احتساب الإيرادات النفطية في الموازنة يجب أن يكون عند 25 دولاراً

نشر في 12-01-2009 | 00:00
آخر تحديث 12-01-2009 | 00:00
دراسة أكاديمية تهدف إلى الاستعانة بالمتخصصين من اقتصاديين للمشاركة في صنع القرار السياسي وإلى زيادة النواب الداعمين للحكومة لتأييد مشاريعها.

يتفق جميع علماء الاقتصاد على ان الاقتصادات احاديات الدخل (الدول التي تعتمد على مصدر وحيد للدخل) اذا لم تبادر بتنويع مصادر دخلها فسينتهي بها المطاف الى ما يعرف بالمرض الهولندي (Dutch Disease)، وهو ان يطغى الاعتماد على هذا المصدر الوحيد على بقية القطاعات الاقتصادية فيصبح هو القطاع الوحيد للدخل، ومع ارتفاع اسعار هذا المصدر يعاني الاقتصاد امراضا متعددة منها زيادة الانفاق والاستهلاك، وعند انخفاض سعر هذه السلعة يواجه الاقتصاد مشاكل جمة لا يستطيع التعامل معها، اهمها ارتفاع تكلفة الاجور وفاتورة المشاريع المقامة اثناء فترات الرخاء. وفي قراءة سريعة لتاريخ الاقتصاد الحديث لاقتصادات الدول التي تعتمد على النفط كمصدر وحيد للدخل نجد ان معظم هذه الدول كانت اسيرة لعوارض هذا المرض، لكن الكويت كانت احدى الدول القلائل التي لم تتأثر بهذا المرض الاقتصادي الخطير، وذلك بفضل السياسة المالية المتحفظة للحكومة اثناء فترات ارتفاع اسعار النفط، حيث كانت الميزانيات التقديرية تعتمد سعرا منخفضا للبرميل عند اعداد الميزانية، وبناء عليه تعتمد المصاريف بتحفظ كبير، كما ان تحويل معظم الفوائض المالية الى الاحتياطيات الحكومية له اثر ايجابي في عدم توجيه هذه الاموال الى مصاريف غير منتجة.

وقبل الانتقال الى الواقع الاقتصادي الحالي تجدر الاشارة هنا الى انه رغم نجاح الحكومات الكويتية في السابق في التعامل الجيد مع فترات الفوائض المالية فإن السياسة التنموية لاقتصاد البلد بعد انخفاض اسعار البترول والتي تمثلت في تأجيل المشاريع التنموية، كما حدث في حقبة الثمانينيات من القرن السابق او تنفيذ هذه المشاريع، ولكن بعد تقليل قيمتها على حساب الكفاءة والملاءمة كما حدث مع مشاريع البنية التحتية خلال تلك الفترة (مثال على ذلك الدائري الرابع وجسر الغزالي، فاليوم ليس بالامكان فنيا توسعة هذين الطريقين الحيويين، بينما كان بالامكان فعل ذلك اثناء فترة الانشاء)، فلو تمت تلك المشاريع في تلك الحقبة حتى لو تم التمويل من خلال عجز الموازنة لاستفادت الحكومة من الفوائض الحالية وارتفاع اسعار البترول خلال السنوات الفائتة في انشاء مشاريع اكبر وافضل، ولعل مشروع تطوير حقول الشمال وانشاء ميناء في جزيرة بوبيان دليل على حجم خسارة الاقتصاد الكويتي من جراء تأخير تنفيذهما.

اخطأت الحكومة الكويتية خطأ فادحا بتغييرها سعر برميل النفط في ميزانياتها التقديرية ورفعه الى ارقام غير منطقية اقتصاديا (متوسط سعر برميل النفط التاريخي هو 22 الى 25 دولارا)، والذي جاء بداية الى رد فعل غير منطقي لمطالبات من بعض اعضاء مجلس الامة ممن لا يعون التبعات الاقتصادية لمثل هذا الفعل، وقد ادى تضخم الايرادات المتوقعة للميزانيات التقديرية الى فتح شهية النواب وغيرهم من غير المتخصصين للمطالبة بزيادة الانفاق على القطاعات الاستهلاكية، مع سعي متعمد في اغلب الاحيان الى تعطيل اي مشروع تنموي خلال فترات الفوائض المالية حتى اصبحت الميزانيات الثلاث الاخيرة للحكومة الكويتية هي ميزانيات انفاق، وبدأت معها عوارض الاصابة بالمرض الهولندي او (DUTCH DISEASE) وادى ضعف الداء الحكومي وغياب الاغلبية البرلمانية للحكومات الاخيرة الى عجز الحكومة عن الاستفادة من هذه الفوائض في خلق تنمية اقتصادية تقينا شر الانكماش الاقتصادي العالمي المتوقع وانخفاض الايرادات النفطية التي بدأت بوادرها تظهر للعيان. لا يختلف اثنان على فشل الحكومات السابقة في التعامل مع فترات الرخاء الاقتصادي، وذلك لسببين رئيسيين اولهما غياب المتخصصين من اقتصاديين عن المشاركة في صنع القرار السياسي، وترك بعض السياسيين والنواب من اصحاب الاجندات المختلفة والمصالح الفردية يسيطرون على القرار الحكومي، وثانيهما غياب الاغلبية الحكومية داخل البرلمان لدعم مشاريع الحكومة، ويمكن اختصار طرق مواجهة الازمة الاقتصادية العالمية الحالية بداية بتشكيل جهاز حكومي اقتصادي شبيه بالمجلس الاعلى للبترول من الاقتصاديين والمتخصصين وبرئاسة رئيس الحكومة، وان تمنح له صلاحيات واسعة من خلال اصدار التشريعات اللازمة لذلك، فتصبح له سلطة القرار الاقتصادي، ولا بأس من ان تفرض عليه رقابة لاحقة وليست سابقة حتى تكون له مرونة اكبر في اصدار القرارات وتنفيذها بالسرعة المطلوبة والبدء في عملية تنمية الاقتصاد بعيدا عن الصراعات السياسية.

* قسم الاقتصاد - جامعة الكويت

back to top