سؤال عن دولة المؤسسات مصالح المواطن تتحقق بشكل أسرع من خلال القبيلة والعائلة والطائفة!

نشر في 26-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 26-09-2008 | 00:00
ماذا حدث لمشروع بناء الدولة الذي سار منتظماً رغم بعض الشوائب منذ بدء كتابة الدستور حتى وفاة الشيخ عبدالله السالم؟ من هذا السؤال ننطلق للإجابة عن سؤال هذا الملف: ماذا يحدث لدولة المؤسسات منذ النصف الأخير من حقبة الستينيات حتى يومنا هذا؟ وما دور كل من السلطات الثلاث في مسألة الاقتراب والابتعاد عن دائرة دولة المؤسسات وفكرتها، التي بدأت مع العهد الدستوري ضمن إطار وجو سياسي واجتماعي عام، اتفق فيه على حدود دنيا بين مشروعي الحكم والدولة؟.

في وصفه لدولة المؤسسات ورده على سؤال عما إذا كنا نعيش هذه الدولة اليوم قال الباحث والكاتب الصحافي محمد عبدالقادر الجاسم لـ«الجريدة»، إنه لا يمكن أن ننسب لأي مؤسسة مرضاً أو علة من دون ربطها بثقافة المجتمع وتطور الدولة سياسياً، وأي خطوة تبتعد عن حكم القانون تُعد انحرافاً عن المسار، وعموماً هناك ثقافة سائدة في المجتمع تتصف بأنها ثقافة مضادة لحكم القانون سواء لدى الحكام أو المسؤولين أو المواطنين بشكل عام، وفي مثل هذه الأجواء لا يمكن للمؤسسات أيا كان مجال عملها واختصاصها أن تؤدي دوراً إيجابياً، ويستوي ذلك بالنسبة إلى نوع المؤسسات سواء كانت مؤسسة حكومة تقدم خدمات، أو مؤسسة قطاع خاص مثل الصحيفة، أو جماعة سياسية.

وعما إذا كان الفساد قد ارتبط في فترة زمنية محددة أدى إلى التأثير السلبي على فكرة دولة المؤسسات قال الجاسم، إن الذهاب إلى الأمور الكلية والنظرة الشاملة يوصلنا إلى نتائج تحليلية مجدية ونافعة لاستيعاب أي ظاهرة وتفسيرها لاحقا، فالانتقال الذي حدث لنظام الحكم من الإمارة إلى الدولة الدستورية في عام 1962 جاء في ظل وجود نخبة في الأسرة يمثلها الشيخ عبدالله السالم، وخارج الاسرة كانت القاعدة أوسع، وفي نهاية المطاف كان التوافق بين هذه النخب على «مشروع الدولة»، الذي قلص من خلاله الشيخ عبدالله السالم «مؤسس الحكم» وطموحاته لمصلحة مشروع بناء الدولة وعندها توحد مشروع الحكم وأصبح جزءاً من مشروع الدولة، ففي الفترة الأولى التي بدأت منذ تأسيس الدستور وكتابته إلى حين وفاة الشيخ عبدالله السالم كانت فترة تأسيس صحيحة، لذلك فإن الخلل ليس في الاشخاص كما يقال اليوم، وأيضاً فإن التميز لم يكن حليف الأشخاص في فترة التأسيس، فمثلا في محاضر المجلس التأسيسي كان هناك شخص يطالب بإقرار التعذيب، إنما كان الجو السائد هو جو بناء الدولة، والانفصال الذي حدث بين مشروعي الحكم والدولة بوفاة عبدالله السالم وبروز مشروع الحكم على حساب مشروع الدولة، وانغماس الحكم لاحقاً في استقطاب المؤيدين ومعاداته للنظام الدستوري أحدث شرخاً وعدم توازن، وتحت هذه الراية جاءت مراحل مختلفة كحل مجالس الأمة، وقمع الحريات وصولاً إلى الغزو، وهي مظاهر لخلل قائم، فعندما نمجد الفترة الاولى التي هي فترة التأسيس فإن ذلك يرجع إلى وجود مشروع واضح المعالم عند المواطن وعند الأمير وعضو البرلمان والصحيفة ومعظم المؤسسات القائمة، وذلك يعني أن هناك حدوداً دنيا ولا يعني أبداً عدم وجود فساد في ذلك الوقت.

اليوم أصبحنا فريقين والدولة لا تقاد من قبل فريقين أبداً، فريق الأسرة وفريق القوى السياسية ولا أقول الشعب، حتى القوى السياسية الان نلاحظ انها بدأت تدخل تحت عباءة القوة الاقتصادية للنظام أو الأسرة الحاكمة، لذلك لم يبق عندنا اليوم الا مجموعة «مشاغبين»، فالحركة الدستورية أصبحت في نفس القارب مع النظام وليس الحكومة، والتيارات «الوطنية» عبارة عن مشروعات تجارية فردية، وهي ايضا تحت عباءة المشروعات الاقتصادية الكبيرة ويبقى لدينا عدد ضئيل من الاشخاص هم من بقايا الروح القديمة، ففي وسط هذا الجو لا يمكن أن تنمو المؤسسة أو العمل المؤسسي وروح المبادرة تضعف، والشيء الجديد الذي يحدث هو التغيير إلى الأسوأ ولايزال الصراع بين المشروعين قائما حتى اليوم.

علاقة الاقتصاد بالانحراف

لكن هل يمكن القول ان سيطرة الدولة على أكثر من 80 في المئة من المقدرات الاقتصادية جعلت منها قوة لا تُضاهى، وهو ما يؤدي إلى انحرافها عن خط دولة المؤسسات والقانون؟ يقول الجاسم في رده على هذه المقولة:

أنا اعتقد أن كلاما مثل هذا ليس صحيحا على اطلاقه، فوجود دولة مؤسسات ووجود رقابة على الصرف، ولو كان الواقع نظيفا لاسيما مع وجود مؤسسات رقابية كلجنة المناقصات وديوان المحاسبة ومجلس الأمة، فإن هذه المؤسسات تغل يد من يقف وراء القرار السياسي والاقتصادي من استخدام اموال الدولة بطرق غير مشروعة الان، ربما الدولة الريعية تؤثر على الافراد كأفراد وتقتل روح المبادرة عند المواطن، ولكن تزامن الدولة الريعية مع وجود ادارة رشيدة يؤدي الى خلق حافز للتطوير والعمل، فعلى سبيل المثال ما هي علاقة الانتاج الثقافي بالدولة الريعية؟، فالمبدعون قد يوجدون في دولة غنية او فقيرة.

المشكلة ان هناك تكالبا ومحاولة مستمرة منذ مدة طويلة لتخريب الشخصية الكويتية، وهذه المحاولة ليس المقصود بها مباشرة التخريب، انما الصراع بين مشروعي الحكومة والدولة يأتي بنتائج كثيرة احداها تدمير الشخصية الكويتية وجعلها اتكالية في نهاية المطاف، والاتكالية تقتل روح المبادرة والعمل الجاد. وعن دور الوظيفة الحكومية وتأثيرها على اتكالية المواطن على الدولة من زاوية الامان الوظيفي مقابل قلة الانتاجية يقول الجاسم إن هذه المقولة غير صحيحة، فالوظيفة الحكومية ليست هي العلة لكن انظمة التوظيف والمحاسبة على الاداء وخلق فرص حقيقية منتجة هي الموضوع الاساسي، ونضرب مثلا بمؤسسة التأمينات الاجتماعية، فهي مؤسسة حكومية لكنها تدار بطريقة منظمة.

والمشكلة ان الفساد وعدم الانضباط الموجودين في الاجهزة الحكومية وما ينتج عنه من محسوبيات ورشاوى، أمور أصبحت تؤثر في حياة الفرد حتى لو كان منضبطا، فتجده يقاوم فترة معينة لكن الامور تنتهي به إلى التساؤل: لماذا أنا منضبط في جو لا يشجع الكفاءة ويراعي المحسوبيات؟

دور السلطة التشريعية

وعن دور مجلس الامة الممثل للسلطة التشريعية في مسألة الاقتراب أو الابتعاد عن مفهوم دولة المؤسسات وتحقيقه على أرض الواقع، يؤكد الجاسم ان فترة الستينيات كان المجلس وبمشاركة الشيخ عبدالله السالم قد اسسا بناء للدولة، لكن بعد عام 1967 بدأ التدمير المنظم لها، وهذا ناتج عن ضعف الرقابة الشعبية على مجلس الامة، وأصبح الحصول على العضوية مكسبا كبيرا معنويا وماديا، فالتجارة في المنصب أصبحت رائجة في اغلب الاحيان ومحاسبة النواب للحكومة وتشريعاتهم تخدم غرضاً واحداً فقط وهو استمرارية التجديد، وبالتالي فإن مجلس الامة مسؤول مسؤولية كاملة عن دعم دولة المؤسسات من عدمه.

ويضيف الجاسم: وإذا أردت أن تأخذ مثلا آخر فإن مجلس الأمة عجز عن الغاء قانون التجمعات المقيد للحريات حتى جاءت المحكمة الدستورية وألغته.

ومعروف ان سريان ذلك القانون كان مع وجود شخصيات برلمانية قوية ولكن مع ذلك لم يستطع المجلس اسقاطه. مجلس الامة له سوابق في تدمير القانون ذاته، وذلك بتشريع قوانين ذات طابع شخصي، أو بشكل مخالف للدستور أو بإصدار قوانين غير دستورية بل وصل الامر إلى درجة التعدي اليومي على صلاحيات الحكومة، وإذا أردنا البحث عن أسباب تردي اداء مجلس الامة فلنرجع إلى ما بدأنا به الحديث، وهو الصراع بين مشروع الحكم ومشروع الدولة.

دور السلطة القضائية

وعن دور السلطة القضائية في تعزيز مفهوم دولة المؤسسات وسيادة القانون والعدالة يقول الجاسم: إذا ما تطرقنا إلى المبادئ العامة للدستور الكويتي والدستور الفرنسي كنموذج فسنجدها واحدة، لكن السؤال هنا هو عما إذا كان للقضاء الكويتي رسالة بخلاف مسألة الفصل في المنازعات؟ الاجابة مع الاسف لا، وبالطبع هناك مشاكل مثل بطء إجراءات التقاضي والشعور بعدم الجدوى من اللجوء إلى القضاء أحيانا، وعوامل أخرى يصعب الخوض فيها أدت إلى أن القضاء اصبح عمليا مرفقا يؤدي خدمة فض نزاعات وليس سلطة، وعندما نأتي في كلامنا إلى المحكمة الدستورية وهي المعنية بنظام الفصل بين السلطات وبتفسير الدستور، ونقوم بدراسة لأحكام هذه المحكمة منذ تأسيسها إلى ما قبل خمس سنوات تقريبا، سنجد أنها كانت تحكم تحت راية سياسية وليست قانونية، بمعنى أنه عندما كانت تفسر قانونا او مواد في الدستور كانت في الحقيقة تتلمس وتستشعر التوجه السياسي.

تركيبة المحكمة أخيرا تغيرت وتركت الاستشعار السياسي واصبحت تتعامل في حدود فهمها لنص الدستوري وتقدم رأيا بلا أي تبعية، واستشهد هنا للتدليل على ذلك التغيير بصدور حكم عدم دستورية قانون التجمعات، فهو عرض على المحكمة الدستورية في تشكيل سابق، وتلمست الاسباب الشكلية ورفضت الفصل في القانون، لكن المحكمة في التشكيل الحالي دخلت بشكل مباشر في القانون وفصلت فيه. الآن الخوف وارد من عودة المظلة السياسية من قضية الطعون في الانتخابات، لكننا سنراقب ما ستسفر عنه نتائج الفصل في هذه القضية (المقابلة اجريت قبل ظهور نتائج الطعون الاخيرة).

الخلاصة انه كلما تعززت السلطة القضائية كسلطة ذات رسالة في المجتمع تكون هي صاحب الحرية، وبلا شك ان السلطة القضائية أدى بها الأمر إلى التقوقع في اطار الفصل في النزاعات وتنازلها عمليا عن دورها كسلطة، بمعنى آخر نحن لدينا قضاة وقضاء لكن درو السلط القضائية مختف، بدليل انك عندما ترى الحكومة والمجلس يواجهان مشكلة ما، فإن الرغبة في تطبيق القوانين المعنية بهذه المشكلة يتم تناسيها، ولا يكون هناك تفكير في اللجوء الى القضاء لحسمها، بل يتم السير في اتجاه تشريع وتفصيل قوانين جديدة، وبالتالي هناك عدم فاعلية للمؤسسات القائمة، وإلا فكيف يمكن تفسير تفصيل قوانين لمعالجة قوانين ازمة المناخ، وأخرى لأزمة المديونات الصعبة، والمعسرين... إلخ.

وفي الحقيقة ومن خلال هذا النهج الذي يراعي كل قضية بقوانين خاصة بها، فإننا نوقف تفعيل قوانين سارية موجودة.

أمن المواطن من خلال القانون

انتهاء بمناقشة دور السلطات الدستورية في تعزيز مفهوم دولة المؤسسات والقانون والذي ثبت ضعفها في هذا المجال، بسبب صراع مشروعي الدولة والحكم، تطرق الجاسم الى مدى شعور المواطن العادي بالامن والاطمئنان تجاه حفظ حقوقه واستعادتها، في حال ما تعرضت الى انتهاك، آخذاً في الاعتبار مقولته ان القضاء أصبح فاقداً للرسالة، وانه تحول لمجرد مرفق لفض المنازعات بين الناس.

أمام هذا يقول الجاسم إن تزعزع ثقة المواطن بالقانون والقضاء وحفظ الحقوق كانت نتيجته مباشرة تحوّل الوحدات الاجتماعية كالطائفية والقبلية والعائلة الى وحدات سياسية، وأصبح الفرد يشعر بأن ولاءه لهذه الوحدات هو المجدي بدلا من ارتباطه بالدولة، وبالتالي فإن عدم وجود مبادئ المساواة والعدل يجعل الفرد يهرب من الدائرة الأشمل، التي هي الدولة والمجتمع الى الدائرة الاصغر، وقد وصلت هذه الدائرة، ليس فقط للوحدات الاجتماعية التي ذكرناها، بل إلى الافراد، فأصبح بعض الافراد في الكويت يتحكمون في بعض القرارات!

كيف نعود إلى دائرة دولة المؤسسات؟

إذن فما الحل... وكيف يمكن العودة إلى دولة المؤسسات؟ في هذا يقول الجاسم ان هناك وصفة واحدة وهي اندماج الحكم مع الدولة، ولا يجوز أبدأ ان تستمر الاجندتان؛ أجندة الحكم التي يتبنّاها عدد من الشيوخ، وأاجندة الدولة التي تبحث عمن يتبنّاها، والصراع بين هاتين الاجندتين ضحيته دولة المؤسسات، وأعتقد أن سقوط دولة القانون فيه ضرر للجميع، وأي شيخ يجب ان يفكر بهذه الطريقة، وليس بطريقة «أنا فوق القانون وأنا الذي اتحكم»، فقد يستطيع شيخ ما أن يتحكم في القرار فترة زمنية، لكن بالتأكيد سيأتي اليوم الذي تنقلب فيه موازين القوة، فيصبح مَن كان يتحكم مُتحكَّما فيه.

إذن فما الحل... وكيف يمكن العودة إلى دولة المؤسسات؟ في هذا يقول الجاسم ان هناك وصفة واحدة وهي اندماج الحكم مع الدولة، ولا يجوز أبدأ ان تستمر الاجندتان؛ أجندة الحكم التي يتبنّاها عدد من الشيوخ، وأاجندة الدولة التي تبحث عمن يتبنّاها، والصراع بين هاتين الاجندتين ضحيته دولة المؤسسات، وأعتقد أن سقوط دولة القانون فيه ضرر للجميع، وأي شيخ يجب ان يفكر بهذه الطريقة، وليس بطريقة «أنا فوق القانون وأنا الذي اتحكم»، فقد يستطيع شيخ ما أن يتحكم في القرار فترة زمنية، لكن بالتأكيد سيأتي اليوم الذي تنقلب فيه موازين القوة، فيصبح مَن كان يتحكم مُتحكَّما فيه.

الحاصل ان هناك حدوداً دنيا يجب أن يتم الاتفاق عليها ضمن مشروع الدولة ولا مانع أن يكون هناك تنافس وصراع وحتى فساد، لكن يجب أن نضع أمام أعيننا مشروع الدولة ونجتهد في بنائه، كل حسب رؤيته، وهذا شيء طبيعي وموجود في أكثر الدول ديمقراطية في عالمنا اليوم.

أدوات العودة

وأضاف الجاسم: قد يتساءل البعض كيف نعود إلى مشروع الدولة، والجواب هو بإيماءات الحكم، فقط إيماءة واحدة ستكون مثل تأثير سقوط الحجر في بركة ماء راكدة، فهي حتماً ستحدث موجات وموجات من التغيير والحركة.

وإحدى الايماءات المطلوبة اليوم لإنقاذ الوضع هي اختيار الوزراء والمعاونين واعلان الرغبة في تطبيق القوانين، ويجب الا نتوقع قيام مجلس الامة، أو أي تكتل، أو حزب بهذه المبادرة، فالإيماءة يجب أن تأتي من الحكم.

وعما إذا كانت عملية فصل ولاية العهد عن رئاسة مجلس الوزراء تعتبر خطوة أو ما يمكن تسميته بـ«ايماءة» نحو إزالة الحرج في مساءلة رئيس مجلس الوزراء قال الجاسم، إن عملية الفصل الأخيرة تمت لأسباب شخصية، وقد أكدت ذلك في مقالاتي المنشورة، وان الفصل كان سيتعزز لو تم اختيار شخص من الصف الثالث في الأسرة لرئاسة مجلس الوزراء، أما وانه لم يحدث مثل هذا التغيير فإن الفصل يظل شكلياً.

back to top