الفداوية والسلطة

نشر في 08-05-2008
آخر تحديث 08-05-2008 | 00:00
 نايف الأزيمع بداية لابد من القول إننا كأكثرية الكويتيين ننتمي بأصولنا وأنسابنا إلى قبائل عربية. وهو أمر نتمسك به ونفتخر. لكننا أيضاً نعتز بوطننا، ونفاخر بوطنيتنا، ونتغنى بوحدتنا الوطنية. فإذا كان آباؤنا قد علمونا بالأمس، ونحن نعلم أبناءنا اليوم: أن المواطن الحق هو مَن يقدم نفسه قرباناً من أجل الوطن. فمن باب أولى أن نعتبر الوطن قبل القبيلة وفوق الطائفة. فالوطن لجميع أبنائه وبكل أطيافهم وألوانهم ومللهم ومذاهبهم. وجميعهم فداء للوطن.

هذه مقدمة لا بد منها حتى نلج إلى موضوعنا الأساسي بكل صدق وشفافية ووضوح.. تعلمنا من تاريخنا أموراً تكاد تكون مسلمات.. وشهادات الباحثين والمستشرقين وصورهم بالأبيض والأسود أكدت تلك الحقيقة. السلطة هي الشيوخ في الخليج والأمراء في الجزيرة. ففي الإمارات العربية يعبرون ببساطة بدوية فيقولون «الشيوخ» قالوا، و«الشيوخ» فعلوا، و«الشيوخ» يريدون، و«الشيوخ» يأمرون،

والجمع هنا يعني الحاكم أو أياً من أفراد أسرته! وقس على ذلك البحرين وقطر ، وحيثما رفرف علم الشيوخ في خليجنا العربي السعيد.

الاستثناء الوحيد كان- ومايزال- عندنا في الكويت. فليس ثمة هالة للشيوخ سوى ولاء وتقدير لسمو الأمير وولي عهده، واحترام لأبناء الأسرة الحاكمة. وفي كل دول خليجنا العربي، تبدو ظاهرة مرافقة للأمراء وللشيوخ وبالتالي للسلطة. فحول كل أمير أو شيخ، ثلة من الأفراد يحرسونه، ويخدمونه، ويدافعون عنه إلى درجة افتدائه.. ومن هنا جاءت تسمية «الفداوية» عندنا، و«الخويا» عند جيراننا!

وكلمة «الفداوية» مأخوذة من أصلها العربي وبلهجة بدوية. وتعني مَن يفتدي الآخرين.. وبالطبع هنا تعني الشيوخ والأمراء، وليس كل مَن كان!

وقد شاهد أجدادنا، وآباؤنا، ونحن، وحتى أولادنا، «الفداوية» يتقلدون البنادق ويتحزمون بالرصاص، أمام وخلف وحول الشيوخ والأمراء. ولم تكن الوظيفة «المهنة» كفداوي تعتبر عيباً أو ما يدعو إلى الخجل. بل إن بعض زعماء القبائل كانوا ضمن قائمة الفداوية هنا أو هناك!

وبالطبع كانوا يتسابقون لنيل «المقسوم» مما يندرج تحت تسمية «العانية» و«الشرهة»، وفي أحسن الأحوال، كما هي الحال عندنا بالكويت، «المعاش» أو الراتب.. وقد فرضت الظروف المعيشية، وضنك العيش في الصحراء، وانعدام العلم والخبرة، أن يتقاطر أبناء باديتنا للانخراط في خدمة الشيوخ والأمراء، ولا يجدون في ذلك أي غضاضة، أو ما يقلل من قيمة الأصل والمكانة.

ومع تطور الزمن، وظهور النفط، وانحسار البداوة بمعنى الارتحال والتنقل في الصحارى والقفار. ومع انصهار البدو في المجتمع الحضري، وبالمدينة. فسكنوا البيوت بديلاً للخيام، وامتطوا السيارات عوضاً عن الجمال، وحيث انتشر التعليم، وسادت منتجات الحضارة من كهرباء، وآلات وتكنولوجيا. وصولاً إلى عصر الإنترنت والفضاء المفتوح، والهاتف النقال. فلم يعد البدوي يعني راعي الإبل والأغنام، والمتنقل في الصحارى بحثاً عن الماء والكلأ.. بل إن أبناء البدو قد بزوا أقرانهم من الحضر في طلب العلم، ونيل أعلى الشهادات الجامعية. فأصبح لدينا الطبيب، والمهندس، وأستاذ الجامعة، والمحاسب، والخبير الاقتصادي.. إلخ.. إلخ.. من أبناء البادية الطالعين والطامحين.

وبدأنا نسمع بتسمية جديدة تقول أبناء المناطق الخارجية بدلاً من تعبير البدو. وهي تسمية صحيحة إذا قصد بها انعدام البداوة بمعناها الثقافي والحضاري. لكن البداوة بمعناها الاجتماعي مازالت، وستبقى ما بقيت أواصر العائلة والعشيرة والقبيلة.

البدو «الفداوية» لم يعودوا كما كانوا. حيث إن أبناءهم أصبحوا في أعلى المراتب الوظيفية، بل إن بعضهم قد وصل إلى قمة هرمها. ومن هنا يجوز لنا فهم ما حدث خلال هذه المعركة الانتخابية، وسماه بعضهم «انتفاضة» القبائل من العجمان والعوازم إلى المطران تجاه السلطة ممثلة بوزارة الداخلية، وأجهزة الأمن كالمباحث الجنائية، ومديريات الأمن إلى أمن الدولة.

كانت ظاهرة غير مألوفة ولا متوقعة . وحيث ان الباعث كان انتصاراً للانتخابات الفرعية المجرمة قانوناً، فإن تجمهر بعض أبناء القبائل، وتهجم بعض هذا البعض على مباني الأمن والتعدي على رجاله، لهو أمر يدعو إلى التأمل والقراءة المتأنية.. نواب سابقون، ممن صوتوا لتجريم الانتخابات الفرعية، ووزراء سابقون ممن يفترض فيهم أن يكونوا ممثلين للحكومة التي عليها واجب احترام النظام ، وبالطبع مراعاة وتطبيق القانون، ومرشحون للانتخابات النيابية تحت علم الدستور «أبو القوانين»، جميعهم تنادوا ووقفوا ضد سيادة القانون وبالنتيجة ضد الدستور!

بالطبع، ولابد، ويجب أن نذكّر ونشير إلى أن هذه الظاهرة المرضية قد بشر بها وبدأها بعض إخواننا الشيعة «الحضر» بعد واقعة التأبين الشهيرة. وقد يكونون أطلقوا العنان لغيرهم.. وقد كان.. لكن موضوعنا هو كيف قدر لبعض أبناء القبائل أن يناطحوا السلطة، وأن يتهجموا على رموزها!!

نقر ونؤكد أن معارضة الحكومات بوسائل ديمقراطية هو امر مشروع، ومقبول بالأنظمة الديمقراطية كلها، وهو حق كفله لنا دستورنا العظيم. لكن مخالفة القانون من جهة، والتصدي لمن يقوم بتطبيقه من جهة ثانية، هما أمران مرفوضان ومدانان، ويستحقان المساءلة والحساب. ولنا بقضائنا العادل والمستقل ثقة كبيرة فهو الملجأ الأول، والملاذ الأخير.

هناك من يهمس بخبث بأن شيئاً لم يتغير، وليس ثمة انتفاضة ولا يحزنون! ويتمادى بخبث أكبر ليقول إن بعض الذين ارتضوا امتهان «الفداوية» ما زالوا كما كانوا.. وهم الآن فداوية لشيخ أو شيوخ يحركونهم ضد شيخ أو شيوخ آخرين.. لا أكثر ولا أقل! وبالتالي «لا طبنا ولا غدا الشر»! أحاول ألا أصدق، وأتمنى أنني لم أسمع، ولكن المشكلة كيف أتجاهل ما أرى؟!

دعونا نكون جميعاً فداءً و«فداوية» للوطن.

back to top