أغنياء وفقراء الإمارات

نشر في 19-05-2009
آخر تحديث 19-05-2009 | 00:00
 د. عبدالخالق عبدالله تحدثت أم أحمد إلى برنامج البث المباشر بنبرة حزينة مليئة، بأن الدنيا انسدت في وجهها، وأنها لا تملك خبز يومها، ولم تعد تطيق حياتها، وأصبحت غير قادرة على تحمل مسؤولية تربية أطفالها. قالت أم أحمد إنها إماراتية أبا عن جد لكنها لا تشعر أنها تسكن في إمارة هي من أغنى الإمارات، وفي دولة هي من أغنى الدول في العالم.

قالت أم أحمد وهي تبكي بحسرة، إنها مطلقة وتعيش مع أطفالها بمساعدة شهرية من وزارة الشؤون الاجتماعية، وتسكن في حجرة واحدة ضمن منزل لورثة يطالبونها بمغادرته وكل ما تطلبه الآن هو الستر، وأخذت تكرر «يا الله الستر ... يا الله الستر... يا الله الرحمة». كل من سمع هذه المكالمة تأثر كثيرا وشعر بالغصة عندما ذكرت أم أحمد أنها تعيش لمجرد أنها غير قادرة على الموت.

تمثل أم أحمد حالة واحدة من حالات فقراء الإمارات المنسيين الذين يزدادون فقرا بسبب غلاء المعيشة، وارتفاع تكلفة الحياة، وتواضع الدخل، وعدم الاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة، وارتفاع حجم الديون الشخصية المرهقة، وصعوبة مجاراة متطلبات الحياة الكريمة وفق المستويات المعيشية الجديدة والمرهقة في الإمارات.

لم يكن أحد يتحدث عن الفقر ووجود مواطنين يعيشون تحت خط الفقر كحالة أم أحمد في الإمارات، كان الجميع يرفض فكرة وجود فقراء في دولة غنية بلغ دخلها عام 2008 من النفط 292 مليار درهم، وإجمالي ناتجها المحلي 929 مليار درهم، وكان اقتصادها ينمو بمعدلات تصل إلى 7% سنويا، وارتفع معدل دخل الفرد فيها إلى 144 ألف درهم سنويا على مستوى الدولة وهو من بين أعلى معدلات دخل الفرد في العالم.

مازالت صورة الإمارات مشرقة فهي دولة نفطية وغنية ومن بين أكثر الدول رفاهية وسخاء مع سكانها، ومن بين أسرع الاقتصادات نموا في المنطقة العربية، لكن استمرار فجوة الدخل بين إمارات الدولة، واختلال موازين توزيع الثروة بين الأغنياء والفقراء، وتحول جزء مهم من الثروة للوافدين في القطاع الخاص، وتجاهل مبدأ العدالة، كل ذلك قد يؤدي إلى بروز حالة جديدة وصورة مختلفة وحقائق غير مريحة للنفس وتصبح الإمارات دولة فقراء بقدر ما هي دولة أغنياء.

لقد اختلت كثيرا الفجوة بين من هم أفضل حالا وأسوأ حالا ماديا في دولة الإمارات في السنوات الأخيرة. ففي الوقت الذي كان الاقتصاد الوطني يتمدد شرقا وغربا، وينمو بمعدلات استثنائية، ويتحول إلى ثاني أكبر اقتصاد عربي، أخذت الثروة تتكدس لدى أعداد صغيرة من الأغنياء. كما بدأت الفجوة تتسع كثيرا بين الذين يملكون والذين لا يملكون، وبين العدد الصغير الذي استفاد من التمدد الاقتصادي وتمكن بسهولة وسرعة تقارب سرعة الضوء، من الارتقاء على سلم الثروة، وبين العدد الكبير من المواطنين الذين غلبتهم الحياة، وتجاوزتهم الفرص الاستثمارية وأصبحوا يعيشون على هامش الثروة، ويدفعون دفعا نحو هامش المجتمع وفي اتجاه قاع الفقر.

تشير الوقائع بوضوح شديد إلى أن الأثرياء يزدادون ثراء وفقراء الإمارات يزداودن فقرا. هذه المعادلة غير مطمئنة ولا يجب أن تستمر طويلا، ومن المهم معالجتها سريعا، وهي قريبة جدا من نفس المعادلة المختلة القائمة على الصعيد العالمي حيث 20% من سكان الأرض يملكون 80% من الثروات و80% من سكانها يعيشون على ما تبقى من الفتات. هذه المعادلة العالمية ظالمة، وهي سبب مهم من أسباب عدم الاستقرار السياسي في العالم، ولا ينبغي أن تتكرر في مجتمع آمن ومستقر كمجتمع الإمارات يؤمن بعدالة توزيع الدخل.

أثرياء الإمارات يتصدرون اليوم قائمة الأثرياء العرب، فوفق تقرير للثراء في العالم أعده مصرف «ميريل لينش» بلغ عدد الأثرياء في الإمارات 79 ألفا، أي نحو 10% من إجمالي عدد المواطنين. ويملك كل واحد من هؤلاء أكثر من مليون دولار نقدا من دون احتساب مساكنهم. والملفت أن الإمارات حققت أعلى معدلات في نمو عدد أصحاب الثروات في المنطقة العربية وبنسبة 16.1% حيث بلغ مجموع ثرواتهم 334 مليار درهم عام 2008.

وجود هذا العدد الكبير من الأثرياء دليل صحة وعافية، ومصدر فخر واعتزاز لدولة الإمارات، ويؤكد الانطباع السائد أن الإمارات دولة غنية، وهي أرض الأغنياء وستظل أرض الفرص الواعدة للمواطنين والوافدين لسنوات طويلة قادمة، لكن الحديث عن الأغنياء تراجع أخيرا بسبب الأزمة المالية وانهيار سوق الأسهم وإفلاس العديد من الشركات ودخول الاقتصاد العالمي والعربي والإماراتي في حالة الانكماش الذي يتوقع أن يستمر خلال عامي 2009 و2010.

لذلك وفي الوقت الذي تراجع فيه الحديث عن الأغنياء برز التركيز على وضع الفقراء في الإمارات. وجاءت دراسة لوزارة الشؤون الاجتماعية تشير إلى ارتفاع عدد حالات المواطنين المستفيدين من المساعدات الحكومية الشهرية من 31 ألف حالة عام 2001 إلى نحو 38 ألف حالة عام 2007. أي أن نسبة حالات متلقي الدعم الحكومي الذي يبلغ 4 آلاف درهم في الشهر، والمخصص للفقراء والمحتاجين وللحالات الإنسانية الصعبة كحالة أم أحمد، ارتفع بنسبة 18% خلال السنوات الست الأخيرة. لقد كان من المتوقع تراجع هذه الحالات الاجتماعية الصعبة وليس ارتفاعها سنة بعد سنة منذ تأسيس الدولة الاتحادية.

ثم جاءت دراسة أخرى جريئة وموثقة ومعتمدة على بيانات رسمية تؤكد أن فجوة الدخل بين أكثر الناس فقرا وأكثرهم غنى ضخمة، وهي أكثر ضخامة في الإمارات الغنية، ووفق هذه الدراسة التي أعدها مجلس دبي الاقتصادي، فإن 7.2%، أي نحو 60 ألف مواطن يعيش تحت خط الفقر النسبي وتحت مستوى أدنى من متوسط الرفاهية السائد في مجتمع الإمارات. وجود فقير، واحد وحالة واحدة كحالة أم أحمد، في دولة غنية عيب، أما وجود أكثر من 60 ألف فقير فهو 60 ألف عيب وعيب، ويؤكد أن دولة الإمارات بقدر ما هي دولة أغنياء هي أيضا دولة فقراء.

من المهم مراجعة البيانات والتدقيق في صحتها، لكن الأهم هو مراجعة السياسات التنموية والاجتماعية كي لا تؤدي إلى زيادة فجوة الدخل بين الأغنياء والفقراء. فلا يليق بدولة الإمارات المعطاءة وجود حالة إنسانية صعبة واحدة كحالة أم أحمد «انسدت الدنيا في وجهها» واضطرت للبكاء بمرارة على الهواء مباشرة.

كلما أسرعت الإمارات في إنهاء ملف الفقر والفقراء كانت أسعد حالا وأكثر إشراقا. فالاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي مرتبطان أشد الارتباط بعدالة توزيع الثروة وتقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وهذا ليس بكثير على دولة الإمارات السخية والتي تضع سعادة مواطنيها على رأس اهتماماتها الوطنية والتنموية.

* باحث وأكاديمي إماراتي

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top