االكوميديا... فنّ عربي متعثّر؟
تفتقر الشاشات العربية اليوم إلى البرامج والمسلسلات والأفلام الكوميدية الهادفة وتطغى الأعمال الدرامية عليها. ما الأسباب الحقيقية وراء هذه الظاهرة وهل يبعد ارتفاع تكاليف الأعمال الكوميدية المنتجين عنها، أمّ أن افتقار الساحة الفنيّة إلى مؤلفين متميزين قادرين على كتابة نص يتضمن مشاهد كوميدية صحيحة، حرم المشاهد العربي من أعمال تدخل البهجة والسرور إلى قلبه؟ «الجريدة» رصدت آراء ممثلين كوميديين وسجلت تجاربهم.
عبد الرحمن العقل لا يحتاج الفنان الكوميدي إلى دراسة الكوميديا بل يعتمد على موهبة من الله، كذلك لا يمكن أن تكون الكوميديا مصطنعة وإلا تبدو سخيفة على الغالب، فاذا توافرت لدى الفنان الإمكانات بالإضافة إلى الموهبة، يستطيع أن يقلب النص من درامي الى كوميدي، في هذه الحال يمكن أن نطلق عليه لقب فنان كوميدي، على سبيل المثال تكون الأعمال المسرحية مكتوبة بطريقة درامية والكوميديا فيها عادية نوعاً ما، لكن الفنان الكوميدي الحقيقي يحولها الى كوميديا رائعة ونظيفة.قلّ عدد فناني الكوميديا في الوطن العربي، في السنوات الأخيرة، عكس فناني الدراما الذين تجدهم بوفرة، ما يؤثر أحيانا في عملية تحديد الأجور، ناهيك عن العلاقات بين الفنان والمنتج التي قد تحدد قيمة الأجر، فبقدر ما يحقق الفنان ارباحاً للمنتج من خلال نجوميته يزيد المنتج أجره.طارق العلي في الآونة الاخيرة بدأ الوسط الفني يستقطب خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، وهذه نقطة ممتازة لأنهم يتعلمون أصول التمثيل ويعملون بها ويعرفون كيف يؤدون الأعمال الكوميدية. قد يفشل البعض منهم في بداية طريقه بسبب قلة الخبرة، ولكن أتوقع أن يخرج منهم مجموعة جميلة تغني الساحة بالفن الكوميدي الراقي والجميل، ليس كما يحدث حالياً، إذ اصبح الفن مهنة من لا مهنة له.أتمنى أن يحصل هؤلاء الشباب على فرصتهم كاملة، ثمة من سنحت أمامه فرصة ونجح في استغلالها من دون أن تكون له أي علاقة بالفن، أما الخريجين فقد يطول انتظارهم نظراً إلى قلة كتّاب الكوميديا، وهذه مشكلة نعاني منها، لذلك نغير في النص أحيانا ونضيف الأفيهات التي تسعد الناس وتضحكهم.في موضوع الأجور، لا توجد مقارنة بين الممثل الكوميدي والممثل الدرامي ويختلف الأجر وفق نوع العمل، إذا كان مسرحياً أو تلفزيونياً، بالإضافة إلى أن المنتج يختار النجوم الذين يسهّلون عليه تسويق العمل، سواء على مستوى الدعاية والإعلان أو على مستوى بيعه لأكثر من قناة. أما في المسرح فيختلف الوضع إذ يعتمد المنتج على نجوم الشباك أو نجوم الكوميديا ويدفع لهم أجوراً جيدة لتحقيق الربح المضمون وهو حق مشروع له.علي جمعةنفتقر إلى جهة أو هيئة تصنّف الفنانين خصوصاً الكوميديين وتقيّمهم في مصر، البلد الرائد في الفن والمنافس الأقوى للأعمال العربية على مستوى الوطن العربي، فيلقب أي فنان، يكون دخيلا على الوسط، نفسه بـ «الكوميدي»، مع العلم أن الفن الكوميدي أصعب أنواع الفنون سواء على المسرح أو على شاشة التلفزيون. لم أشاهد منذ فترة طويلة عملاً كوميدياً جميلاً إلا في ما ندر، من السهل أن تكون مهرّجاً وتجد من يصنف المهرج ضمن فناني الكوميديا.يستطيع فنان الكوميديا الحقيقي أداء الأدوار المختلفة ولا يحصر نفسه في نوع معين، يبحث فنانون كثر عن الأدوار القوية والمتعبة ليثبتوا للمشاهدين أنهم ممثلون، إيمانا منهم بأن المشاهد هو الحكم والفصل، ويستطيع أن يحكم على ما يراه إذا كان فناً راقياً أم مجرد تهريج وسد فراغات.كذلك نفتقر إلى نقابة تحمي الفن من المرتزقة الذي دخلوا الوسط بحثاً عن الشهرة والمال، وهم بعيدون كل البعد عن مبادئه وأصوله، فيقبلون الدور من دون قراءته وحتى من دون مقابل أحياناً في سبيل الشهرة لأنهم يبحثون عن الكم وليس عن النوعية لبلوغ غاياتهم، في المقابل يظلم الفنان الكوميدي الحقيقي من ناحية الأجر، لأن الساحة الفنية امتلأت هذه الأيام بالمنتجين التجار الذين يجهلون أصول الفن والفنانين، ما سبب اختلالاً كبيراً وواضحاً في الخارطة الفنية، ولا يوجد من يقدّر الفنان الكوميدي حالياً سوى بعض من أهل الفن.محمد الصيرفي ليست الكوميديا بالأمر السهل كما يعتقد كثر. يجيد قلة من الكتّاب كتابة نص يحتوي على مواقف كوميدية تتكامل مع مهارة الفنان وموهبته لتكون كوميدية بمعنى الكلمة، وفي حال أسند الدور الى مهرج تجده يهوي بالعمل الى الحضيض لإفتقاره الى الحس الكوميدي الذي يوظف فيه النص ليخدمه.الفنان الكوميدي هو من يقلب النص ويحوّره فيصبح عملاً كوميدياً جميلاً ومتكاملاً، لكن يستطيع قلة من الفنانين القيام بهذه المهمة الصعبة التي تحتاج الى نباهة وسرعة بديهة وخفة دم، والأهم إلى الموهبة، لذلك تجد أجور الفنانين الكوميدين على سبيل المثال في مصر أعلى من أجور ممثلي الدراما. أشرف عبد الباقي ليست الكوميديا سهلة كما يعتقد كثر وليس كل من يقول كلمة أو جملة تضحك الآخرين يطلق على نفسه لقب ممثل كوميدي. يجب أن يتمتع الممثل الكوميدي بمقومات خاصة أهمها الموهبة والقدرة على جذب الجمهور بشكل تلقائي غير مصطنع، تعتمد الكوميديا الراقية على بساطة الأداء والتلقائية.تحتاج الكتابة الكوميدية إلى مجهود كبير من المؤلف، لذلك خفّ الإهتمام بها، في المقابل ظهرت مسلسلات «الست كوم» وحلّت محل المسلسلات الكوميدية. على الرغم من أنها كانت تجربة جديدة على المشاهدين إلا أنهم اعتادوا عليها وحازت على إعجابهم ورسمت البسمة على وجوههم، يعتمد «الست كوم» على مواقف كوميدية مختلفة في كل حلقة وعلى مناقشة قضايا إجتماعية بشكل كوميدي.تخوفت من تجربة مسلسل «راجل وست ستات»، لأنها جديدة مع ذلك كانت ممتعة وسعدت بخوضها، تميزت بأنها مختلفة سواء في الكتابة أو التمثيل أو الإخراج. آمل أن يستمر هذا النوع ويحقق مستويات أفضل من حيث التأليف والإخراج والتمثيل والقدرة على جذب الجمهور.أحمد آدم لا يساعد المناخ السائد حالياً على وجود عمل كوميدي جيد وراقٍ مثل الكوميديا التي اعتدنا مشاهدتها، إذ ينظر بعض المنتجين والكتّاب إلى الكوميديا على أنها درجة ثانية وأقل في المستوى الفني من الأعمال التي تناقش القضايا الإجتماعية.في الماضي كان الجمهور يهتم بالمسلسل الكوميدي، لذلك كان يأخذ حيزاً كبيراً من إهتمام الكتّاب، حالياً تراجع هذا الإهتمام وطغت القضايا والمشاكل الإجتماعية على معظم الأعمال الدرامية، في حين يقدم القليل الباقي كوميديا مبتذلة تستخف بعقول المشاهدين، لولا «الست كوم» لاختفت الكوميديا وغابت البسمة، مع أن هذه التجربة غير مكتملة حتى الآن إلا أن معظم ما قدمّ جيد، فنحن نفتقد إلى الكتّاب الجيدين في الكوميديا. هالة فاخرلا تقلّ الكوميديا فناً عن الأعمال الأخرى، كما يعتقد البعض، لكن يتجه الكتّاب والمنتجون إلى الأعمال الإجتماعية أكثر، مع العلم أن الأعمال الكوميدية ليست سهلة سواء في الكتابة أو الإخراج أو التمثيل، من الصعب أن تقدّم عملاً يستطيع إضحاك الناس بصدق ويهتمّ، في الوقت نفسه، بقضاياهم. الكوميديا من أفضل الفنون، يستطيع الكاتب أن يتطرق من خلالها إلى الكثير من القضايا التي لا يمكن محاكاتها في أي عمل درامي آخر.نلاحظ اليوم غياب كتّاب الكوميديا المميزين، ما أثر بالتالي سلباً على حضور الأعمال الكوميدية الراقية التي باتت شبه معدومة. كان الكاتب في القديم يستطيع تحويل المشاكل الجادة إلى مواقف كوميدية، أما اليوم أصبحت الكوميديا مبتذلة تعتمد على موقف أو أفيه قد لا يتقبله المشاهد، لذا أصبح العمل الكوميدي أقل جودة ولا يلقى أي اهتمام، على الرغم من أن المشاهدين في أشد الحاجة إلى الضحك والإبتسامة.هاني رمزيباتت الأعمال الكوميدية غير مرغوبة في التلفزيون وينصبّ الإهتمام على الأعمال الإجتماعية لأنها تهمّ الناس وتمسّ حياتهم، مع ذلك أجد أن هؤلاء يبحثون عن الضحك بأي طريقة في ظل الضغط النفسي الذين يعانون منه، للأسف لا يهتم المنتجون والكتّاب بمثل هذه الأعمال الكوميدية إلا في السينما، في النهاية يبحث الجميع عن الربح.تحتاج الكوميديا إلى مقومات معينة في الكتابة والإخراج والأداء والممثلين، ولا بد من أن يكون بينهم تكامل، لكن للأسف لا يحدث هذا الأمر في كثير من الأعمال التي نشاهدها. في ظل اختفاء الكوميديا من الدراما التلفزيونية ظهرت مسلسلات «الست كوم»، وهي فن ناجح موجود في دول العالم. لا يمكن الحكم عليها لأنها ما زالت حديثة عندنا، المهم توافر نص مكتوب بشكل جيد وإخراج جيد وأداء جيد. أحمد بدير اختفت الأعمال الكوميدية الراقية وحلّت مكانها على الشاشة المسلسلات الإجتماعية التي تمسّ الواقع وتناقش مشاكله وقضاياه، وعلى الرغم من أهمية هذه المسلسلات وجودتها إلا أن المشاهد يرفض أصلاً الواقع الذي يعيش فيه ويريد أن يرى صورة مغايرة له، أو أن نناقش هذه القضايا في إطار كوميدي يضحكه ويوصل إليه المضمون الصحيح، إذ أصبح يبحث عن الضحك في أي مكان. على الرغم من عدم وجود فرق بين الكوميديا في السينما وبين الدراما التلفزيونية، إلا أن المنتجين يهتمون بالإنتاج للسينما أكثر من التلفزيون، لأنها تحقق ربحاً مادياً سريعاً. تحتاج كتابة أي عمل كوميدي وقتاً طويلاً وجهداً وهي ليست سهلة، كما يعتقد البعض، لها معايير خاصة وتتطلب كتّاباً بارعين وممثلين قادرين على أدائها.أصبحت مسلسلات «الست كوم» التي ظهرت بكثرة البديل عن المسلسلات الكوميدية، لاقى بعضها نجاحاً جماهيرياً، إلا انها تعتمد على كوميديا الموقف والإضحاك فحسب من دون عمق وهدف.شويكارتختلف الكوميديا اليوم كثيراً عن الكوميديا أيام زمان، أتساءل: أين كوميديا نجيب الريحاني وعبد الفتاح القصري وعلي الكسار؟ نفتقد إلى هذه الكوميديا الراقية اليوم.يسيطر على كتابة الكوميديا نوع من الإستسهال، مع العلم أنها صعبة وتحتاج وقتاً وجهداً، كذلك تحتاج إلى ممثل ماهر لديه إمكانات خاصة لا يستطيع أي ممثل أن يؤدي دوراً كوميدياً، أتمنى أن أرى عملاً كوميدياً جيداً يعجبني وأن نخرج من الإبتذال الذي بتنا نعاني منه اليومجورج خبّازالكوميديا من أصعب الفنون، لأن من السهل إبكاء الناس لكن من الصعب إضحاكهم بشكل راقٍ وطبيعي بعيداً عن التهريج، الذي بات يستخدمه كثر تحت شعار «الكوميديا». أؤيّد كوميديا المواقف التي تحمل رسائل إجتماعية وإنسانية وسياسية وغيرها... وتلفتني الكوميديا السوداء التي تمتاز بالقالب المأساوي وتكون المعالجة في إطار مضحك. أؤمن بالمثل القائل «شرّ البليّة ما يضحك»، وأركز على محاكاة وجع الإنسان في إطار كوميدي، إنطلاقاً من واقع أن كل فرد منا هو خليط من الحزن والفرح في آن.الكوميديا العربية بألف خير حالياً، كيف لا تكون مميزة وما زال أبطالها مثل عادل إمام ودريد لحّام وداوود حسين وغيرهم يتحفوننا بأجمل الأعمال ويضيؤون على مشاكل مجتمعنا بطريقة عفوية ويعالجونها بحرفية كبيرة. على صعيد لبنان الكوميديا في تقدم مستمر، لكن أفضلّ أن تخرج من الإطار السياسي الآني وتنفتح أكثر على المواضيع الإحتماعية. أخيراً أشدد على ضرورة عدم تقليد الغرب والبقاء ضمن إطار مفاهيمنا الخاصة. فادي رعيدييفتقد العالم العربي إلى التوازن في صناعة الكوميديا لأن الإنتاج غير صحيح ومحكوم برأس المال، كذلك يفتقد الى المواهب الجديدة التي تتمتع بقدرات كبيرة بسبب عدم تنظيم العمل التلفزيوني. في لبنان مثلاً يجبر التلفزيون أي مخرج كوميدي على تقديم عمل على مدى سنة بأكملها، فيقبل العرض لأنه يحتاج إلى تأمين لقمة عيشه ويصبح عمله بالتالي مجرّد ثرثرات. يخطئ من يصنّف بعض الأعمال بأنها كوميدية، لأنها توظف النكتة كأداة للتجريح بأشخاص معينين أو لـ «فشّ الخلق». يفتقد كثر ممن يظنون أنهم نجوم في مجال الكوميديا إلى أسسها الصحيحة، في المقابل ثمة نجوم لم يدرسوا الفن الكوميدي في الجامعة إلا أنهم يتحلّون بالموهبة وبخفّة ظل استثنائية يستطيعون من خلالها إضحاك الناس بطريقة سهلة. أشعر بالفرح عندما أدخل البهجة الى القلوب في وقت يسيطر فيه الحزن على القسم الأكبر من الناس، وأشدد على أن الكوميديا مادّة تثقيفية وترفيهية في آن ولا يجب الإستهتار بها. أدعو الجمهور إلى مشاهدة فناني الكوميديا الأصيلين مثل شوشو وعادل إمام أو متابعة الكوميديا الغربية التي ترتكز على إسعاد الناس مع توفير الإفادة لهم، وليس على التجارة والسعي الى المزيد من الربح.وسام صبّاغأصبحت الإبتسامة حاجة عند الإنسان، ثبت علميّاً أنها تشكّل علاجاً لأمراض نفسية كثيرة من بينها الإكتئاب. أفتخر لأنني أستطيع، من خلال أدواري الكوميدية، إدخال الفرح إلى القلوب وأبعاد الهمّ وتعب الأيام عن العقول ولو لفترة معينة. ليست الكوميديا مجرّد تركيب كلام على مشاهد مضحكة فحسب، إنما تحمل في طيّاتها رسائل سياسية وإجتماعيّة تصل الى المتلقّي وتبلغ هدفها بطريقة سهلة وجميلة وخالية من التجريح. تتطلب توافّر صفات معينة، من بينها خفّة الظل والحركة وسرعة البديهة.تتفاوت الأعمال الكوميدية في العالم العربي بحسب ظروف الإنتاج وظروف البلد نفسه، ففي لبنان مثلا لدينا الكثير من الأحداث الإجتماعية وخصوصاً السياسيّة التي يسهل توظيفها ضمن قالب كوميدي مميّز. عربيّاً أجد أن الكوميديا في تطوّر دائم ولمست ذلك من خلال تجربتي في برنامج cbm على شاشة الـmbc على مدى أربع سنوات متتالية، وشعرت بحاجة المواطن العربي، في ظلّ الظروف التي يعيشها، إلى جرعة من الفرح والأمل بالمستقبل. كذلك تلفتني الكوميديا الخليجية إذ نجحت في تصوير الواقع الخليجي والإضاءة على مشاكله بشكل جميل وموفق. يعود الفضل طبعاً في تطوّر الفن الكوميدي إلى ممثلين أصيلين من بينهم لبنانيّاً: صلاح تيزاني وشوشو وابراهيم مرعشلي، مصريّاً: فؤاد المهندس وعادل إمام وحديثاً أحمد حلمي وأحمد سعد وغيرهم.ليليان نمريلا يجب الإستخفاف بالفن الكوميدي لأنه من أصعب الفنون على الإطلاق. لا تدرّس الكوميديا بل تأتي بالفطرة عند الممثل الذي يجب أن يمتلك سرعة بديهة وكاريزما خاصّة أيضاً. يعتمد بعض الكوميديين على تقنية معينة ينجحون من خلالها، لكنهم يحصرون نفسهم بـشخصية واحدة، أمّا الممثل المحترف فهو الذي يتكيّف مع الأدوار كافّة. لم يدرس الممثلون الكوميديون القدامى على غرار عبد السلام النابلسي واسماعيل ياسين فن الكوميديا في الجامعة، لكن نكهتهم كانت خاصّة جدّاً عند المشاهد وما زالت نفسها إلى اليوم. كذلك امتلك نجيب الريحاني تقنية مهمّة في عمله وأدّى الأدوار المبكية المفرحة. لا ننسى والدتي عليا نمري التي استطاعت إدخال الفرح إلى القلوب من خلال الأدوار الكوميدية التي قدّمتها وكذلك الممثلة فريال كريم. الممثلون الكوميديون اليوم قلة، من بينهم: محمد هنيدي وجورج خبّاز ووسام صبّاغ الذين يعتمدون على الفطرة في أدائهم. نفتقد إلى النصوص الكوميدية النظيفة القائمة على الموقف، في هذا المجال أوّجه تحيّة إلى الكاتبة كلوديا مرشيليان التي استطاعت إظهار كوميديا الموقف في أعمالها.يقلد بعض الممثلين نجوم الكوميديا بهدف التقرب من الناس، هذا خطأ لأن الناس لا يقبلون الفن المصطنع الخالي من الإحساس. قدّمت أكثر من 40 شخصية في حياتي ونجحت عبر أدواري الكوميدية في رسم الإبتسامة على والجوه، ألمس ذلك من خلال إحتكاكي اليوميّ بالناس.كلوديا مرشيليانتختلف نظرتي في الكتابة عن الغير، لأني لا أفصل تماماً بين الدراما والكوميديا. اعتاد الجمهور العربي أن يكون العمل إمّا مضحكاً وإما مبكياً. عندما كتبت كوميديا «مش ظابطة» و{محلولي» أردت أدخال الفرح المقرون بالإفادة إلى القلوب مع التفريق بالطبع بين الكوميديا والتهريج. أشعر أحياناً بمرارة من الأوضاع التي تحيط بنا فأحوّل هذه المرارة إلى مشاهد مضحكة أصوّر من خلالها معاناة الناس. عندما كتبت «مش ظابطة» عكست أوضاع لبنان السيئة التي كان يمرّ بها، لكن بطريقة طريفة. كذلك جسّد مسلسل «محلولي» حياة عائلة منكوبة بطريقة فكاهية وترفيهية. أعتبر الكوميديا بمثابة التوجيه للناس شرط أن تبقى بعيدة عن التجريح، حتى مقالاتي الصحافية التي أكتبها لا تؤذي أحدا لأن السلوب الكوميدي يسيطر عليها.ما زلنا، في العالم العربي، نعتبر الكوميديا تهريجاً مع أنها تحمل رسالة أكثر من الدراما. يعدّ دريد لحّام مثلا من أبرز مقدمي الكوميديا الحقيقية والقادرين على إضحاك المشاهد وإبكائه في آن. طرح أفكاراً كثيرة عبر أعمال حملت معانٍ وطنية وسيادية وإجتماعية ضمن قالب فكاهي. يلفتني من الجيل الجديد اللبناني جورج خبّاز وأسماء قليلة غيره.نتالي نعّوميتلقى الجمهور الكوميديا بسرعة كبيرة لأنها الأقرب إليه، لكن لا يجب أن نستسهل الفن الكوميدي لأنه من أصعب الفنون، يمكن توجيه رسائل سياسية واجتماعية معينة عبره شرط أن تكون مدروسة بطريقة جيّدة، بمعنى ألا نجرّح بأي شخص أو بأي فئة إجتماعيّة. اليوم تحوّلت الكوميديا عن هدفها الرئيس وهو رسم الإبتسامة على الوجوه، وأصبحت سلعة أو تجارة بلا معنى للكسب المالي السريع وبات التهجّم على الشخصيات السياسية مثلا والتجريح بهم أمرا سهلاً تحت راية العمل الكوميدي، و هذا أمرغير مقبول. أستمتع عندما أتابع مسرحيات الممثل دريد لحّام وأفلامه، لأنه من الفنانين القلائل المحترفين في الكوميديا، استطاع إيصال أفكاره السياسية وقضيته الإجتماعية إلى الناس والسلطة من خلال مشاهد كوميدية، من منا لا يعرف مسرحيات «كاسك يا وطن» و{شقائق النعمان» و{غربة» وغيرها. كذلك استطاع الممثل عادل إمام تمرير رسائل كثيرة من خلال أعماله الكوميدية وهو مدرسة في هذا المجال. أما في لبنان، بالإضافة الى شوشو وابراهيم مرعشلي، أحب أداء الممثل فادي رعيدي الذي يدخل الفرح الى القلوب بصدق ويخرج من ذاته ويتقمص الشخصية التي يجسّدها.