شعر يغير العالم

نشر في 25-01-2009
آخر تحديث 25-01-2009 | 00:01
 آدم يوسف ما أن تقرأ ديوان الشاعر البحريني أحمد العجمي «تفاحة أو قلب»، حتى ينتابك شعور قوي نحو تغيير العالم، قد يبدو الأمر مجرد خيال شاعر ليس أكثر، تأخذك القصائد في فضاءات رحبة تستثير خيالك وتمنحك شعوراً باللذة، سرعان ما تعود بعدها إلى واقعك، هكذا هو الشعر.

يكتب العجمي ثلاثة معابر شعرية لقصائده المترابطة حد الاتساق، يكاد يكون الديوان قصيدة واحدة، في مفتتحه نقرأ المعبر الأول «نبض مستقر: قد لا يكفي أن أفتح النافذة»، وفي منتصفه المعبر الثاني «نبض متسارع: لماذا مر النهار خلفي»؟ أما في منتهاه فنقرأ «سأفتح الباب». تبدو سمة التدرج طاغية على الديوان، فالنبض المستقر يفضي إلى الاطمئنان، أما المتسارع فإنه يأخذ النهار، ومعه أحلام الشاعر بالتغيير، وأما حين يركن إلى قناعاته ورؤاه الشعرية فإنه بالتأكيد «يفتح الباب» لرياح التغيير، كما يقول العولميون ومحبو الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما.

في المعبر الأول من الديوان يعبر الشاعر عن حبه لأبناء شعبه البسطاء، «العمال وطلاب المدارس المشاغبين، وصيادي الأسماك والمراهقين والمراهقات»، يقول «أحب شعبي البسيط جداً/ كتفاحة حمراء/ كخرافة من زجاج/ بجناحين مقوسين/ يحلق بي فوق مرتفعات/ لا تطالها نظرات الأعداء»، هل يكفي الحب وحده لتغيير العالم؟ سؤال يجيب عليه الشاعر وإن بطريقة غير مباشرة. «قد لا يكفي أن أفتح النافذة»، وذلك ما يجعله يخصص المعبر الثاني من الديوان لذكر الأشياء التي يمكنها تغيير العالم «الأشجار التي تُحتَضَر، ساعة الميدان المصابة بالربو، النافذة المحطمة، القطة السيامية... إلخ».

حين ننظر إلى مجمل تجربة أحمد العجمي نجده في دواوينه الأخيرة أكثر ميلاً إلى النبرة الهادئة والقصيدة المشهدية التي تمنحنا تفاصيل الأشياء، من دون زخم لغوي ولا تركيبات مجازية معقدة، ويمكن لنا تلمّس الفرق حين ننظر إلى دواوينه الأولى ففي ديوانيه «المناسك القرمزية»، و«نسل المصابيح» تظهر تلك الخاصية (المجازات والتركيبات اللغوية المعقدة) يقول في «المناسك القرمزية»: «انهض يابن الروح المتفاقمة، والدنس المجير لرشقات تنوء بالفجائع، استل قهرك من خشوع المصابيح المخاطية، وانفض عن ملكوت محنتك سهو الأشواق، لقد أسن سجودك! توغلت في جاهلية لتنزل شهوتك فيها، ونمت في موسيقى ضريرة تدعو عليك بنقصان ينعش غصة العقل».

ليست تجربة العجمي وحدها التي استطاعت التخلص من هذا الإرث اللغوي الذي بات يثقل كاهل القصيدة لسنوات طويلة، لقد أصبحنا أمام تيار شعري جديد يجتاح العالم العربي من مشرقه إلى مغربه، وباتت قصيدة النثر ممثلة في «قصيدة التفاصيل اليومية» أمرا لا مفر منه، وإن كان يحاربها أحمد عبدالمعطي حجازي الذي يطلق عليها «القصيدة الخرساء»، لست متيقناً من أين استقى حجازي هذا الوصف الذي أطلقه على قصيدة النثر الحديثة، ربما بسبب ولعه مع مناصريه من رواد قصيدة التفعيلة بالنبرة الشعرية العالية والصراخ المنبري، أو الزخم اللغوي المزعج، وكلها أمور تمقتها القصيدة الحديثة.

الجيل الجديد بات يخاطبنا بنبرة شعرية هادئة وتصوير مشهدي آسر، هو يمنحنا لذة الرؤية ولنا أن نتأوّل المشهد، لم تعد القضايا العروبية ولا القومية الكبرى هي ما يشغل الشاعر، لقد بات ينطلق من ذاته ويعود إليها، لم تعد القصيدة الحديثة قصيدة مناسبات وطنية وليست لساناً للقبيلة أو الحاكم.

كان أحمد العجمي بارعاً في صنع المفارقة واصطياد تلك المواقف الحياتية التي تفضي إلى الدهشة، خصوصا في دواوينه الأخيرة: «كاكاو»، «أرى الموسيقى» و«تفاحة أو قلب».

back to top