آمال فطير ونيسة

نشر في 17-05-2009
آخر تحديث 17-05-2009 | 00:00
 محمد الوشيحي أجمل من عبّر عن الانتخابات في العالم العربي ومزاج الناخب ووعيه هو الساخر الكبير «الولد الشقي» محمود السعدني، شفاه الله، الذي رشح نفسه لانتخابات الاتحاد الاشتراكي لمحافظة الجيزة في خمسينيات القرن الماضي...

يقول «العبد لله» إنه كان يلف على المقاهي ويبادر روادها: «السلام عليكم / عليكم السلام، اتفضل شاي / متشكر، أنا مرشح للاتحاد الاشتراكي وعندي برنامج هاعرضه عليكم / برنامج مين يا عم؟ انتا مين أصلاً؟ / أنا محمود السعدني / يا ألف مليون مرحب» يقولون له ذلك وهم يديرون ظهورهم له.

ويحدثنا «أبو أكرم»، هذا السعدني العظيم، أنه كان يحمل «كيساً» فيه بعض الصور والمقالات وقصاصات الصحف التي سيناقش محتوياتها مع الناخبين، لكن أحدا لم يمنحه الفرصة للحديث وعرض محتويات الكيس طوال فترة الانتخابات! إلى أن جاء الفرج على يد خالته ونيسة التي رأته في أحد الأيام فضربت صدرها بيدها مرتاعة: «يا لهوي يا محمود، مالو وشّك (وجهك) مصفر كده ليه؟»، فأجابها: «من اللف على القهاوي من صباحية ربنا عشان انتخابات الاتحاد الاشتراكي»، فعلّقت بغيظ: «طب ومالهم المتحدين المشركين دول؟ مش بيبعتوا أكل للشغالين بتوعهم ليه؟»، فقال لها بتأفف: «دي حكاية طويلة يا خالة»، فأقسمت عليه أن يأتي إليها غداً لتعطيه «فطير مشلتت» ستحضّره هي بيديها «عشان يرم عظمك يا ضنايا».

ويعاود أبو السعادن اللف والدوران على المقاهي حاملاً كيسين اثنين، كيساً للوثائق وآخر للفطائر، ويقسم أنه أنهى جولاته على مقاهي المحافظة كلها ولم يفتح كيس الوثائق، بينما فُتِحَ كيس الفطير في أول جولة على أول مقهى وتم ابتلاع الفطير والكيس بين غمضة وضحاها (الغمضة والضحى من عندي أنا، والباقي من عند السعدني، والناس للناس)، ومن المقهى إلى مقهى ثانٍ وكيس فطير مشلتت ثانٍ: السلام عليكم، حد عاوز فطير مشلتت عاملاه خالتي ونيسة / يا مليون مرحب بيك وبخالتك ونيسة، اتفضل اتفضل.

عندنا في الكويت أيضا، الناس لا يهمها كيس برنامجك، كيس فطائر ونيسة أهم وأبقى، لذلك لا يمكن أن يخوض الانتخابات واحد من الوزن الثقيل «بنكيّاً» ويسقط، مستحيل، أصلا عيب، القضية فقط في الترتيب، والترتيب في الانتخابات هو كشف حساب للأثرياء، الأكثر ثراء هو الأول، والأقل منه الثاني، والأقل الثالث، وهكذا إلى الصباح الباكر.

والبعض الآخر «شبعان»، ولا يلتفت إلى فطير ونيسة، بل إلى ونيسة نفسها، فونيسة هي التي تلمه وتضمه مع المرشح في قبيلة أو عائلة أو فئة أو طائفة، والطائفية هي الخطر الزعاف والموت القصّاف.

وكلنا سنراقب غداً ما الذي ستفعله الحكومة مع الجريدة التي تلمّع أبناء طائفة معينة، والتي يدعو كاتب الصفحة الأخيرة فيها إلى انتخاب أبناء الطائفة تلك فقط بحجة «المظلومية» والدفاع عن الرسول وآله! فإن لم تتخذ الحكومة إجراء رادعاً فلن نستغرب غدا إذا ما قرأنا على صدر الصفحة الأولى لصحيفة يملكها قبليّ: «انتخبوا القبليين يا اخوان شمّة كي يستردوا حقوقكم المهضومة»، ونقرأ على صحيفة أحد الحضر: «انتخبوا الحضر...»، وخذ من مثل هذا الكلام، أو هذه السهام، ما يملأ خمس مقابر جماعية بالتمام والرفاء والبنين.

صوبوا نظراتكم في اتجاه الحكومة لتعرفوا هل هي صادقة في حرصها على الوحدة الوطنية، أم هي تبيع لنا الفطير المشلتت.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top