دورة البابطين لقصيدة النثر

نشر في 29-03-2009
آخر تحديث 29-03-2009 | 00:01
 آدم يوسف ناقشت ندوة مجلة العربي التي عقدت في الفترة من 2-4 مارس الجاري الإبداع العربي المعاصر، وكان لافتاً ذلك الحضور الكثيف، والنقاش النوعي الذي شهدته الجلسة الختامية، بمشاركة الشعراء: محمد علي شمس الدين، صلاح دبشة وسعدية مفرح. كان طبيعياً أن تتطرق الجلسة إلى قصيدة النثر على اعتبار أن بها شاعرين لهما تجربتهما الخاصة والمميزة في الكويت. أثناء إدارته للجلسة دعا د. جابر عصفور إلى الاعتراف بقصيدة النثر، ودراستها دراسة جدية، فهي لم تعد فعلاً طارئاً، أو ظاهرة أدبية عابرة، بل هي فعل إبداعي يستحق الدراسة والمتابعة.

ليست هذه الدعوة الوحيدة، وإنما هناك نقاد وأكاديميون آخرون دعوا إلى مقاربة قصيدة النثر، والتحاور معها، ومع شعرائها بدلاً من ظاهرة الإقصاء والنفي التي يمارسها قياديو المؤسسات الرسمية، وشبه الرسمية.

في الحلقة النقاشية التي عقدت أخيراً في مؤسسة البابطين للإبداع الشعري، قدم الباحث د. موسى ربابعة مداخلة مهمة، استشهد خلالها بثلاثة نصوص من الشعر الموزون، وقصيدتي التفعيلة والنثر. انتهى إلى أن الشعرية يمكن أن تتوافر في هذه النصوص الثلاثة بغض النظر عن شكلها الخارجي أو بنيتها الإيقاعية، وألمح كذلك ربابعة إلى أن قصيدة النثر تتميز بالرؤية الشعرية المفتوحة. هذه المقولة يمكن أن تصدر من عشرات النقاد على امتداد الوطن العربي، ولكن اللافت أن يقولها أحد الأكاديميين ضمن فعالية تنظمها مؤسسة البابطين، وهي المؤسسة التي لا تبدي حتى الآن أي اعتراف بقصيدة النثر أو بشعرائها، بل هي (قصيدة النثر) في نظر القائمين على المؤسسة «كلام غير موزون، ليس له علاقة بالشعر».

السؤال الذي يداهمنا الآن، إلى متى يمكن أن تستمر مؤسسة البابطين في مقاطعة ظاهرة شعرية مضى على وجودها أكثر من نصف قرن، ويكتب بها أغلب الشعراء العرب المعاصرين. ألم يحن الوقت لدراسة هذا الشكل الشعري أو التحاور معه على أقل تقدير؟ وبالنظر إلى الناحية التاريخية نجد مؤسسة البابطين انطلقت في عام 1989، في حين ان ديوان «حزن في ضوء القمر» للشاعر محمد الماغوط صدر في عام 1959، أي قبل انطلاق المؤسسة بثلاثين عاماً، وكذلك صدر ديوان أنسي الحاج «لن» في عام 1960. وأصدر بسام حجار «مشاغل رجل هادئ جداً» أوائل الثمانينيات، أي قبل انطلاق المؤسسة بتسعة أعوام، وبين هذا وذاك صدرت عشرات الدواوين، وكثير منها يحمل تجربة مميزة في قصيدة النثر تستحق الدراسة والمتابعة.

تقيم مؤسسة البابطين دورات شعرية باسم الشعراء العرب، ومنها دورة «أبو القاسم الشابي، الأخطل الصغير وأبوفراس الحمداني»، ألم يحن الوقت بعد لإقامة دورة خاصة بقصيدة النثر، يتم من خلالها استضافة النقاد العرب لدراسة هذا الشكل الشعري، واستخلاص خصائصه ومميزاته، ليس من أجل تأطيره، أو وضع قوانين له، فقصيدة النثر كيان متمرد تصعب قولبته، ولكن من أجل دراسة فوضاها وتمردها وأشكالها غير المستقرة.

ليس خافياً أن قصيدة النثر تضع الدارسين العرب ومعهم المؤسسات الرسمية في حرج شديد لا سيما من حيث مضمونها، فهي تتقاطع وتتداخل مع المناطق المحرمة في إرث الثقافة العربية، وكثير من شعرائها متمردون لا يخضعون للأعراف المجتمعية المستقرة، وذلك أمر يجعل من الصعب دراستها تحت سقف المؤسسات العربية، ذلك عدا عن كونها شكلا هلاميا لم يستقر بعد على هيئة معينة.

دراسة المستقر الثابت أمر سهل للغاية، ولكن الصعوبة تكمن في مقاربة الهلامي المتحول، غير المستقر، وهنا مكمن التحدي، وبرأيي أن مؤسسة البابطين بها من الإمكانات المادية والبشرية ما يجعلها تتجاوز هذه النقاط المشار إليها، وتعقد دورة لمقاربة قصيدة النثر واستكشاف كيانها ووجودها المستعصي على الدراسة.

back to top