الإيمان ينفع ولا يضر

نشر في 09-03-2009
آخر تحديث 09-03-2009 | 00:00
 د. حسن حنفي يظن البعض خطأ أن جلب المنفعة ودفع الضرر مجرد نفعية لا تصح في الإيمان، فالإيمان أعلى وأنقى وأطهر من هذا المعيار... الإيمان خالص لوجه الله، والغرب وحده هو الذي جعل جلب المنفعة ودفع الضرر مقياس الحقيقة على ما هو معروف في البراغماتية أو الذرائعية الأميركية، فالحقيقي هو النافع والباطل هو الضار.

والحقيقة أن جلب المنفعة ودفع الضرر تجربة إنسانية طبيعية وأحد مقاييس الحقيقة سواء كانت الإيمان بالله أو الدفاع عن النفس أو العلم أو تجاوز الله في هذا المقياس باعتباره متعاليا يمثل الخالص، فالمنفعة والضرر ينطبقان على الحياة الإنسانية والعلاقات الاجتماعية أي على علاقة الإنسان بنفسه وبالآخرين وليس علاقة الإنسان بالله.

وقد ورد لفظ «الضرر» في القرآن عشرين مرة بخمسة معانٍ، الأول أن دفع الضرر أحد مقاييس الإيمان، فالإنسان لا يعبد ما لا ينفعه ولا يضره «قَالَ أفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئا وَلا يَضُرُّكُمْ»، ويتكرر نفس المعنى عدة مرات، ومن يفعل ذلك يكون موضعا للسخرية «وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ» بداية بدفع الضرر «وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ» بداية بجلب المنفعة. لذلك رفض إبراهيم عبادة الأصنام لأنها لا تنفع ولا تضر، ولا تسمع ولا تستجيب لدعاء «هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أوْ يَنْفَعُونَكُمْ أوْ يَضُرُّون»، لا يعبد الإنسان الأصم والأبكم، ما لا ينفع ولا يضر «وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّك» في صيغة المخاطب والسؤال «قُلْ أنَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا» في صيغة استهجان من موقف النفس لدعاء من لا ينفع ولا يضر.

والمعنى الثاني هو أن الإيمان يعود بالنفع على الإنسان وليس على الله، ويمنع الضرر عن الإنسان وليس عن الله، فمن ينقلب على عقبيه لن يضر الله شيئا «وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا»، وإذا انهار مجتمع لعدم اتباعه التقوى وقواعد الأخلاق فإن مجتمعا آخر يحل محله، ولن يضر ذلك الله في شيء، «وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا»، ويأتى قوم آخرون يتبعون الفضيلة ويؤمنون بالله، ولن يضر هذا الاستبدال الله في شيء «وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً». ومهما عصى قوم وتركوا الإيمان فإن ذلك لن يضر الله شيئا «إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا»، وهؤلاء الذين استبدلوا الكفر بالإيمان، والباطل بالحق، والرذيلة بالفضيلة، والشر بالخير أيضا لن يضروا الله شيئا «إنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا»، ومن عصى الرسول بعد ما تبين له الحق لن يضر إلا نفسه ولن يضر الله في شيء «وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً».

والمعنى الثالث، أن عدم الإيمان لن يضر إلا غير المؤمن «عَلَيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُم»، فالمؤمن لا ينفع إلا نفسه، ولا يضره ضلال الآخرين. وإن صبر المؤمنين وتقواهم يمنعانهم من إضرار كيد الآخرين لهم «وَإنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً»، أو أذاهم لأنهم جبناء في القتال يولون الأدبار حين اللقاء «لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلا أذىً وَإنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأدْبَار»، ولا يضرون الرسول في شيء فما على الرسول إلا البلاغ. وإن أعرض عنهم فهم الخاسرون «وَإنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً»، فالمؤمن لا ينفع إلا نفسه، والمهتدي يمنع الضرر عن نفسه، والضال لا يلحق الضرر بالرسول إنما يضر نفسه «وَمَا يُضِلُّونَ إلا أنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْء».

والمعنى الرابع أن الضرر في حد ذاته لا تقبله النفس بصرف النظر عن الإيمان أو عدم الإيمان، فلا تضار والدة بولدها ولا مولود بولده «لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ»، الوالدة في الرضاعة حولين كاملين لا أكثر، والوالد في الرزق والكسب والإنفاق، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وكذلك لا تضار النساء بضيق المسكن، «وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ» ولا في الإنفاق، وفي البيع والشراء الشهادة واجبة حتى لا يضار بائع أو مشترٍ أو كاتب أو شهيد «وَأشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ». فالتدوين حفظ للحقوق في الزواج وفي البيع والشراء. فالذاكرة تخون. والنفس أمارة بالسوء، فكل شيء شهادة، الإيمان، وسماع القرآن وتدوين الحديث وإصدار الفتوى وممارسة الجهاد، فالشهادة بالقلب وباللسان وباليد بتدوين شروط العقود.

والمعنى الخامس أن العلم هو العلم النافع، وهو ما يؤكده حديث «أعوذ بالله من علم لا ينفع»، وقوله تعالى «وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُم». فالعلم ليس نظريا، أي معرفة من أجل المعرفة فحسب. بل هو علم من أجل منفعة الناس في الدنيا «وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُم». العلم هو العلم النافع كنظرية عامة في العلم بصرف النظر عن الإيمان أو عدم الإيمان. العلم هو ما يفيد الناس، وما يحقق لهم مصالحهم دون أن تكون المنفعة هى الحقيقة كما هي الحال في المذهب النفعي أو البراغماتية. الحقيقة تحقق المنفعة دون أن تكون المنفعة هي الحقيقة.

* كاتب ومفكر مصري

back to top