اسلحة التدمير التي تحيط بنا، «لذلك ينبغي الا نفرط فيه ونعرف كيفية استخدامه».

 

back to top