... والقادم أسوأ


نشر في 16-04-2009
آخر تحديث 16-04-2009 | 00:00
 د. مأمون فندي عندما بدأ الكلام عن هجوم أميركي على إيران عام 2006، وأخذ هذا الحديث طابع الجدية، تحدث الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عن استراتيجية إيران الدفاعية والمتمثلة فيما أسماه بدائرة الانتحاريين التي ستبلغ دول الخليج والدول الصديقة للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، وتهدد مصالحها الحيوية وتشل المنطقة في مواجهة الأميركيين. ومن هنا بدأ الحرس الثوري الإيراني في زرع الخلايا وبناء تنظيمات في المنطقة على غرار "حزب الله" اللبناني الذي أسسه الحرس الثوري الإيراني في لبنان عام 1982. استراتيجية إيران بدأت بـ"حزب الله" الكويتي، تلا ذلك التحرش بمملكة البحرين التي غالبية سكانها من الشيعة، حيث تتراوح نسبتهم ما بين ستين إلى سبعين في المئة من إجمالي التعداد السكاني، حيث ضغط "حزب الله- البحرين" على الحكومة وكانت آخر عملياته متمثلة في التنظيم الذي قبض عليه يوم عيد استقلال البحرين منذ ثلاثة شهور، وثارت بعدها ثائرة إيران وأعلن بعض أعضاء الحكومة فيها أن البحرين هي محافظة من محافظات إيران. ساعتها زار الرئيس المصري مملكة البحرين لتأكيد تضامن مصر مع البحرين. وهذه الزيارة هي أحد أسباب التحريك الإيراني لخلاياه النائمة في مصر، والتي سأتحدث عنها بالتفصيل لاحقاً.

لم تكتفِ إيران بالبحرين والكويت، بل أسست لـ"حزب الله" جديد في منطقة صعدة باليمن عن طريق مجموعة بدر الدين الحوثي وعبد الملك الحوثي، والذي عرف فيما بعد بـ"تنظيم الحوثيين" الذي دخل مع الدولة اليمنية في حرب قاربت الأربعة أعوام. جماعة الحوثي كانت تهدف إلى تطويق مداخل البحر الأحمر والتأثير على حركة الملاحة فيه حتى لا تمر حاملات الطائرات الأميركية من باب المندب إلى البحر الأحمر إلى قناة السويس والعكس، وحتى لا تصل الإمدادات الأميركية إلى منطقة الخليج حال وقوع حرب. خلايا "حزب الله" في مصر لا تمثل مواجهة بين حسن نصرالله والنظام المصري كما ادعى نصرالله، ولكنها كانت ضمن استراتيجية إيران الهادفة إلى وجود خلايا موالية لها على ضفتي قناة السويس تشوش وقتما تريد على الملاحة العالمية في القناة. بالطبع إيران لم تحسب في هذا لمصر وأرضها أي حرمة، فإيران الثورة تتناسى كونها دولة وتتصرف كتنظيم مثل "حزب الله" لا يؤمن بالحدود الدولية، الهدف عندها هو تصدير الثورة وإشعال حريق في المنطقة يحقق لها الهيمنة على نفط الخليج في الوقت الذي تشل فيه حركة مصر في الدفاع عن الخليج من خلال إلهائها بمشاكل داخلية وقضايا إرهابية.

ومن أجل ذلك استثمرت طهران في ما أسميته بـ "اللوبي الإيراني" في مصر بجناحيه السياسي والإرهابي، أي بزرع الخلايا التخريبية، ودفع أموال لصحافيين ومحللين سياسيين مصريين، وشراء صحف ومقرات مرة باسم مكاتب "قناة المنار" ومرة باسم "قناة العالم"، الهدف منها هو الدفع لعملائها بدعوى أنهم ظهروا على هذه القنوات، ولكن الأموال المدفوعة تفوق بكثير أجر الصحافي أو المحلل السياسي المعتاد.

وقد كتبت مراراً في هذه الصحيفة وغيرها عن اللوبي الإيراني ودوره في مخطط تخريب مصر والمنطقة، غير أن أعضاء هذا اللوبي والذين على رأسهم بطحة من "المال الطاهر" (والطاهر بمعنى القادم من طهران كما ذكرت في مقال سابق)، اتهموني يوم كتبت ذلك، بأنني أكتب بلاغاً كاذباً للحكومة للتحريض عليهم. وها هي مصر وجهات أمنها تكشف المخطط، ويعترف نصرالله بلسانه. فهل كان ذلك بلاغاً كاذباً؟

رغم هذا كله، اللوبي الإيراني مازال يمرح في بر مصر، والبعض منه مقرب جداً من الحكومة، بل لقد اقترب اللوبي الإيراني في مصر من الحكومة ومجلس الشعب لدرجة أن الحكومة وأجهزتها لا تراه، عندما يقترب منك الشيء ويلتصق بك تصعب لديك رؤيته، وهذا ما يحدث في مصر. الإعلام المصري عبأ الشارع منذ أعوام، وجيَّش الجماهير لمصلحة نصرالله وإيران، فكُتّاب الحرس الثوري موجودون اليوم في العديد من صحف مصر، وهناك صحف ممولة بالكامل من الحرس الثوري، وبعض رؤساء تحرير صحف الحرس الثوري يسافرون على أهم طائرة للحكومة المصرية، إذن "إحنا بندافع عن مين ضد مين؟".

غريب أن صحيفة مصرية تصنف نفسها على أنها مستقلة لم تشر من قريب أو بعيد عن خلية "حزب الله" في مصر، لا حس ولا خبر ولا مقال رأي، كأن ما حدث كان في المكسيك لا في مصر، ورئيس تحريرها نفسه هو الذي كتب مقالاً طويلاً يمجِّد في "السيد"، واصفاً إياه بالرجل النبيل والشريف والعفيف والمناضل إلخ..إلخ... "هو إيه الحكاية"؟ إنت مصري ولا إيراني؟ و"لا مصر تُباع بفلوس للي يدفع أكثر"؟ "أين الصوت الحنجوري بتاع الوطنية، ولا الحكاية مقاوله مش مقاومة"؟

كتبت من قبل عن سيطرة حزب "تغيير الموضوع" على الإعلام عندنا، وهو ذاته اللوبي الإيراني، فها هم اليوم يحاولون تغيير الموضوع من القبض على تنظيم يهدف إلى تخريب وزعزعة أمن أكبر دولة عربية، إلى الحديث عن الدعم اللوجستي لغزة. خلية "حزب الله" في مصر هي جزء من مخطط أكبر، ولن تكون الخلية الوحيدة، وما هذا بالاختبار الأخير لمصر، فالقادم أسوأ بكثير.

* مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز الدولي للدراسات السياسية والاستراتيجية IISS 

back to top