أميركا والقطبية ومصائب البشرية

نشر في 12-10-2008
آخر تحديث 12-10-2008 | 00:00
 يحيى علامو الفردية اتصفت عموماً بالنظام الشمولي، والقطبية نتاج النظام الليبرالي الذي أفرز أميركا كقطب أوحد في العالم، وما بين الفردية والقطبية تناغم في النهج وتباعد في المنهاج ولكن النتائج الكارثية واحدة، فالأولى كارثتها في الرأي وإلغاء الأخرى، والثانية في الفوضى وإلغاء العالم من خلال الاستباحة والقضم وشرعة المصالح القائمة على السيطرة.

الامبريالية هي سقف النظام الرأسمالي وسمتها الأساسية الاحتكارات العالمية التي تتيح لها السيطرة الدولية وتجعل من المنظومات المالية الكبيرة قوة في السياسة والاقتصاد، بل صانعا للقرار السياسي الضامن لمصالحها ولطرق كسبها مهما تعددت وتنوعت الأساليب المشروعة منها وغير المشروعة.

وما نشهده الآن بل منذ سقوط حلف وارسو وتنصيب أميركا كقطب أوحد للعالم من تساقط السياسات المدمرة على العالم كالرطب، فمن الحصار والتجويع إلى الغزو وإسقاط الكيانات ورسم الخرائط وتغيير الثقافات والقبض على الموارد ومصادر الثروات إلى المضاربات وجنون الأسعار وازدياد التضخم، الذي أوصل إلى ثورات في الرغيف والغذاء وفي ازدياد حدة الفقر في كثير من البلدان، ناهيك عن اختلاق الأعذار وتلفيق التهم لتطويع الخارجين على الطاعة، وهذا الانحراف الأخلاقي في السياسة وفي السلوك ساهم في إطلاق شهوات الربح الجامحة التي لا حدود لها في الجشع والطمع والإنفاق غير المنضبط مما تسبب في أزمة الرهن والعقارات وتبعتها أزمة القروض والإفلاس، مما أربك الاقتصاد العالمي في هز البورصات وتضخم الخسارات وازدياد الإفلاس، ولم تفلح محاولات ضخ السيولة ولا شراء الأصول ولا حتى خطة الـ700 مليار في وقف الانهيار، والمقبل على ما يبدو على نتائخ وخيمة على الاقتصاد العالمي، وهذه هي أهم نتائج القطبية والنظام العالمي الجديد، ولا أظنها تلك الحداثة التي بشرنا بها والتي ورد ذكرها في أدبيات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا لا يعني أن المُثل الديمقراطي غير قادرة على صنع حياة أفضل، بل إن ما حدث لا يمت بصلة إلى أي قيمة أخلاقية أو إنسانية.

التوجه الديمقراطي يعني الاختلاف والتعدد وهذه البديهية الغائب الأكبر عن المنظومة الغربية التي تجاوزتها عندما باركت القطبية، وسلمت كل أوراقها لها انطلاقا من التحالف المصيري معها، ومضت تبارك كل خطوة أميركية مهما كانت متعارضة مع قناعاتها، وتناست أن القطب الأوحد أسوأ من الشمولية مهما تعددت تماثيل الحرية لديها، لأن الشمولية إذا منعتك من الكلام فالقطبية -إضافة إلى ما ذكرنا بالبداية- تمنعك من الحياة.

لكل فعل رد فعل، ولكل أزمة إفرازاتها ومخرجاتها، وأول المخارج هو الدعوة الصريحة من قبل روسيا وألمانيا وغيرهما إلى عالم متعدد الأقطاب مع التأكيد على أن أميركا لم تعد قطباً أوحد لفقدان الثقة باقتصادها، والثاني هو تدخل الحكومات في الضخ وشراء الأصول والتأميم، وهذا ربما سيمهد لدور أكبر لها في إدارة الاقتصاد لأن غلو الخاص موجع ومرتفع الثمن، وهذا ما يجعل مشاركة العام بحدود معينة ضرورة للحياة، وأيضا للأمن القومي، ولا أدري إن كانت نبوءة «ماركس» ستتحقق بأن النظام الاشتراكي يأتي على أنقاض النظام الرأسمالي وهذه نتيجة حتمية لأزماته وصراعاته.

إذا كان الأوزون غلاف الأرض والحياة فإن الأخلاق حصن الإنسان وضمانة وجوده، وإبعادها عن السلوك وعن عملية الاقتصاد والسياسة يمزق الغلاف ويضعف الحصانة وينمي الانحراف ويطلق الشهوات ويحدث الكوارث، وهذا ما يحصده العالم خصوصا الغرب الذي جرد الحياة من شقها الأخلاقي فجاءته التنمية مسرعة، ولكن في ذيولها الأزمات والخسائر وعدم ضمانة الاستمرار لأن الأمم «بالعلم ترقى وبالأخلاق تسود».

تعدد الأقطاب رسالة قادمة بعد هذا الانهيار لأن القطبية خطأ تاريخي يجب تصحيحه، ولأن مصير كوكب الأرض يجب ألا يترك لشهوة في الربح ونزوة في السلطة أو لسوء في الممارسة، ولكن سؤالنا: هل سنرى قطبا عربيا أو إسلاميا أو حتى مشتركا «يقرر» ويكون له مكان تحت الشمس، لا سيما أن الفائض المالي العربي لا يستهان به، ويعطيه بعض القوة والوجود إن كانت الإرادة متوافرة لذلك؟! فكفانا انكماشا بالظل وحان الوقت للتخلص من التبعية وهذه الظروف مساعدة على ذلك، فهل نغتنم الفرصة أم سنساهم في الدعم والمساعدة لإحياء الهيمنة؟! الإجابة قادمة رغم وضوحها.

back to top