ما قل ودل: المحكمة تقضي بأن قرار تصدير الغاز إلى إسرائيل انحراف بالسلطة

نشر في 26-01-2009
آخر تحديث 26-01-2009 | 00:00
 المستشار شفيق إمام تناولت يومي الاثنين 22 و29/12/2008 الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في مصر بتاريخ 18/11/2008 بوقف تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل، وقبول المحكمة تدخل كل من انضم إلى المدعي في هذه الدعوى لوجود مصلحة ظاهرة لكل مصري في هذا التدخل، ورفضها تدخل من انضم إلى الحكومة لمؤازرتها لعدم وجود مصلحة ظاهرة لهم فيها، كما عرضت الأسباب التي بنت عليها المحكمة قضاءها برفض الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى واختصاصها بنظرها لأن قرار تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل هو عمل من أعمال الإدارة الذي يخضع لرقابتها وليس عملاً من أعمال السيادة، التي تمارسها الدولة كسلطة حكم وتنحسر عنها ولاية القضاء، وأنه قد استبان للمحكمة من الأوراق، إهدارها للثروة الطبيعية للبلاد وللمال العام الأمر الذي يستوجب وفقا لحكم المحكمة القاضي بوقف تصدير الغاز إلى إسرائيل بصفة مستعجلة.

ونتناول في هذا المقال قضاءها الذي وصمت فيه قرار تصدير الغاز إلى إسرائيل بالانحراف بالسلطة.

والواقع أن مبدأ أو نظرية الانحراف بالسلطة أو إساءة استعمالها، من العيوب الاحتياطية في القرار الإداري والتي لا يلجأ إليها القضاء إذا وجد عيباً آخر يعيب القرار ويؤدي إلى بطلانه، لاتصال هذا العيب ببواعث القرار الإداري.

وقد وصمت المحكمة القرار بمخالفة الدستور في ما انطوى عليه من إهدار المال العام، ولذلك يعتبر هذا القضاء اتجاهاً جديداً لمجلس الدولة المصري، يخالف ما استقر عليه قضاؤه في هذا الأمر.

وتقوم نظرية الانحراف بالسلطة على ركن في العمل القانوني، وهو ركن الغاية أو الباعث، أو النتيجة النهائية التي يسعى مستخدم لحق أو سلطة إلى تحقيقها، ولهذا كان هذا الركن هو الأدق والأصعب تحديداً، بل الأكثر خفاءً في كل أركان العمل القانوني، فالغاية هي النتيجة النهائية التي تسعى إليها كل سلطة من السلطات في ممارسة اختصاصاتها المنصوص عليها في الدستور.

والغاية الأولى التي تسعى إليها كل سلطات الدولة في تصرفاتها هي تحقيق المصلحة العامة، ويقف إلى جانب هذه الغاية، الغايات التي يحددها الدستور لكل سلطة في ممارسة مسؤولياتها، سواء كانت السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية.

ومن تطبيقات ركن الغاية في فقه القضاء الإداري المصري بالنسبة إلى الخروج على هذا الركن من أركان القرار الإداري، ما قضت به المحكمة الإدارية العليا في مصر من أن عيب إساءة استعمال السلطة يقوم إذا تنكبت الإدارة وجه المصلحة التي يجب أن يتغيَّاها القرار وأصدرته بباعث لا يمت إلى تلك المصلحة (طعن رقم 1519 لسن 2 ق – جلسة 15/2/1956)، أو أن يكون لدى الإدارة قصد إساءة استعمال السلطة بباعث من هوى أو تعدٍّ أو انتقام (الطعنان رقما 973 ، 984 لسنة 9 ق – جلسة 2/5/1964)، وأن الإدارة يكون مسلكها معيباً بإساءة استعمال السلطة وبالانحراف عنها، باستعمال أداة قانونية في غير ما شرعت له (طعن رقم 904 لسنة 3 ق – جلسة 9/11/1957)، وأن هذا العيب من العيوب القصدية في السلوك الإداري الذي يجب إقامة الدليل عليه لأنه لا يفترض (طعن رقم 598 س11 ق جلسة 2/5/1969)، ومع ذلك فقد افترضت المحكمة توافر هذا العيب القصدي من انعدام السبب المعقول المبرر للقرار الإداري وانطواء تصرف الإدارة على تمييز بعض الناس على حساب البعض الآخر دون مسوغ مقنع وأساس من المصلحة العامة (طعن رقم 1362 لسنة 10 ق – جلسة 26/11/1966).

لذلك فإن قضاء المحكمة في قضية تصدير الغاز إلى إسرائيل يعتبر اتجاها جديداً في مبدأ أو نظرية الانحراف بالسلطة عندما قررت المحكمة في أسباب حكمها، أنه فضلا عما أوردته المحكمة من عيوب شابت القرار، فإنه قد استقر قضاء مجلس الدولة على أنه يحق للقاضي الإداري أن يتحرى بواعث القرار الإداري وملابسات إصداره وما إذا كان مصدره قد تغيَّا وجه المصلحة العامة أو الغاية التي قصدها القانون أم تنكب السبيل وانحرف به عن غايته إلى غاية أخرى غير المصلحة العامة أو حتى غاية أدنى في أولويات الرعاية ومدارجها من غايات تعلو ومصالح تسمو وغايات تُبتغى.

وقد بدا للمحكمة من ظاهر الأوراق وفي ضوء ظروف إصدار القرار المطعون فيه ما يلي:

1- صدور القرار بالتعاقد مع شركة بعينها:

أن القرار قد صدر من وزير البترول ملزماً الهيئة المصرية العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية بالتعاقد على بيع الغازات البترولية وضمان توريدها إلى شركة بعينها وذلك بشروط مجحفة وأسعار بخسة.

2- تزامن القرار مع تأسيس الشركة:

وكان ما نطقت به الأوراق ظاهراً؛ من سرعة متناهية، وتعاصر مريب في إنشاء «الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية» (شركة قطاع عام)، وإنشاء شركة «شرق البحر الأبيض المتوسط»، وهي شركة مساهمة قطاع خاص، وتعديل نشاط الشركة الأخيرة والغرض منها، ثم منحها- فور ذلك- دون غيرها عقد امتياز واحتكار شراء الغاز الطبيعي المصري الذي يتم تصديره (في هذه الحالة) إلى إسرائيل.

3- غياب الشفافية:

إن القرار المطعون فيه لم يُنشر- رغم كونه قراراً وزارياً- كما لم تنشر تفاصيل وشروط تصرف الهيئة المصرية العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية المتعلقة ببيع هذه الكميات الكبيرة من الغاز الطبيعي المصري إلى شركة «شرق البحر الأبيض المتوسط»، ومنها إلى إسرائيل رغم مطالبة العديد من مسؤولين كبار ونواب الشعب والخبراء المتخصصين في مصر بالاطلاع على تفاصيل هذه الصفقة.

ورغم الجدل الكبير الذي يدور في الأوساط العلمية حول حجم الاحتياطي المصري من هذه الثروة الناضبة على نحو ما ورد في المستندات المقدمة من المدعي، الأمر الذي يثير التساؤل عن أسباب ذلك التزامن العجيب، وعن السرية والتكتم الشديدين اللذين فرضتهما جهة الإدارة حول صفقة بيع الغاز المصري لإسرائيل والمترتبة على صدور القرار المطعون فيه، وحجب تفاصيلها عن الشعب ونوابه، وذلك ما يتعارض مع الشفافية التي بات أمرها مستقراً في ضمير الأمة والعالم المتحضر، ومع المسيرة الديمقراطية التي تشهدها البلاد، كما أنه يخل بالثقة الواجب توافرها في تعاملات جهة الإدارة.

4- البيع بأسعار بخسة:

وحسب الأسعار الحالية الواردة في عقود البيع المبرمة بناء على القرار المطعون فيه، فإن سعر بيع الغاز المصري حُدد بنحو خمسة وسبعين سنتاً لكل وحدة غاز حرارية في الوقت الذي يتجاوز فيه السعر العالمي لهذه المنتجات تسعة دولارات (وقت رفع الدعوى)، وهو ما أهدر ويهدر يومياً على خزينة الدولة ملايين الدولارات، وبذلك تفقد مصر مورداً مهماً من مواردها وجزءاً كبيراً من ثرواتها، التي كان يمكن لو أحسنت الإدارة التصرف بها، لتحقّقت زيادة كبيرة في عائدات الدولة المالية بما من شأنه أن يعود على المجتمع بتحسين في دخل أفراده وخدمات إضافية تيسر له سبل المعيشة.

وإن تصرف الإدارة سالف الذكر يتعارض مع اعتبارات المصلحة العامة التي يجب أن تسعى إليها كل أجهزة الدولة.

ومتى كان ما تقدم، فإن جهة الإدارة بإصدارها القرار المطعون، قد انحرفت بسلطتها وأساءت استعمالها بشدة، وبذلك يكون القرار المطعون فيه قد صدر– بحسب الظاهر- معدوماً لمخالفته أحكام الدستور والقانون، الأمر الذي يتوافر معه ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ الذي قضت المحكمة به.

back to top