أين أخفقت هيلاري كلينتون؟
لمَ نطرح هذا السؤال الآن؟قد يبدو لنا أن وقتاً طويلاً مرّ منذ بدء الانتخابات، لكن في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ظننّا أن ترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات 2008 سيؤول إلى هيلاري كلينتون لا محالة، إلا أنها متأكدة الآن، على ما يبدو، من هزيمتها، بغض النظر عن نتائج الانتخابات الأولية الأخيرة في مونتانا وداكوتا الجنوبية، وسيضمن خصمها باراك أوباما الغالبية الحسابية المطلقة ويحصل على 2118 مندوباً الذين يحتاج إليهم ليفوز بترشيح الحزب في مؤتمر دنفر في أغسطس (آب) المقبل.
ما الخطأ الجسيم الذي ارتكبته في حملتها الإنتخابيَّة؟ارتكب فريقها أخطاء كثيرة غير متوقعة، مع أنه نال خبرة واسعة في مجال الحملات الإنتخابية خلال ترشُّح بيل كلينتون وفوزه بالرئاسة مرتين على التوالي، لكن الخطأ الاستراتيجي الأكبر كان على الأرجح الافتراض أن المعركة لن تطول. لا شك في أن ذلك حصل في الدورات الانتخابية السابقة، في عام 2004، ضمن جون كاري فوزه بعد انتصاره في الجولتين الأوليين. كذلك أنهى زوجها معركة الترشيحات باكراً عام 1992 إثر فوزه في إيلينوي بعد شهر من بدء الانتخابات الأولية. إلا أن حلول هيلاري في المرتبة الثالثة في أيوا في الثالث من يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد أوباما وجون إدواردز، أظهرها بمظهر المرشح الهش الذي يمكن هزمه. لذلك كان عليها أن تعود إلى الساحة بقوة وتسجل فوزاً يائساً بعد خمسة أيام في نيوهامبشير، هكذا أُرغمت على إظهار قوتها باكراً في هذا السباق. ظنَّ مستشاروها أن «الثلثاء الكبير» Super Tuesday سيكون يوم تتويجها، إلا أن آمالهم خابت عندما انتهى هذا اليوم بتعادلها مع أوباما.هل استخفَّت بأوباما؟نعم بالتأكيد. لم تعِ ومستشاروها مدى قدرته على الاستئثار بمخيلة الناخبين الشبان. كذلك أدركت بعد فوات الأوان أن حملته الانتخابية كانت من أكثر الحملات تنظيماً في العصر الحديث، بخلاف فريق كلينتون، فهم مستشاروه بسرعة أهمية المؤتمرات الحزبية (التي تحدد المندوبين في 16 ولاية ومقاطعة). علاوة على ذلك، لم يتخيلوا أن أوباما سيحوّل الإنترنت إلى أكبر مصدر للمال في تاريخ الولايات المتحدة السياسي، مجنداً جيشاً لا مثيل له من المتبرعين الصغار الذين يمكنهم التبرع كلما دعت الحاجة. هكذا حصل على 25 دولاراً من هنا و100 من هناك من دون أن يصل إلى سقف التبرعات المسموح به للفرد، وهو 2300 دولار. في المراحل اللاحقة من الحملة الانتخابية، أخفقت هيلاري إخفاقاً كبيراً في جمع التبرعات، حتى إنها اضطرت مرتين إلى دفع ملايين الدولارات من مالها الخاص لتأمين التمويل اللازم للحملة الانتخابية.لم تمنحها فلوريدا وميشيغان الدعم اللازم؟كلا، لا يقع اللوم على عاتق هيلاري. خالفت هاتان الولايتان، اللتان كان يُفترض أن تفوز فيهما بسهولة، أوامر الحزب وأجرتا انتخاباتهما الأولية في شهر يناير (كانون الثاني)، لذلك أُلغيت النتائج في البداية. لم يقبل الحزب الديمقراطي بمندوبيهما إلا بعدما عقدت لجنة الأحكام الديمقراطية اجتماعاً مثيراً للجدل الأسبوع الماضي، تقرر في نهايته الاعتراف بنصف مندوبي هاتين الولايتين فحسب. نتيجة لذلك، حصلت هيلاري على 23 مندوباً، وهو عدد تافه يوازي ثلث ما كانت لتحصل عليه لو أن الولايتين التزمتا بالقوانين واحتُسبت كامل أصواتهما.هل تأذَّت بسبب نظام التمثيل النسبي في تحديد المندوبين؟لا شك في ذلك. تبنى الديمقراطيون نظام التمثيل النسبي عام 1982، الذي يقضي بتعيين المندوبين بشكل نسبي، فضلاً عن اختيار 800 مندوب كبير يوزَّعون بشكل مفرد ويكونون نقطة الفصل في الانتخابات في حالة التعادل. يهدف هذا النظام إلى الحؤول دون تجميع المرشح العدد اللازم من المندوبين بسرعة في سباق انتخابي شرس.لو أن الديمقراطيين اتبعوا نظام «الفائز ينال المندوبين كلهم» وتخلوا عن «كبار المندوبين»، على غرار الجمهوريين، لفازت كلينتون بترشيح الحزب الديمقراطي منذ زمن.في النهاية، فازت هيلاري في الانتخابات الأولية الكبرى كلها تقريباً، من نيويورك وكاليفورنيا وتكساس إلى بنسلفانيا وأوهايو ونيوجرسي، فضلاً عن فلوريدا وميشيغان. في المقابل، لم يحقق أوباما إلا فوزاً في ولايته الأم إيلينوي.هل فشلت لأنها امرأة؟هذا ما يدَّعيه كثر من داعميها المتعصبين، قائلين إن أوباما، مقارنة مع هيلاري، حصل على دعم كبير في الانتخابات من وسائل الإعلام المتحيزة. لكن بعد التدقيق، نجد أن تلك الادعاءات لا أساس لها من الصحة. الحقيقة أبسط بكثير: تحب وسائل الإعلام كل ما هو جديد. أوباما ظاهرة جديدة تنتمي إلى جيل مختلف، في حين أن هيلاري قديمة الطراز. نعم، لم يكن مر على ظهوره على الساحة السياسية وقت طويل، لكن ربما لم يحظَ في النهاية بأية معاملة خاصة.تظهر الدراسات أن الاثنين حصلا على المقدار نفسه من القصص والأخبار المواتية والمسيئة. كذلك ما من دليل حقيقي يؤكد أن الأميركيين أكثر ميلاً بالفطرة إلى انتخاب امرأة، مقارنة مع البريطانيين أو الإسرائيليين أو الهنود، ثلاثة شعوب انتخبت رؤساء وزراء من النساء. كانت الأخطاء التي ارتكبتها هيلاري كمرشحة الأهم في هذه المسألة. ما عيبها؟إنها خبيرة في تفاصيل السياسة، على غرار زوجها، لكنها تفتقر إلى قدرته (وقدرة أوباما) على إشعال الحضور. كذلك لم تتخلص من مشكلتها الكبرى، تصويتها في مجلس الشيوخ في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2002 لصالح حرب العراق التي يرفضها كثيرون، والتي عارضها أوباما منذ البداية. علاوة على ذلك، عجز الأميركيون عن تحديد شخصية هيلاري المرشحة، ما أعطى انطباعاً أنها مستعدة لقول أي شيء لتفوز. بدأت حملتها بالوعد بإعادة عهد كلينتون، ثم تحولت إلى مرشحة التغيير، لكن أوباما تفوَّق عليها في هذا المجال، راحت عندئذٍ تنادي بخبراتها، مضخمة حقيقة تدخلها في مسائل مثل إيرلندا الشمالية والبوسنة، ما أثار مجدداً الشكوك بشأن مصداقيتها. في النهاية، تحولت على نحو مثير للريبة إلى امرأة الشعب، واعدة بتعليق ضريبة الوقود الفدرالية. لكن مشكلتها الكبرى كانت على الأرجح رجلاً.إذاً، بيل هو سبب خسارتها؟يمكننا القول على الأقل إن هذا الرجل، الذي يُفترض أن يكون أفضل سياسيي عصره، لم يقدم لها أية مساعدة، خسّرتها تصرفاته غير المتقنة في كارولاينا الجنوبية، حين شبّه أوباما بمرشح أسود «عادي» على غرار جيسي جاكسون، أصوات السود (التي اعتُبرت في الماضي أساس تحالف كلينتون)، كذلك أوحت نوبات غضبه المتقطعة وبعض ادعاءاته، التي بدا جلياً أنها كاذبة، أن هذا السياسي المتمرس فقد مهاراته. بما أننا نعيش اليوم في عالم الالكترونيات، حيث يمكن تناقل أي خطأ في كل أنحاء البلد أو حتى العالم في غضون ثوان، كان تأثير هفوات بيل فادحاً.علاوة على ذلك، كان زوجها يذكِّر دائماً بعودة عهد كلينتون الوشيكة. غير أن كثيرين من كبار المندوبين، معظمهم من أبرز المسؤولين في الحزب والممثلين المنتخبين، انزعجوا من سيطرة ماكينة كلينتون على الحزب. في المراحل الأولى، لم يعلن المندوبون دعمهم لهيلاري بسبب بيل، بل لأجلها وحدها. لكن أخطاءه المتكررة، فضلاً عن الثبات الذي أظهره أوباما في خطابه، قلبت الأمور لصالح الأخير حين بدأت المؤسسة الديمقراطية ترى دخان نهاية عهد كلينتون يتصاعد.هل حملة هيلاري هي سبب إخفاقها؟نعم• استخفت هذه المرشحة ومستشاروها بأوباما واعتبروا الفوز أمراً مسلماً به.• أساء إليها زوجها بيل وغالباً ما حجب الأضواء عنها.• لم تعِ الحملة القدرات الهائلة التي يتمتع بها الإنترنت في مجال جمع التبرعات. لا• ما كان ممكناً لهذا الفريق أن يتوقع ظاهرة أوباما.• لا يسعنا القول إنها لم تحارب بقوة، كان تصميمها مميزاً.• أعاق النظام قدرتها على الاستفادة من انتصارها في الولايات الكبرى.