«رررجب»!

نشر في 04-02-2009
آخر تحديث 04-02-2009 | 00:00
 د. مأمون فندي رائعة الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي «رجب حوش صاحبك عني»، هي التفسير الجامع المانع لما يحدث في منطقتنا سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي أو الدولي، وخصوصا الداخلي. فبينما للطائرات الإسرائيلية حق استخدام الأجواء التركية التي تستطيع عبرها ضرب غزة وإيران ومن شاءت من دول المنطقة، وبينما تسلم إسرائيل تركيا طائرات بدون طيار ضمن التفاهم الاستراتيجي بين البلدين، فإن بعض العرب قد أسكرته حركة رجب طيب أردوغان عندما خرج بشكل مسرحي بعد مشادة كلامية مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، من فوق مسرح واحدة من ندوات منتدى «دافوس» السنوي المسمى باسم تلك المدينة السويسرية الباردة.

رجب تلقى التهاني من بعض قادة الفصائل الفلسطينية، وتظاهر أهل غزة وهم يهتفون لرجب ووضعوا صورته في كل مكان، غير عابئين بحقيقة علاقة تركيا بإسرائيل، فقط مغرمون بالمشهد التلفزيوني.

لم يتوقف الفلسطينيون ولا السذج من «الهتيفة» في العالم العربي بطوله وعرضه عند صفقة الطائرات العسكرية بدون طيار، ولم يتوقفوا عند تفاصيل الاتفاق الاستراتيجي بين تركيا وإسرائيل، لم يتوقفوا عند المكالمة التي أعقبت مؤتمر «دافوس» بين بيريز ورجب والتي وضح فيها أردوغان أنه لم يكن غاضبا من بيريز أو من إسرائيل، وإنما كان غاضبا من مدير الندوة الذي «لم يتصرف معه بأدب ولم يعطه حقه في التعبير»، فلم يعطه الوقت الكافي للرد، وأكد بأن هذه الزوبعة لن تؤثر على العلاقات الاستراتيجية بين تركيا وإسرائيل.

هذا ما قاله أردوغان، فماذا يقول المهللون العرب لبطولة رجب بعد هذه المكالمة؟ أتمنى أن يطلبوا منه هذه المرة أن «يحوش» صاحبه بيريز عنهم، وأن تصبح أغنية هيفاء هي الرنة المفضلة للرد على مكالماتهم.

مواقفنا الإقليمية كعرب اليوم، عرب الاعتدال منا والممانعة، هي حالة من الاستسلام الكامل، ومطالبة طرف خارجي أن يقوم بالواجب عنا. دائما نريد «رجب» ما ليفعل ما لسنا قادرين على فعله، فنحن اليوم نريد دورا أوروبيا في عملية السلام، ونريد أوروبيين على المعابر، أيضا نطالب أوباما بالضغط على إسرائيل، ونحن في انتظار تقرير جورج ميتشل، ويسيطر علينا الغضب من طول الانتظار، ونشكو للوسيط «رجب صاحبك جنني».

أما في مسألة الوضع الداخلي، فإن الحكومة المصرية، على سبيل المثال، لم يرد فيها رجل واحد بحزم على ما قاله حسن نصر الله ضد مصر، لم تقفل مكاتب المنار ولا صحف حسن نصر الله في مصر، ولم توقف تدفق «المال الطاهر» إلى أصحاب الصحف المصرية والقنوات التابعة للسيد حسن. كل ما جاء من ردود المصريين حتى الآن هو في إطار «ماكانش العشم يامولانا، وميصحش يا شيخ حسن»، إلى آخر مقولات مسك العصا من المنتصف. حتى عندما ربنا أكرم الحكومة بالشجاعة للرد على تصريحات حسن نصر الله، رد «مصدر مسؤول» من دون اسم ولا عنوان، وكأنها لا تجرؤ على الرد أو أنها «عاملة عملة» وخائفة من أن تضع اسمها على الرد. أي مسؤول هذا؟ المصدر المسؤول الذي يتخفى خلف السواتر الترابية في لحظة الهجوم على مصر، هو مصدر غير مسؤول على الإطلاق. كما أن اللافت للنظر في الوضع الحالي هو أن الكثير من الكُتّاب في مصر أيضا يتخفون وراء كلماتهم، وكأن كل كاتب منهم خائف على «مستقبله السياسي الإقليمي»، وإذا طلبت منهم أن يتحدثوا بأسمائهم، يقولون «ماترد انت يا رجب اللي قاعد بعيد».

رجب التركي وغيره، يبيعون الوهم للعرب الجالسين أمام الشاشات يطربون لحروب «دافوس والغبراء» الوهمية، في حين تسلم الطائرات العسكرية الإسرائيلية بأمان وصمت غير متلفز لرئيس الوزراء التركي الغاضب على الشاشات فقط، والطائرات والمقاتلات الإسرائيلية تستخدم الأجواء التركية للتدريب على ضرب قطاع غزة وغيره من الجسد العربي. ورجب التركي، مثله مثل رجب العربي، فكلما قامت الدولة بمسرحيات فضائية للتعبير عن غضبها على إسرائيل على الشاشات فقط، كانت تلك الدولة متورطة حتى الرقبة في معاهدات سرية مع إسرائيل، ولأميركا وإسرائيل فيها قواعد لا يعلم تفاصيلها إلا الراسخون في العلم... هؤلاء هم اللاعبون الجدد في المنطقة، وليست لدينا عليهم أي أوراق ضغط، فقط نتوسل إليهم أن يدرؤوا الظلم عنا، ونغني لهم في كورس أو كورال جماعي «رجب حوش صاحبك عني».

حالنا اليوم محاصر بكل الشهور القمرية، رجب وشعبان ورمضان وذي القعدة، «رجب بتاع تركيا»، و«شعبان بتاع عمرو موسى»، و«رمضان شلح بتاع الجهاد الإسلامي»، و«أسامة بن لان (ذو القاعدة)»، وكتّابنا الممانعون «ذوو الحجة»، و«جمادى بتاع المجمدين» لمكاتبهم مع إسرائيل!

نحن قوم نرفض الحقيقة ونتعلق بالأوهام، قوم لا يعجبهم العجب ولا حتى الصيام في رجب، لا حول لنا ولا قوة، فقط نطلب من الآخرين التدخل، نتوسل إلى العالم أن يرفع الظلم عنا، دورنا نحن فقط أن نغني لهم، بين الحين والآخر مقتطفات من رائعة الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي «رجب حوش صاحبك عني».

* مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز الدولي للدراسات السياسية والاستراتيجية IISS

back to top