مماليك

نشر في 10-10-2008
آخر تحديث 10-10-2008 | 00:00
 محمد سليمان لم يستقل أحد بعد احتراق مجلس الشورى وإعلان مسؤول الأمن بمجلس الشعب أنه أرسل أكثر من خمسين تحذيرا إلى المسؤولين، ولم يستقل أحد بعد انهيار صخور جبل المقطم فوق مساكن الدويقة وعجز جهات الإنقاذ عن إغاثة الضحايا، وهو الانهيار الذي أدى إلى طحن الناس والمنازل وتحويل المنطقة إلى مقبرة جماعية.

فقد كان الانهيار متوقعا بعد الدراسات العديدة التي نشرت وحذرت المسؤولين بعد زلزال 1992، وطالبتهم بسرعة التحرك وبناء مساكن بديلة للمواطنين الذين يعيشون في حضن الجبل، وتحت صخوره المعلقة، والجدير بالذكر أن حاكم الإمارات قدم قبل سنوات منحة مالية ضخمة لأهالي الدويقة بغرض بناء مناطق سكنية جديدة لهم، لكن وزير الإسكان استكثر هذه المنحة على مواطني الدويقة وقام بإنفاقها على أمر آخر لا علاقة له بالعشوائيات، والمثير أن هذا الوزير كان ومازال نائب أهالي الدويقة في مجلس الشعب.

وفي تقريره الأخير أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن عدد سكان القاهرة قد بلغ 18.5 مليون مواطن عام 2006 منهم 6.5 ملايين يعيشون في مناطق عشوائية، أي ثلث سكان العاصمة، فإذا أضفنا إلى هؤلاء العشوائيين رجال الأعمال العشوائيين والسياسيين العشوائيين وجموع اللامبالين أدركنا أن مسلسل الكوارث لم يزل في بداياته، خصوصا بعد اختفاء السياسي المحترف والمسؤول والمهموم بقضايا المجتمع ومشاكله، وبروز رجل الأعمال واتساع نفوذه وسطوته ودوره السياسي، بعد إعادة تشكيل لجنة سياسات الحزب الحاكم، وإقصاء رجال الحرس القديم الذين اكتسب بعضهم خبرات سياسية لا يستهان بها بزعم انتمائهم إلى الماضي الاشتراكي، ولا مكان لهم في عصر العولمة والصعود الرأسمالي، وقد تم هذا الإقصاء لمصلحة رجال الأعمال وأصحاب الشركات المغامرين والمؤمنين بأن الاقتصاد هو السياسة الجديدة، والنجاح لا يعني سوى توظيف النفوذ والسلطة، وتقنين النهب والاحتكار والفساد والإفساد لمضاعفة ثرواتهم.

هذا الواقع المحبط يعيد إلى الذاكرة عبارة الرئيس الأميركي راذرفورد هاريس التي علق بها على حكومته عام 1876: «إنها حكومة شركات تديرها شركات من أجل شركات»، حكومة كهذه ستمنح شعبها وجودا ضبابيا، وستعمل فقط من أجل إثراء الأثرياء، ومنحهم كل الفرص اللامشروعة غالبا للكسب السريع والخيالي على حساب جموع الكادحين والفقراء.

من هذا المنطلق ساندت الدولة رجال الأعمال وساهمت في تضخيم ثرواتهم، فقد منحت إمبراطور الإسكان المحبوس حالياً على ذمة قضية مقتل المطربة اللبنانية «سوزان تميم» مساحات شاسعة من أراضي البناء بأسعار رمزية «عشرة جنيهات للمتر» لكي يبيعها بأسعار خيالية «ألفا جنيه للمتر» حاصدا المليارات، ومن ناحية آخرى قلصت إنتاج مصانع الحديد والصلب في حلوان الذي بلغ 1.4 مليون طن عام 1996 لكي يصبح 600 ألف طن عام 2006، أي أقل من النصف لكي تتيح لامبراطور الحديد فرصة الإنتاج والاحتكار ومضاعفة الأسعار وتضخيم ثروته، ولكي تؤجج الاحتقان وتضاعف مشاكل الإسكان والبطالة وتبدد أحلام محدودي الدخل وسكان العشوائيات الباحثين عن العمل والمأوى.

الثروة كهدية أو مكافأة على الولاء للنظام والدفاع عنه تعود بنا إلى عصر الإقطاع وإلى زمن المماليك الذين كانوا قبل أكثر من قرنين يدمّرون وينهبون ويجوبون الأقاليم بجنودهم وأتباعهم لكي يصادروا ممتلكات المواطنين وحيواناتهم. والجبرتي يحدثنا بإسهاب عن هذا النهب في تاريخه المعروف، وأغلب رجال الأعمال المصريين لا يختلفون كثيراً عن هؤلاء المماليك، فهم ليسوا رأسماليين حقيقيين يضاعفون ثرواتهم بالكد ويسعون إلى خدمة مجتمعهم وتطويره وتوجيه جزء كبير من أرباحهم إلى مؤسساته العلمية والخيرية والثقافية، ولأنهم مماليك يوظفون تحالفهم مع النظام وقدرتهم على تجنيد المريدين والأتباع لتحقيق أهدافهم، فهم يخشون ظهور محمد علي أو أي شبيه له يحاسبهم ويخضعهم كغيرهم لقوة القانون، أو يقيم حفلاً لهم في القلعة ينهي به عصرهم.

هذه الخشية هي سبب ترويجهم للنظام واحتفائهم بالتوريث الذي سيبعد عنهم سيف المساءلة ويضمن لهم البقاء والانطلاق وإشاعة الفساد والفوضى.

* كاتب وشاعر مصري

back to top