دراسات جديدة في الفكر العربيّ لماجد فخري... جوهر تحدّيات العصر

نشر في 27-07-2008 | 00:00
آخر تحديث 27-07-2008 | 00:00
No Image Caption

في مطلع السبعينات، صدر كتاب «دراسات جديدة في الفكر العربي» للدكتور ماجد فخري عن «دار النهار» في بيروت ولاقى الاستحسان في الأوساط الفكرية، وهو اليوم في طبعته الثالثة، ما زال من مراجع الدراسة الجامعية في ميدان الفلسفة.

تقسم الدراسات الجديدة في الفكر العربي التي جمعها المؤلف إلى قسمين: محور القسم الأول الفكر المقارن، يتضمن: أثر أرسطو ومنطقه لدى الفلاسفة العرب القدامى؛ فلسفة الفارابي الخلقية وصلتها بالأخلاق النيقوماخية لأرسطو؛ قدم العالم بين ابن رشد وتوما الأكويني؛ أثر ابن رشد في الفكر الأوروبي الحديث؛ السهروردي ومآخذه على المشائين العرب؛ التفاعل بين علم الكلام العربي واللاهوت المسيحي وغيرها من المواضيع.

يدور القسم الثاني حول قضايا حديثة ومعاصرة هي اليوم في صلب اهتماماتنا الثقافية والسياسية، يتضمن: تطوّر الفكر السياسي في عصر النهضة؛ الإنسان أمام تحديات العصر الحديث؛ مقومات التقارب بين الإسلام والمسيحية والغرب؛ حوار الحضارات في أفقه التاريخي.

يرى الكاتب أن الفكر الفلسفي العربي القديم له خمس خصائص رئيسة: الأولى هي إقبال الفلاسفة العرب الأصلاء من دون تحفظ على التراث الفلسفي والعلمي العالمي، خصوصاً التراث اليوناني، ولا يكاد يشذ عن هذا النهج أي واحد من هؤلاء. والثانية، تجرد الفلاسفة العرب جميعاً ومن دون استثناء للخوض في الإشكالات الدينية والسياسية والخلقية التي شغلت العلماء والجمهور على السواء، منذ أن تسربت الفلسفة إلى العالم العربي في القرن الثامن، فاتصفت الحركة الفلسفية بهذا المعنى بصفة الالتزام. الخاصية الثالثة التي يدرجها الكاتب هي أن الفلسفة لم تفتح أمام العرب والمسلمين كوة شكلية وحسب، من حيث ألزمتهم بالأخذ بمناهج البحث أو أساليبه الصحيحة في الأبواب الدينية والفكرية المختلفة، بل فتحت أمامهم كوى موضوعية شتى لم يكن لهم عهد بها من قبل كالعدالة والخير والشر والتبعة الخلقية. الرابعة، لم يتنكب الفلاسفة العرب في الخوض كلياً في الجانب الآخر من الفلسفة العملية، أي السياسة، ويشير الكاتب إلى أن جولات الفلاسفة في مواضيع الفكر السياسي خصوصاً بقيت ضحلة جداً. أخيراً، كان من النتائج التي أسفر عنها دخول الفلسفة إلى العالم العربي في القرن التاسع، تحرير العقل العربي من نير التقليد من جهة، ومن الإطناب اللغوي والأدبي من جهة أخرى.يستخلص فخري في محور التجديد الفكري بعض العبر من خلال التمعن في خصائص التراث العربي، كذلك أسباب التعثر الذي منيت به الحركة الفلسفية في زماننا هذا.

مواقف

يتوقف فخري عند مواقف بعض المفكرين المحافظين أمثال المودودي وسيد قطب الذي يعتبر أن الغرب يشكو من أزمة روحية لا يستطيع إخراجه منها إلا الإسلام، ويلقي قطب تبعة الأزمة على المسيحية التي التزمت بالمثال الروحي الفارغ الذي لم تجن منه أوروبا، في العصور الوسطى، سوى ثمار الرهبة العجفاء، ويتابع قطب قوله: «نحن أصحاب المذهب الحنيف فنملك للبشرية ما لا يملكه أحد على ظهر هذا الكوكب من الترحيب بالعلم والخروج بالدين عن الإطار الروحي الضيق الذي زجته المسيحية به، والانفتاح على العقل والصناعة والاقتصاد والصلاة والدعاء».

يلاحظ الكاتب أن المودودي يبز سيد قطب في موضوع النقد للحضارة الغربية والعقيدة المستحبة التي تبناها الغرب، فهذه الحضارة عند المودودي ممنية بعلل ثلاث، هي العلمانية والقومية والديمقراطية. علة العلمانية هي أنها تفضي إلى إقصاء الدين عن سائر جوانب الحياة وتنظر إلى الدين على غرار المسيحية، كما لو كان عبارة عن علاقة شخصية بحتة بين الإنسان والله، أما القومية التي ظهرت أصلاً كثورة على الإقطاعية في العصور الوسطى، فأصبحت في العصور الوسطى عبارة عن عبادة القوم، بدلاً من عبادة الله. كذلك الديمقراطية التي تهدف أصلاً إلى تحرير الجماهير من سلطة أسيادهم الإقطاعيين، تحولت في العصور الحديثة إلى عبارة عن طغيان الجماعة.

ينبه فخري إلى أن النظرة الأصولية التي نحا دعاتها نحو العداوة للغرب لن تنج من المناوئين، لا سيما في الأوساط الفكرية والجامعية، من أمثال زكي نجيب وفؤاد زكريا من الفلاسفة الوضعيين، الذين حاولوا أن يبرزوا في مؤلفاتهم مقومات ما يمكن دعوته العصرنة والعقلنة في الفكر العربي، اللتين تتنافيان مع التقليدية والسلفية التي تتمسك بما يعتبره نجيب عبادة الألفاظ. كذلك ظهر فريق آخر من الماركسيين أمثال صادق العظم وعبدالله العروي، ذهب العظم إلى التمسك بالمذهب الماركسي الذي يعتبر البنية الكاملة للفكر الديني الموحى به عبارة عن أسطورة، بينما ذهب العروي إلى أن مأساة المفكر أنه وقع تحت سطوة الاستعمار الأوروبي بما فيه من تسخير فكري واستعباد سياسي، وبناءً عليه أصبح خارجاً على ثقافته الوطنية ومجرداً من هويته القومية، ولا أمل له بالتحرر من هذه العبودية إلا باللجوء إلى المادية الجدلية أو الماركسية والأخذ بتراثه العربي الإسلامي الذي تنكر له بحكم الاستعمار والاستعباد الغربيين.

يتساءل الكاتب عن احتمالات السلام أو التقارب بين الإسلام والغرب، فيجد أنها مرهونة بثلاثة أمور: التطورات الاقتصادية والسياسية في كل من الشرق والغرب، مستقبل العلمنة في العالم، كذلك مستقبل الديمقراطية والعصرنة في العالم الإسلامي وفي الشرق عامة. يرى الكاتب أن إدراك الإنسان يبدأ بالوقوف على حقيقته الجوهرية التي تختلف كل الاختلاف عن حقيقته العرضية وأحواله الطارئة والوضع الذي ارتضاه له المجتمع اتفاقاً وعرضاً، وفي الإدراك العرضي للإنسان، وهو الإدراك الذي ما زال سائداً في معظم المجتمعات العربية اليوم، يبدو الإنسان كذات مسخّرة أو ككائن مضاف، لا يكتسب وجوده معنى أو قيمة إلا بالإضافة إلى عشيرة أو قبيلة أو سلالة أو مذهب ديني أو حزب سياسي ما، أو بالإضافة إلى ما يملكه من المال أو العقار أو المتاع، الذي كثيراً ما يقيس به قدره وقدر غيره من الناس، فيفقد بذلك الإنسان قيمته الجوهرية، وعوضاً عن أن يكون غاية بحد ذاته يصبح وسيلة أو أداة أو سلعة تباع وتشترى. يتابع فخري أنه عوضاً عن أن ينظر إليه أقرانه في المجتمع ككائن قائم بحد ذاته، ينظرون إليه كجزء من طائفة أو طبقة أو عشيرة ما.

أما في ما يتعلق بالسلفية والحداثة، فيرى الكاتب أن الجدل استمر حول ماهية الدولة العصرية ومقومات الإصلاح والتجديد طيلة العقود الأولى من القرن العشرين.

back to top