د. وليد مراد: المقارنة بين الأبناء تؤجج أسوأ أنواع الغيرة!

نشر في 27-05-2008 | 00:00
آخر تحديث 27-05-2008 | 00:00

يرى اختصاصيون نفسيون أن غيرة الطفل قد تكون عاملاً جيداً وحافزاً للمنافسة والتفوق، شرط أن تكون في حدودها الدنيا أو المعقولة. أما كثرتها فتضرّ به وتؤثر سلباً في شخصيته.

عن أسباب الغيرة لدى الأطفال ودوافعها وكيفية الحد منها، التقت «الجريدة» د. وليد مراد، اختصاصي علاج نفسي في وحدة الأطفال في مستشفى الطب النفسي في الكويت.

هل ثمة عوامل محددة تؤدي إلى ظهور الغيرة لدى الأطفال؟

يشكل ضعف الثقة بين الطفل ومحيطه عاملاً مساعداً في ظهور الغيرة، بالإضافة إلى ضعف ثقته بنفسه وبقدراته اللذين يولدان عنده شعوراً شديداً بالغيرة، كونه ينظر إلى الآخرين دوماً بأنهم أفضل منه ويعجز عن إدراك قدراته الشخصية التي يتميز بها، خصوصا عندما يكون معاقاً أو مريضاً أو ينتابه شعور بالاختلاف بينه وبين أترابه.

كيف يعبّر الطفل عن هذه الغيرة؟

ثمة وسائل عدة، كالاعتداء الجسدي على الآخرين بالضرب والعض مثلاً، كذلك محاولة الإزعاج والتفوه بالشتائم وإقلاق الراحة ونوبات الصراخ والعبث بممتلكات الآخرين وتدميرها. وعندما يتقدم الطفل بالعمر (بعد العاشرة) تأخذ الغيرة شكلاً آخر مثل التجسس والوشاية بهدف الإيقاع بالآخرين.

ماذا عن التأثير الذي يحدثه المولود الجديد في تأجيج الغيرة؟

يسترعي الطفل عادة انتباه الجميع في مراحل نموه الأولى، ويشعر بأن كل شيء ملكه وبأن انتباه المحيطين به موجه نحوه، ويجهل أن هذه العناية الكبيرة قد تتوقف عنه فجأة أو بالتدريج كلما كبر، وقد تنتقل إلى مولود جديد أو إلى شخص آخر في الأسرة. يترتب على ذلك التغيير ميل إلى الانتقام أو الشروع في سلوكيات بهدف لفت الانتباه إليه مرة أخرى: كالبكاء أو التبول اللاإرادي أو التمارض.

في حال قدوم مولود جديد، تبدو غيرة الطفل واضحة عبر سلوك عدواني موجه نحو الأول متعمداً جذب الأنظار إليه، ويحول كراهيته نحو الأم التي تكرس اهتمامها للصغير وليس له، فيبدأ بالانتقام والعناد والسلبية، ويتصنع الحب الزائد تجاه المولود الجديد لإخفاء مشاعر الغيرة الدفينة في داخله، وفي حال أتيحت له الفرصة للبقاء معه بعيداً عن مراقبة الأم، يبادر من دون تردد إلى إيذائه بالضرب أو العض تنفيساً عن المشاعر المتأججة في داخله.

ما الخطوات التي يعتمدها الطفل لجذب الانتباه إليه مجدداً؟

تتمثل إحداها في لجوئه إلى أنماط سلوكية كان يعتمدها سابقاً، مثل العودة إلى شرب الحليب من الزجاجة، النوم في سرير الطفل، التبول الليلي في الفراش، التحدث بأسلوب الطفل الصغير، مص الإصبع، الالتصاق بالأم، البقاء في حضنها كلما حاولت حمل المولود.

هل تظهر مشاعر الغيرة من الصغير نحو الكبير؟

طبعا، ليست الغيرة دائماً من الكبير نحو الصغير، قد يظهر العكس في بعض الحالات عندما يهتم الوالدان بالإبن الأكبر إلى حدٍ يؤدي إلى إهمال الصغير، وفي بعض العائلات ثمة آباء يخصصون للطفل الصغير كل ما سبق أن استعمله الكبير من ملابس وألعاب وأحذية وكتب، لذا يشعر هذا الأخير بالدونية وبأنه مهمل وليس لديه خصوصية وأدوات جديدة على غرار أخيه، فتشتعل غيرته ويظهر العداء نحو الأخ الأكبر.

يعمد بعض الآباء دائماً إلى المقارنة بين أبنائهم، هل لذلك أثر سلبي؟

يخطئ بعض الآباء أحياناً بالمقارنة بين أبنائهم في الجمال أو البنية القوية مثلاً، الأمر الذي يؤجج الغيرة، في صورة مقرونة بالنقمة والحقد. وتزداد الغيرة لدى الأطفال المعاقين بصورة خاصة، فهم يشعرون بالحرمان من البنية الصحيحة والسليمة التي يتمتع بها أخوتهم. ويؤدي التمييز في المعاملة بين بعض الأبناء أو بين الذكور والإناث الى نوع من الغرور عند هؤلاء، ما يثير حفيظة البعض الآخر وغيرته، وقد تظهر أعراضها في مستقبلهم. ومن أشكال التمييز منح امتيازات كثيرة للطفل عندما يكون مريضاً أو معاقاً ما يثير الغيرة عند الأخ الصحيح فيتمنى المرض أحياناً وتزداد كراهيته للطفل المريض.

أساليب للحد من الغيرة

ينصح د. وليد مراد بمراعاة مبدأ المساواة بين الأخوة وحسن معاملتهم بعيداً عن الدلال الزائد، بتوفير أجواء أسرية هادئة وبعيدة عن المشاكل والخلافات، ومراعاة مبدأ الفروق بين الأطفال وتقدير كل طفل على حدة وعدم المقارنة أو المفاضلة بين أخ وآخر.

ويؤكد أنه لا بدّ من إشعار الطفل بقيمته ومكانته في الأسرة والمدرسة وبين الزملاء وجعله يعتاد على مشاركة غيره في حب الآخرين، وكذلك إرشاده إلى أن الحياة أخذ وعطاء ومن الواجب احترام حقوق الغير، ما يبعث الثقة في نفسه ويخفف من حدة الشعور بالنقص أو العجز، ويتقبل المنافسة الشريفة، في المستقبل، بروح رياضية تجاه الآخرين ويفرح بالتفوق ويتقبل الهزيمة، ويعمل على تحقيق النجاح بالجهد من دون الغيرة من تفوق الآخرين.

كذلك يشدد على ضرورة اعتماد الآباء الحزم في ما يتعلق بمشاعر الغيرة لدى الطفل، فلا يجوز مثلا إظهار القلق والاهتمام الزائد بتلك المشاعر، ولا ينبغي إغفال الطفل الذي لا ينفعل ولا تظهر عليه مشاعر الغيرة مطلقاً، فهذا يساهم في كبتها، ما يعزز لديه الإحساس بأنه منبوذ وغير مرغوب فيه فيزداد لديه الإحباط وعدم الثقة بالنفس.

back to top