التحريض على المرأة تحريض على الدستور

نشر في 04-05-2009
آخر تحديث 04-05-2009 | 00:01
يجب على "الحركة السلفية" أن توضح للناس بلا لبس ولا إبهام هل هي مع الدستور الكويتي أم أنها تسعى إلى الانقلاب عليه ولا تؤمن به ولا تقيم له أي اعتبار؟

وإذ لم نفاجأ إطلاقاً بموقف الحركة الداعي إلى عدم انتخاب المرأة لانسجامه مع ما درجت عليه القوى الرجعية المتأسلمة التي تميز بين خلق الله، فإننا لا نقبل بهذا المنحى من الاستهتار بالدستور واعتبار الاجتهادات الفئوية قانوناً واجب التطبيق والفتاوى الصادرة عن بعض المتفيهقين حقائق تقطع الحقيقة.

ليست حجة "الولاية العامة" للتحريض على النساء المرشحات سوى ذريعة تغلِّف الموقف المتخلف الذي مارسه المتأسلمون على الدوام، تارة بمعارضة حق المرأة في الاقتراع، وطورا بفرض الفصل في المدارس والجامعات، ودائما بالنظر إلى نصف المجتمع وكأنه جزء من الأثاث ولزوم ما لا يلزم، ولا ضرورة لممارسته دوراً ذا أهمية في المجتمع أو في الشأن العام.

حبذا لو كان التيار المتأسلم صادقا ولو مرة واحدة مع نفسه. فيقول للمرأة: لست في حاجة إلى صوتك وأنا قادر على النجاح بأصوات الرجال. لكنه على العكس، يسعى إلى أصوات النساء ويحرمهن من الترشيح على لوائحه، يطالبهن بالذهاب إلى صناديق الاقتراع لاختيار المشرعين ويقضي بعدم جواز انتخابهن... هذا ليس منتهى التناقض فحسب، بل الحد الأقصى من التزييف.

لا يثير موقف "الحركة السلفية" الاستغراب، لكنه يدعو إلى الاستنكار. فمثله في عالم فوضى الفتاوى كثير من المواقف التي تمنع تقدم المجتمعات وتفرض القيود على المرأة وتكبلها داخل أسوار القمع والخضوع. لكن، إذا كان في شقه الفقهي موضع خلاف وجدل، فإنه في شقه القانوني افتراء وتجنٍ على حقوق أساسية لأفراد في المجتمع حفظ لهم الدستور حقوقهم حين منحهم حق التصويت والترشيح، وهو تحدٍ صارخ لإرادة الأمة وتجاوز على القوانين يجب ألا يمر مرور الكرام.

أسوأ من دعوة المرشحات إلى الانسحاب والادعاء بأن الترشيح "لا يجوز شرعاً"، التهويل بأن التصويت للنساء "يدخل في دائرة الإثم". وهو كلام مسموم يمكن أن ينطلي على جزء من الناس الذين لا يدركون المرامي السياسية لأصحاب هذه الدعوة ولا يعرفون أن مضمونه يناقض ما اتفق عليه أهل الكويت، ويخرب المجتمع ويعيده سنوات كثيرة إلى الوراء.

أما ثالثة الأثافي في بيان "الحركة السلفية" فهو اعتبارها "الشريعة أولى بالاتباع من المبادئ الهدامة". إذ إنه كلام حق يراد به باطل. فأهل الكويت لا يختلفون على كون الشريعة أحد المصادر الأساسية للتشريع، لكنهم يرفضون حتما الاشارة الضمنية إلى الدستور عبر تكنيته بـ"المبادئ الهدامة". ففي هذا القول نكوص عن العقد الاجتماعي والسياسي وتحقير لما أنجزته الأمة على مدى أكثر من نصف قرن، لا بل دعوة تستبطن الرغبة في الانقلاب عليه.

أقل ما يُطالب به "التيار الإسلامي" أن يقف موقفا واضحا مما ورد في بيان "الحركة السلفية" وألّا يدفن رأسه في الرمال على جري عادته. فإما أنه يوافق على الترهات التي وردت فيه أو يقول بالفم الملآن إنه يخالفه ويدين الطعن في الدستور. أما ما يجب على "الحركة السلفية" فعله فهوالاقلاع عن التحريض أو تبيان المقاصد خصوصا لجهة شرح "المبادئ الهدامة" لأن هذه العبارة هي بيت القصيد وأخطر بكثير من جدل "الولاية العامة" والحض على التمييز.

الجريدة

back to top