الديون الكويتية على العراق...مدخل علاقات جديدة الدور الأميركي في المنطقة وشكل الحكومة العراقية عاملان مؤثران في العلاقات الكويتية - العراقية استبدال فكرة إسقاطها بالمشاريع الاقتصادية سيقود إلى حوار مفيد

نشر في 07-11-2008 | 00:00
آخر تحديث 07-11-2008 | 00:00
No Image Caption
الجهود المطلوبة لتطبيع العلاقات الكويتية - العراقية تتطلب تخطيطاً يرتكز على تبادل المصالح، والملفات التي سيحملها سمو رئيس مجلس الوزراء إلى بغداد ستكون خطوة أولى في مشروع كبير.

تزداد وتيرة الحديث عن معالجة ديون الكويت على العراق يوما بعد يوم، وهو حديث يأتي ضمن اطار أوسع عنوانه العلاقات الكويتية العراقية التي انقطعت منذ عام 1991، وعادت دبلوماسيا بتعيين الفريق علي المؤمن سفيرا للكويت في بغداد ليحل في المرتبة الخامسة بعد سفراء الامارات وسورية والبحرين والاردن، وكان تحسن ملحوظ قد طرأ على علاقات البلدين بعد المؤتمر الذي دعت إليه الكويت واستضاف وزراء خارجية دول جوار العراق في ابريل من العام الحالي.

قضايا تبحث عن حل

اليوم تُجرى الترتيبات بين الجانبين الكويتي والعراقي بشكل رسمي للزيارة المرتقبة التي ينوي سمو رئيس مجلس الوزراء القيام بها إلى بغداد، بناءً على دعوة عراقية رسمية وستشتمل أجندة هذه الزيارة على قضايا مهمة ومطلوب حسمها لاستئناف علاقات سياسية ودبلوماسية واقتصادية طبيعية، وأول هذه الموضوعات الديون التي تقدر بـ 15 مليار دولار بالإضافة إلى مبالغ خدمة الدين لتصل في اجمالها إلى 17 مليار دولار، وهي تكلفة ما دفعته الكويت للعراق اثناء شنّه الحرب على ايران في عام 1980، حتى 1988، وتختلف الديون الكويتية عن التعويضات التي تتلقاها الكويت من العراق والتي ترتبط بقرارات دولية واجبة التنفيذ وتستقطع بواقع %5 من واردات النفط العراقي لتصبّ في صندوق التعويضات، وحصلت الكويت إلى الآن على ما يقارب الـ11 ملياراً من أصل 45 ملياراً أقرها الصندوق لهذا الغرض.

القضية الثانية هي رسم وتحديد جزء من الحدود الكويتية العراقية، إذ ينحصر الخلاف على بضعة كيلومترات تشمل آبار نفط مشتركة.

وثالثا: قضية الأسرى والشهداء الكويتيين وهي قضية ذات حساسية اجتماعية داخل الكويت وستكون في مقدمة اهتمامات الدبلوماسية الكويتية.

ورابعا: هناك مشكلة ثانوية تتعلق بقضية حكم صادر عن محاكمة كندية أعطى الكويت الحق في الحصول على 10 طائرات اشتراها العراق لتكون جزءا من التعويضات المستحقة لمؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، وكان هذا الحكم قد صدر في اغسطس الماضي، وفي هذا يقول العراق، إن الكويت حصلت على تعويضات بقيمة مليار وربع المليار دولار عن الخسائر التي سببها الغزو العراقي لمؤسسة الخطوط الجوية الكويتية وأسطولها الجوي في اشارة إلى اعتراض عراقي على الحكم القضائي.

عوامل مؤثرة

أمام هذه الملفات الرئيسية عدد من القضايا والمحركات الرئيسية لمسارات التفاوض وصولا إلى الحلول، ففي شأن الديون الكويتية هناك عدد من العوامل المؤثرة فيها، فعامل انخفاض اسعار البترول سيلعب دورا مزدوجا للطرفين، فيمكن للعراق اتخاذه حجة لإسقاط الديون، بينما يمكن للطرف الكويتي أن يتخذه بشكل عكسي وهو المطالبة بالديون نظرا إلى الظروف التي تمر بها أسعار النفط الى حدود الخمسين دولاراً للبرميل بعد بلوغه أكثر من 160 دولارا قبل شهر أو أكثر بقليل تقريبا.

العامل الآخر يتعلق بالجانب الاميركي، وينقسم هذا الدور إلى قسمين رئيسيين، الأول يخص الدعوة والإلحاح الاميركي للدول الدائنة للعراق إلى إسقاط ديونها وقروضها، وهو ما حصل مع المملكة العربية السعودية والامارات، إذ أعلنت الاولى عن

شطب %80 من ديونها البالغة 15 مليار دولار، اما الثانية فقد اعلنت شطب ديونها عن العراق والبالغة 7 مليارات دولار، وكانت الدعوات الاميركية لدول خليجية ومن بينها الكويت لإسقاط ديونها المستحقة على العراق مبكرة جدا ففي سبتمبر عام 2003 دعا الحاكم الاميركي للعراق بول بريمر كلاً من الكويت والسعودية إلى التخلي عن مطالباتهما المالية تجاه العراق بسبب الغزو وكان جيمس بيكر قد قام في العام نفسه بجولة لمناشدة دول اوروبية خفض مطالباتها تجاه العراق، ويُذكر ايضا قول وزير الخزانة الاميركية في ديسمبر 2003 جون سنو، إن تكتلا عريضا يضم 19 دولة سيشكلون ما يسمى بـ«نادي باريس» هدفه تخفيض الديون عن العراق التي قدرتها النشرة الاقتصادية الموثوقة «ميس» في ذلك العام بـ118.5 مليار دولار وتشكل مطالبات دول الخليج منها 45 مليار دولار، ولا تزال الولايات المتحدة حسب قول اقتصادي كويتي متخصص تضغط في هذا الاتجاه مما يعني أن السياسة العامة الاميركية تجاه ديون العراق لم تتغير منذ الإطاحة بصدام حسين.

أما العامل الثاني الخاص بالدور الاميركي فهو المتعلق بوجود القوات الاميركية في العراق، الذي سيؤثر فيه حتما نتيجة الانتخابات الاميركية الرئاسية، إذ كان موضوع الوجود الاميركي في العراق أحد قضاياها الساخنة فأي تطور باتجاه التغيير في هذا الوجود باتجاه الانسحاب النهائي سيؤثر حتما في موازين التفاوض بين العراق ودول الجوار في اكثر من قضية وملف.

العامل الثالث في مسألة الديون الكويتية على العراق يكمن في الرقم الاكثر صعوبة وحساسية فثمانية عشر عاما من تاريخ الغزو العراقي على دولة الكويت وهو الحدث الذي فتح باب جهنم في المنطقة العربية والعالم بأسره لن تكون سهلة وطيعة على ذاكرة الكويتيين حكومة وشعبا وستواجه الحكومة التي ستكون مطالبة بتقديم قانون لاسقاط الديون او تخفيفها إلى مجلس الامة أول اختبار للذاكرة الشعبية عن تلك الذكرى الأليمة، لكن هذا الاختبار سيكون أقل حساسية لها ان هي دخلت في مفاوضات ثنائية مع العراق، ونتج عنها تفضيل عراقي لدور اقتصادي للكويت في اعادة الاعمار لاسيما أن اوضاع العراق المالية قد تحسنت منذ عام 2004 إذ استطاع انتاج 2.4 مليون برميل من النفط يوميا وبمردود مالي يقدر بـ80 مليار دولار. ومعروف ان العراق يملك أكثر من 80 حقلا نفطيا ويستغل 27 منها فقط للانتاج نتيجة ظروف لوجستية خلفها الدمار الذي لحقه عقود من الزمن جراء سياسات نظام البعث برئاسة صدام حسين ويتطلب طرح مثل هذا الموضوع على البرلمان الكويتي نوعا من المقدمات وشرح ايجابيات الدخول في مفاوضات مباشرة مع العراق لحسم مسألة الديون، وكان الخبير الاقتصادي جاسم السعدون قد أشار في تقرير شركة الشال إلى ضرورة دخول الكويت في مفاوضات مباشرة وصريحة مع العراقيين لتحويل ما يمكن الاتفاق عليه من الديون الى مساهمات مباشرة في مشروعات مشتركة للطرفين، مثل تطوير منطقة الأهواء سياحيا وبيئيا وكذلك في استثمار مشاريع الكهرباء والغاز ويكون النفع ماديا وسياسيا واجتماعيا، والشاهد ان كثيرا من القضايا الشائكة من الناحية الفنية والاقتصادية تذوب في أتون التعاطي السياسي بين الحكومة والبرلمان بسبب ضعف الشفافية وعدم قدرة الحكومة على تقديم المعلومة وترويجها لكثير من المشروعات كما حدث مثلا مع مشروع حقول الشمال والمصفاة الرابعة.

وإضافة إلى ما سبق هناك عوامل مؤثرة بدرجة أو بأخرى في مسارات التفاوض الخاص بالملفات العالقة بين الكويت والعراق، ومنها شكل الحكومة العراقية من زاوية نسبة التمثيل السني فيها، والأهم من ذلك، بالنسبة إلى الجانب الكويتي، هو في مدى قدرة الجانب العراقي على تحقيق الاستقرار الامني والسياسي على أراضيه إلى حين اقتراب موعد الانسحاب الاميركي وأخيرا وليس آخرا وقف الدعاية الاعلامية والتصريحات الصادرة عن بعض الاطراف العراقية في شأن تاريخ العلاقات بين البلدين الذي حسمته قرارات دولية فإلى أين ستذهب العلاقات العراقية الكويتية؟ هذا ما ستحدده زيارة سمو رئيس مجلس الوزراء إلى بغداد قريباً والكيفية التي ستتلقى القيادة العراقية مطالب دولة تم الاعتداء عليها بهمجية في عام 1990.

back to top