زيد الحرب حمل الوطن في بصيرته... منيرا درب الحياة

نشر في 29-05-2009 | 00:00
آخر تحديث 29-05-2009 | 00:00
قبل الإبحار في الذاكرة والعودة إلى الماضي وقراءة تلك الوجوه التي حينما نتذكرها نشعر بأن كل ما حولنا يمتلئ بالفخر والاعتزاز، وثمة آه في الروح وأسف لأننا لم نستطع معايشة ذلك الزمان الذي يقول عنه أجدادنا: زمن لا يوجد فيه للجالس مع زوجته لقمة عيش أو هكذا... واليوم نريد الإبحار في شاعر اصر على أن يكون في يوم من الأيام مضربا للمثل عند أبنائه وأحفاده وقدوة للصبر والتحمل والارتقاء نحو القمة، شاعرنا هو زيد عبدالله الحرب.

ولد الشاعر زيد عبدالله الحرب عام 1887 تقريبا في بيت جده في منطقة شرق بين ابيه وأعمامه الذين كانوا يعيشون في بيت واحد تربط بينهم روح الاسرة الواحدة والمودة وكان منذ نعومة، اظفاره متحفزا وثابا نحو الاستقلالية، لم تعرف الاتكالية طرقها اليه فمنذ ان بلغ سن السادسة عشرة دخل البحر وركب عبابة لم يتخوف يوما بل كان مصرا وجادا لأن يكون كما ينبغي له ان يكون رجلا، وكأنه تنبأ بغد مشرق مورق له، وسيكون بعد مغادرته هذه الدنيا كما هو الحال بيننا لذلك رفض الاستكانة للظروف والجلوس في البيت ينتظر عودة أبيه من الغوص أو السفر، هكذا عشق البحر وتعلق بمصارعته، كان في بداية الأمر مع والده في سفينة عمه عبدالعزيز الحرب وبصحبة أعمامه تعلم معهم ابجديات البحر وعلوم الماء والسنين، حتى وفاة والده بعدها اصر على مواصلة العمل والمثابرة والاجتهاد لأنه كان مؤمنا بالاعتماد على نفسه ورسم منهجية حياته بعمله وجهده وسافر إلى الهند وايران واليمن وعاود ذلك مرارا وتكرارا، حتى جاء اليوم الذي أوكل اليه عمه قيادة السفينة أثناء إحدى الرحلات، وذلك لمرضه ـ أي عمه ـ الذي مات اثناء تلك الرحلة او بعدها، وازداد هذا الفتى آنذاك اصرارا وعزما على عزمه ليعقد النية ويتوكل على الله باحثا عن رزقه على ظهر السفن الأخرى، مواصلا كفاحه من أجل لقمة العيش والحياة الكريمة. وظل مستمرا في مواصلة مسيرته معتمدا على الله ومن ثم على نفسه حتى بلغ من السن ما بلغ.

وعندما بدأ الكويتيون في بناء السور كان من الاوائل الذين سعوا واجتهدوا في بنائه، وشارك كذلك في اكثر من موقعة دافع بها عن وطنه الذي اولاه جل اهتمامه وأصدق مشاعره سواء في العمل او الشعر، كما سوف يتضح لنا لاحقا، ومن اللافت للنظر موقفه عندما كان فوق السفينة، وإذا بالمنادي ينادي للدفاع عن الكويت، وما أن سمع النداء حتى رمى بنفسه من السفينة وعاد سباحة إلى الشاطئ ليشارك اخوانه الدفاع عن وطنه.

وبعد أن بدأ التنقيب عن النفط كان مع الاوائل الذين عملوا في حفر الآبار وقال في ذلك:

حنا ال حفرنا البير وشلنا نكاده

ياكيف نطرد عنه وحناهل البير

وفي عام 1952 فقد الشاعر بصره، الأمر الذي لم يمنعه ولم يقلل من قوته او عزيمته، بل زاده قوة واعطاه الحرص الاكثر على ان يكون عنصرا فعالا مؤثرا في مجتمعه، يشعل بصره الباطني ليضيء كل ما حوله رغم ندمه على فقد بصره الذي يتجلى في قوله:

ما تنفع الدنيا بلا شوف وأعيان

وعزي لمن مثلي عيونه عصاته

من هنا يعتبر شعره مواصلة كفاح معنوي.

شعره

قرض الشعر وهو ابن السادسة عشرة بدأ بكتابة الشعر الغزلي وذلك لحكم سنه، حتى نضجت تجربته وتفتحت مداركه اللغوية والشعرية فتوغل في بحور الشعر ونظم أغلب اغراضه المختلفة، تميز شعره بالجزالة وقوة المفردة وهو ابن البحر وتجاوزت قصائده خصوصيات الذات وتعدت لما هو أهم في نظر شاعرنا حيث الوطن والمجتمع والشعب والامة.

أرّخ معاناته مع البحر بقصائد كثيرة منها هذه المقاطع من قصيدة له يقول:

والقيظ كله نجالب الغوص بحبال

مايٍ كما الزرنيخ وزاده نهيبه

إلى ان يقول:

ورحنا السفر والموج ياكنه جبال

في غبة فيها المنايا... قريبة

لا حولنا ديرة... ولا حولنا... جال

ولا الذي بالضيق نب نلتجي به

الا سواد الليل من دونهم... حال

وبحرٍ كسيفٍ دوم تطبخ غبيبه

وكن السفينة حدرنا صابها هبال

تصعد وتنزل كل بحر تعدي به

كان شاعرنا قوميا حد النخاع تعدى بشعره الحدود الاقليمية دونما نرجسية او حب للنفس او نزعات عاطفية يحمل بين حناياها وفاء وحبا خالصا صادقا لأمته باحثا عن أقصر الطرق وأبسط الامور، ليعقد الاتفاق والتوافق بين الاطراف العربية حتى يتسنى لهم حل مشاكلهم، فجاءت الصدارة في شعره وبإفاضة لقضايا الأمة، كقضية فلسطين والوحدة العربية وقضية النضال المشترك ومحاربة الاستعمار. ويتضح ذلك جليا في قصيدته:

ما همني المال يا ناس لو زاد

الخير عند الله والأرزاق وايد

همي أنا يا ناس من ضد الاضداد

ولا هم إلا هم غبن الضدايد

شوفوا العرب ما بين الاشجار بالداد

كيف اليهود يطشرون البداية

ولو اردنا الانتقال الى جو آخر من اجواء الشعر عند «زيد الحرب»، لوجدناه لا يقل روعة ولا ادهاشا خاصة عندما يكون هذا الجو غزليا لما يتمتع به شعره من سلاسة وتلقائية ومباشرة شفافة، يقول في احدى قصائده.

يا علي ما شفت براق الغيوم

واضح الخدين في دوج الظلام

بو ثليلٍ فوق متنينه ردوم

والنهود اللي كما بيض الحمام

والخشم كالسيف قصاص الحزوم

سلة الهندي فصام العظام

* وفاته:

أصيب الشاعر بنوبة قلبية عام 1957، رقد على اثرها في المستشفى وعاودته اكثر من مرة حتى جاء فجر الاثنين الحادي والعشرين من فبراير عام 1972 حيث كان يوم وفاته عن عمر يناهز خمسة وثمانين عاما.

back to top