محطات في حياة المسافر (22) عمر الشريف: نعم أعاني نوبات غضب!

نشر في 25-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 25-09-2008 | 00:00
عرفنا في الحلقة السابقة أن عمر الشريف فنان وإنسان مزاجي، يتعامل مع الحياة وفق حالته المزاجية الى درجة أنه قد يرفض عروضاً مهمة لأن الشمس لم تشرق مثلاً في اليوم الذي تلقى فيه العرض. كذلك اعترف لنا أنه راض عن حياته العامة ولكنه غير راض عن أمور في حياته الخاصة، وحكى عن أسباب عدم اعترافه بأبوّته للشاب الإيطالي روبين الذي فجر في التسعينات فضيحة أنه ابن غير شرعي للشريف من صحافية إيطالية كانت قابلته مرة واحدة لإجراء حوار صحافي ثم اختفت من حياته نهائياً. أنكر الشريف صلته بهذا الشاب وقال إنه ليس متأكداً من حقيقة أنه ابنه على الرغم من الشبه الواضح بينهما، وأنه بذل جهداً حقيقياً لمعرفة الحقيقة أو حتى التقرب من هذا الابن الذي هبط عليه فجأة ولكنه لم يستطع لأنه، بحسب قوله، لا يجيد الكذب.

الشخصية، كما يقول علماء النفس، هي السلوك والتفكير والانفعال والعادات والفلسفة الخاصة والاهتمامات وموقف الإنسان من الحياة، ولكل إنسان شخصية خاصة به، والشريف له شخصية واضحة وآسرة، فهو لم يكن فحسب هذا الفنان الوسيم الذي حملته رياح النجومية من الشرق إلى الغرب، بل أيضاً إنسان حقيقي من لحم ودم، له أخطاؤه التي تؤكد آدميته، فهو لم يكن ولم يدّعي أنه ملاك أو معصوم عن الخطأ، والمقربون منه يعرفون سماحته ولطفه وكرمه ورحابة صدره وكذلك حدة مزاجه إذا حدث أمر يخشاه أو لا يتناسب مع مقوّماته الشخصية أو أحلامه، فهو في لحظة يدور في فلك ذاته ولا يعي ما يفعله، كالأطفال بريء في أفعاله، وربما هذا ما يشفع لعدائيته التي تظهر فجأة في مواقف معينة لم يكن هو ذاته يتوقع أن تحدث، كما حدث في صيف العام 2003 داخل كازينو يقع في ضاحية أونجين ليبان شمال باريس، حين قام بالاعتداء على شرطي خلال وجوده في الكازينو، حيث قال شهود العيان إن الشريف كان يلعب الروليت وانتابته حالة من الغضب فقام بإهانة الموظف المسؤول عن إدارة اللعبة، كذلك أهان أيضاً الشرطي الذي وصل الى المكان في وقت لاحق وقام بالاعتداء عليه، فتحول الأمر الى ساحة القضاء، وأصدرت محكمة باريس العليا حكما بتغريم الشريف 1500 يورو والحبس لمدة شهر مع إيقاف التنفيذ.

بعدها بعامين أي عام 2005، ظهر اسم الشريف مجدداً في ساحات القضاء حين أقام ضده عامل في كراج دعوى يتهمه فيها بالاعتداء عليه، حيث قال العامل واسمه خوان أندرسون إن الشريف غضب عندما لم يجد سيارته البورش بانتظاره لدى خروجه من أحد المطاعم الكبيرة في ضاحية بيفرلي هيلز، ولما لم يقبل أندرسون ورقة من فئة العشرين يورو من الشريف بدلاً من الدولارات، نعته الأخير بـ{المكسيكي الغبي»، بحسب وكالة «الأسوشييتد برس»، وجاء في الدعوى التي قدمها عامل الكراج أن الشريف كان في حينها عدائياً وأنه وجّه للعامل لكمة بعد نعته بتلك الأوصاف وطالب أندرسون، وهو من غواتيمالا، بمبلغ 50 ألف دولار كجزاء مدني وأتعاب المحامي وتعويضات غير محددة، كذلك رفض أي علاج طبي بسبب الاعتداء، ولم يكن يبدو عليه أنه مجروح، لم يعلق الشريف حينذاك على ذلك وإن صرح محاميه مارتن سينجر، أن موكله لم يهاجم العامل، وقال «موكلي تشاجر مع موظف في كراج السيارات، ولم يلمسه ولو لم يكن مشهورا لما كان هناك دعوى في الأساس.» أمرت المحكمة التي شهدت الدعوى الأميركية بأن يخضع الشريف لبرنامج علاج نفسي مدته 15 ساعة ووضعه تحت رقابة قضائية لمدة سنتين، حتى يمكنه السيطرة على حالات الغضب والانفعال التي تنتابه، ولم يحضر الشريف الجلسة وقد مثله محاميه الذي قال إن موكله يعترف بالتهمة الموجهة إليه وهي الاعتداء بالضرب على شخص.

الغريب أن الشريف لم يعلق تقريباً على الحوادث أو على نوبات الغضب والانفعال التي يتهم بها سوى بجملة عابرة تحمل معنى السخرية من نفسه حين قال «يبدو أنني أصبحت رجلاً عجوزاً»، هي جملة لا تعبر عن لفّ ودوران منه، فهذا ليس أسلوبه، وإنما عن جزء من شخصيته التي تتسم بقوة خاصة حتى في لحظات الضعف، لأن أمثال الشريف يُفضلون الموت على الظهور بمظهر المقهور، هي تركيبة شخصية تخصّه وتفرض عليه تعاملاته وأحاسيسه التفاؤلية أو العدائية مع العالم حوله، والمثير أن كلمة «شخصية» مصدرها لاتيني وتعني القناع، فقد كان بعض الممثلين على المسرح الإغريقي يرتدي أقنعة لتخفي عيوبه الخلقية، وتحديداً كان أحدهم يعاني حولاً في عينه وكان يرتدي قناعاً ليخفي هذا الحول، وهو ما أثار حيرة علماء النفس وجعلهم يتساءلون: هل هذا يعني أن الشخصية هي القناع الخارجي الذي يرتديه الإنسان ليخفي الحقيقة الداخلية؟ حقيقة ما يفكر فيه وما يشعر به وبالتالي يسلك سلوكاً مخالفاً لما يريده حقاً كنوع من التكيف، لكن حتى إذا كان هذا أمراً حقيقياً اتفق عليه علماء النفس الذين لمحوا أن الازدواجية هي سمة الإنسان وأن خارجه لا ينم عن داخله، فإن الشريف من الشخصيات الاستثنائية التي شذت عن القاعدة، لأنه لم يجد العمل بازدواجية غالبا، ولم يجد ارتداء الأقنعة، فكان هو النجم العالمي الشهير الذي يصرخ ويواجه بحدة من يعانده، كذلك يجلب على نفسه المتاعب بتصريحاته الصحافية التي لا تخلو من صراحة صادمة.

لعبة الهجوم والدفاع

صارت كل إطلالة جديدة للشريف تبدو كأنها فرصة لتصفية حسابات، حسب تعبير بعض النقاد، لأن صراحة آرائه اللاذعة أدت إلى هذا الاستنتاج المباشر، خصوصا حينما شن هجومه المعروف على الرئيس جمال عبد الناصر في مهرجان القاهرة السينمائي عام 2005، متهماً إياه بالتعامل مع الأميركيين، فأثار عاصفة مضادة من الانتقادات، لم تهدأ إلا بعدما اعتذر عما قاله، وحين قام مرة أخرى بتسليط الضوء على ثروات الفنانين، ووصف المال الذي يدره الفن بأنه «حرام» وذلك في تصريحاته المثيرة التي فجرها خلال لقاء مع الإعلامي المصري طارق حبيب في حلقات مسجلة حول مشوار حياته عرضها التلفزيون المصري بعنوان «تجربتي»، حيث قال إنه لا يحب المال على الإطلاق وليس لديه أدنى تعلّق به, مشيراً إلى أنه يعتبر منذ بداياته الأولى بالتمثيل أن «فلوس التمثيل حرام» وأن إنفاقها هو الحل الوحيد للتخلص منها كي يستفيد بها آخرون هم في حاجة أكثر إليها. أضاف باللهجة العامية المصرية: «يعني إيه أمثل شوية وأخد كل الفلوس دي... مش ده حرام» ثم كرر: «كنت أقنع نفسي دائماً بأنني أحصل على المال مقابل العمل كبلياتشو أمام الكاميرا لعدة ساعات وأنه رزق العمال وأصحاب المهن الذين أتعامل معهم».

لم تجلب له تلك التصريحات إلا متاعب كثيرة، حيث غضب منه زملاؤه الفنانون الذين اعتبروها تصريحات غير مسؤولة واندهشوا أنها تصدر عن فنان كبير في قيمة الشريف وحجمه. في الوقت نفسه، واجه هجوماً صحافياً جديداً انتقده واعتبره يقلب «المائدة» على الفن والفنانين في وقت غير مسموح فيه بذلك، وخصوصاً في ظل ردة ثقافية تجتاح الشارع المصري كله وتحرم الفن وتدين الفنانين بمناسبة وغير مناسبة. كذلك اتهموه بأنه يفعل ذلك على طريقة المهزومين الذين تخلت عنهم النجومية وانحسرت عنهم الأضواء فراحوا يقذفون الجميع بـ{الطوب والحجارة»، وعلى قدر قسوة هذا الاتهام وعنفه على قدر غضب الشريف الذي رد عليه في حسم: «لست مهزوماً... ولا أنا فاشل أعاني عقدة الاضطهاد أو أعاني من فشلي، وتاريخي الفني لن تمحيه كلمة جارحة أو جرة قلم»، ثم أضاف أن تصريحاته حرِّفت لأسباب لا يعلمها، وأنه لم يقصد أبداً أن المال الذي يدره الفن حرام، بل كل ما قاله إنه مبذر إلى أقصى الحدود ولا يعرف قيمة المال، وهو لا يستحق الأموال التي يتقاضاها من مهنة التمثيل. أضاف أن العاملين في مجال التمثيل يكافأون بأجور طائلة من دون أن يضطروا لبذل مجهود كبير أكثر من حفظ حوار يكتبه آخرون ثم يؤدونه أمام الكاميرا، وأن هناك طاقات بشرية أفضل وأدمغة خلاقة لا تجد ثمناً للقمة العيش.

قال الشريف أيضاً: «عموما فإن كل إنسان معرض للهزيمة، وهذا ليس عيباً لأنها طبيعة الحياة، المهم كيف يتوقف سلوكه بعد ذلك على رصيده من الموضوعية، أي نضجه الفكري وكذلك نضجه الوجداني». ذلك النضج هو ما يجعله قادراً على المواجهة الصادقة مع نفسه، فيعلن فوراً عن إحساسه الحقيقي بالحياة وعن مسؤوليته، لا عن تخاذل ومحاولة كسب تعاطف الآخرين، لكن ليبدأ في إعادة حساباته والتعايش في الواقع الجديد.

هنا، يبدو كلام الشريف مناسباً لشخصية رجل لا ينسحب من الميدان ولا ينفصل عن ذاته مهما كانت حدة الهجوم الذي خلق علاقة شائكة بينه وبين الصحافيين جعلته يفقد الثقة في الصحافة، لكنه في الوقت نفسه لا يدخل في معارك ضارية معها، هو يتحدث فحسب بحريته وصراحته التي لا يستوعبها الكثيرون فيواجهونه وهو يقف أمامهم ليقول بهدوء إنهم دائماً لا يفهمون المغزى الحقيقي من كلامه وينقلونه حسب تصوراتهم الخاطئة، ثم يبدأ بشرح المقصود من كلامه ويبرره، إنها لعبة صارت معتادة والشريف أصبح يجيدها كما الألعاب الآخرى التي يحبها وكما الحياة نفسها التي تعامل معها منذ البداية إنها لعبة كبيرة.

لم تنته تلك اللعبة بين الشريف والصحافة، بل هي مستمرة في جولاتها وحسب قوانين الهجوم والدفاع نفسها بين الفريقين، والتي كانت على أشدها في العام الماضي مع بدء تصوير مسلسله التلفزيوني «حنان وحنين» مع المخرجة إيناس بكر، حين ظهرت العناوين الرئيسة في بعض الصحف «ها هو عمر الشريف يطلق سهامه على أحمد رمزي وفاتن حمامة»، اذ علقت على المؤتمر الصحافي الخاص ببداية تصوير المسلسل وأنه تحوّل لحلقة من النقاش والجدل حول مدى أحقية الشريف في الحديث عن أسرار تتعلّق بالحياة الشخصية والمهنية لزملائه من النجوم الكبار، وقالت إنه استمرار لمسلسل تصريحاته النارية، اختار هذه المرة أن يطلق النار على كل من الفنان أحمد رمزي، رفيق الدرب والبطل الثاني في المسلسل، إضافة إلى زوجته السابقة الفنانة فاتن حمامة، حيث قال عن مشاركة رمزي في المسلسل، إنه هو من أقنعه بالعمل في التلفزيون، مما جعله يرد له الجميل بمنحه دوراً في المسلسل، مضيفاً أنه كان وراء عمل رمزي في السينما، عندما رشحه لمشاركته فيلم «أيامنا الحلوة» الذي تحول بعده إلى نجم كبير، ومؤكداً أن رمزي اتجه إلى التمثيل بعدما فشل في الدراسة... «أخفق في كليات الطب والتجارة والزراعة، فنصحته بدخول عالم التمثيل على اعتبار أنه العمل الأسهل. هكذا أثبتت الأيام صحة نظريتي، وقدم رمزي عدداً كبيراً من الأعمال السينمائية.

ثم قال عن اختيار بقية أبطال «حنان وحنين»، إنه لا يعرف شيئاً عن التمثيل في مصر، لأنه لا يتابع الأعمال المحلية، لكنه اعتمد على نصيحة زوجته السابقة فاتن حمامة، «لأنها خبيرة متمرسة في الممثلين المصريين»، مشيراً إلى أنه كان يصغي دائماً إلى رأيها، ويعمل به من دون شرط، خصوصاً أنه كما قال «ما أقدرش أكسر لها كلمة»... لكنه، رداً على سؤال عن عدم مشاركتها في المسلسل، قال باسماً: «هي ست متجوزة، ولا تعمل منذ زمن في الفن لأنها تقدمت في السن»، وهو ما اعتبره البعض تعرضاً مباشراً للفنانة التي أثيرت أخيراً أنباء عن عودتها للشاشة من خلال مسلسل تلفزيوني جديد. كذلك تعرض لأحمد رمزي، ولم يلتفتوا الى بقية تصريحه حين قال «لم أفكر في التلفزيون إلا قبل خمس سنوات فحسب, كنت مشغولاً بالسينما، لكن عليّ تقديم الوفاء لجمهور الشاشة الصغيرة أيضاً، خصوصاً أنني أتقدم في السن، وقد أعجز لاحقاً عن العمل لساعات طويلة في التصوير التلفزيوني»... وهو على قدر دهشته من هجوم لم يره تلك المرة مبرراً بشكل معقول قال: «لم أهن أحداً بكلامي، خصوصاً فاتن ورمزي، لأنهما أصدقائي وشركائي في الرحلة ولا يمكن أن أجرحهما، لكني كعادتي كنت صريحاً وذلك لم يغضبهما لأنهما يعرفانني جيداً ويعرفان أنني حين أتكلم عنهما فأنا أتكلم بحب ووفاء وإخلاص لهما».

هكذا فإن لعبة الشد والجذب بين الشريف والصحافة تأخذ أشكالها مع كل إطلالة فنية أو إعلامية له، وهي تبدو لينة في مرات قليلة، حيث تلقى تصريحاته أو تعليقاته استحساناً كما حدث أخيراً، مثلا، في مقابلة تلفزيونية على قناة الحياة أعرب خلالهاعن رأيه في الشعب الأميركي وقال: من خلال خبرتي الطويلة وتعاملي مع الشعب الأميركي، اتضح لي أنهم شعب جهلة، وغالبهم لا يمتلك جواز سفر، وأن من يمتلكون جواز سفر لا يتعدى عددههم 10% فحسب مما يعني أن 90% منهم لم يغادر أميركا، ولا يعلمون شيئا عن دول العالم الأخرى، الى درجة أنهم لا يمكنهم أن يستدلوا بسهولة على مواقع الدول على خريطة العالم، لربما استطاعوا أن يميزوا إيطاليا كونها تشبه «الجزمة» على حد تعبيره.

على عادته، فجر مفاجأة صحافية من العيار الثقيل حين أفصح عن حديث دار بينه وبين الرئيس الأميركي جورج بوش قبل دخول العراق، وقال: نصحته بعدم إقحام نفسه في تلك الأمور، لأن الدول العربية ليست بلاداً، هي عبارة عن طوائف، ربما دولة مصر هي الوحيدة التي بها ما يسمى شعب،عدا ذلك فكل البلاد العربية عبارة عن طوائف هنا وهناك لا تجدي معها الديموقراطية، وقلت له إنك ستغرق هناك ولن تستطيع فعل أي شيء، لكنه لم يصدقني وقال لي يجب أن يكون هناك ديموقراطية، قلت له أية ديموقراطية تتحدث عنها، عندما كنت أعيش في مصر، كنت ألجأ إلى شيخ الحارة ليحل لي أية مشكلة تواجهني.

تستمر اللعبة بين الشريف والصحافة، كل منهما في مواجهة الآخر يترصد ويترقب حتى تحين الضربة الحاسمة. على رغم شغف الشريف باللعبة إلا أنه لا يخجل أحياناً حين يعلن عن تعبه منها خصوصا عندما تأتي ضربة الصحافة موجعة بل وجارحة على غير المتوقع، وهو ما يتذكره جيداً خصوصاً عندما رشِّح كرئيس لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي وطالب بنقل مكان المهرجان إلى إحدى المدن السياحية، وقال حينها إنه يؤيد نقل المهرجان «حتى ولو عقد في طابا السياحية وجاء اليهود لحضوره»... يقول الشريف بمرارة:  «صيغة المبالغة تلك فهمت من قبل البعض بأنني تطبيعي وأدعو إلى العلاقة مع إسرائيل وإلى غير ذلك، على رغم أن قصدي كان واضحاً تماماً في ضرورة نقل مكان انعقاد المهرجان».

back to top