ما قل ودل: المحكمة الجنائية الدولية مسؤولية رؤساء الدول والحكومات (6)

نشر في 29-09-2008
آخر تحديث 29-09-2008 | 00:00
 المستشار شفيق إمام تناولت من بين ما تناولته في هذه السلسلة من المقالات التي بدأت بمذكرة التوقيف التي أصدرها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في حق الرئيس السوداني عمر البشير، المبدأ الذي أرسته محاكمات نورمبرغ من أن أوامر الرؤساء لا تعفي مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أو ضد السلام من العقاب، وأتناول في هذا المقال مبدأ آخر مكملا للمبدأ السابق أرسته هذه المحاكمات هو المسؤولية الجنائية لرؤساء الدول والحكومات عن هذه الجرائم.

دفاع المتهمين في محاكمات نورمبرغ

وفي هذا السياق، تمحور دفاع أغلب المتهمين في محاكمات نورمبرغ عن مسؤولية الفوهرر هتلر، وأنهم لا يمكن أن يحاكموا بديلا عنه، وكان مما قاله «هانز فرانك» الذي حكمت المحكمة بإعدامه شنقا «إن كل هذه الجرائم البشعة قد خططت من ثلاثة أشخاص هم هتلر وهملر وبوهمان».

المدعي العام الأميركي:

وقد وصف المدعي العام الأميركي في المحكمة جاكسون هذا الدفاع، بأنه من الأعذار السخيفة المهلهلة على جرائم بالغة القسوة والفظاعة، وأضاف مخاطبا قضاة المحكمة «إذا كنتم ستقولون إن هؤلاء المتهمين ليسوا مذنبين، فإنكم تعنون حقيقة أنه لم تكن هناك حرب، ولم تكن هناك مذابح، ولم تكن هناك جريمة».

المساواة أمام المحكمة الجنائية الدولية:

وقد واجهت اتفاقية نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مسؤولية القادة والرؤساء في المادتين 27 و 28 بأن نصت أولاهما على تطبيق نظام المحكمة على جميع الأشخاص بصورة متساوية من دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية.

كما أضافت بأن الصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيسا لدولة أو حكومة أو عضوا في حكومة أو برلمان أو ممثلا منتخبا أو موظفا حكوميا لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسؤولية الجنائية بموجب النظام الأساسي للمحكمة. وأضافت بأن الصفة الرسمية لهؤلاء، ليست سبباً لتخفيف العقوبة.

المسؤولية الجنائية لرؤساء الدول:

وأقامت المادة 28 المسؤولية الجنائية لرؤساء الدول والحكومات وأي شخص يتمتع بإحدى الصفات الرسمية السابقة، عن الجرائم التي يرتكبها المرؤوسون نتيجة عدم ممارسة سيطرته على هؤلاء الممارسين ممارسة سليمة في الحالات الآتية:

1- إذا كان الرئيس قد علم أو تجاهل عن وعي أي معلومات تبين بوضوح أن مرؤوسيه يرتكبون أو على وشك أن يرتكبوا هذه الجرائم.

2- إذا تعلقت الجرائم بأنشطة تندرج في إطار المسؤولية والسيطرة الفعليتين للرئيس.

3- إذا لم يتخذ الرئيس جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع أو قمع ارتكاب هذه الجرائم أو لعرض المسألة على السلطة المختصة بالتحقيق والمقاضاة.

وبهذا أكد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أن العدالة الدولية سوف تلاحق كل رئيس دولة أو حكومة، يكون مسؤولا جنائيا بموجب النص السابق عن مرؤوسين ارتكبوا جرائم الإبادة الجنائية أو جرائم الحرب أو جرائم ضد السلام.

الرئيس الصربى رادوفان كاراديتش:

وقد صادفت مذكرة التوقيف ضد الرئيس السوداني القبض على الرئيس الصربي رادوفان كاراديتش الذى سفك دماء مسلمي البوسنة، إلا أنه رئيس زايلته صفته الرسمية قبل القبض عليه، بعكس الرئيس البشير الذي لا يزال يمارس مسؤولياته كرئيس دولة ذات سيادة. وكان رادوفان كاراديتش من أبرز قادة صرب البوسنة عندما بدأت يوغوسلافيا بالتفكك عام 1989 وأسس الحزب الصربي الديمقراطي في البوسنة، ليحمل مسؤولية إقامة صربيا الكبرى، وهو الحلم الذي بدأ ينفذه في عام 1992 وقبل بداية الحرب في البوسنة بشهور قليلة، وكان قد تولى رئاسة جمهورية الصرب، فشرع مع قواته ويدعم من بلغراد في اجتياح أراضي البوسنة لضم أكبر مساحة من الأراضي إلى جمهوريته، وإخلاء المناطق التي احتلها من المسلمين والكروات، وخلال الحرب التي استغرقت من عام 92 حتى عام 95، ارتكب من المذابح الجماعية والفظائع وجرائم الحرب ما يعجز اللسان عن وصفها، بل يعتبر مسؤولا عن مذبحة برينتشا التي راح ضحيتها الآلاف من المسلمين، وقد قدر عدد ضحايا برنامج رادوفان العرقى بـ100 ألف قتيل و2 مليون نازح بوسني غير صربي من المسلمين والكروات.

مطاردة رئيس جمهورية ليبيريا:

كما كانت المحكمة الجنائية الدولية المؤقتة التي سبقت إنشاء المحكمة الدائمة قد طاردت تشارلز تايلر رئيس جمهورية ليبيريا إلى أن قبضت عليه وحاكمته.

اختبار مصداقية المحكمة:

إلا أنه تظل مصداقية المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية محل شك، وهو الذي لم يجرؤ على توجيه الاتهام لرؤساء إسرائيل ورؤساء حكوماتها ووزراء وقادة الحرب فيها على ارتكابهم ما ارتكبوه ويرتكبونه من جرائم ضد الإنسانية وجرائم عرقية وجرائم إبادة جماعية.

معتقل لاهاي سجن خمس نجوم:

ولكن من الضروري أن نطمئن رؤساء الدول والحكومات أن مركز الاعتقال في لاهاي هو سجن 5 نجوم، زنازين لوكس مفتوحة خلال النهار وغرف لممارسة الحياة الزوجية للخلوة، ومن حق السجناء هاتف، ولديهم قاعات للرياضة وصالات للألعاب، وكل وسائل الترفيه والراحة.

back to top