الترجمة وحوار الثقافات في القاهرة
أكد المؤتمر الدولي «الترجمة وحوار الثقافات» في القاهرة على ضرورة وضع خارطة عربية لتبيان حالة حركة الترجمة والتعرّف على معوقاتها. وتحدث في المؤتمر، الذي نظمه «اتحاد الكتاب المصري»، علماء ومفكرون وباحثون من دول مختلفة، مستعرضين حركة الترجمة جغرافياً وتاريخاً.
قالت أستاذة الأدب الروسي د. مكارم الغمري إن بداية الاهتمام بترجمة النثر العربي إلى الروسية تعود إلى نهاية القرن الثامن عشر، حينما ترجمت رائعة الأدب العربي «ألف ليلة وليلة» التي لاقت نجاحاً كبيراً تؤكده إعادة نشرها أربع مرات على مدار 40 عاماً.وأكدت الغمري أن ثمة علاقة وثيقة بين الترجمة وحوار الحضارات، قائلة: «كانت الترجمة بمثابة الجسور التي تربط بين الحضارات، خصوصاً في الظروف الراهنة التي نحتاج فيها إلى تحسين صورتنا لدى الآخر بعد أن شابها التشويه، فالترجمة الأدبية وسيلة مهمة للتعرّف على الآخر، وهو ما تعكسه حالة التواصل الثقافي والحضاري العربي – الروسي».عبريةبدوره قال الأستاذ في كلية الدراسات الإنسانية في جامعة الأزهر د. محمد أبو غدير: «كان الإعلان عن قيام دولة إسرائيل نقطة انطلاق واسعة لحركة الترجمة العبرية من العربية بسبب الظروف التي واكبت الإعلان عن قيام هذه الدولة والمجابهات العسكرية والسياسية التي كان عليها أن تخوضها مع الأمة العربية».وأضاف أبو غدير أن إسرائيل لم تقتصر على ترجمة الكتابات العربية ذات الطابع الأدبي أو التاريخي فحسب، بل امتد اهتمامها إلى ترجمات عسكرية اقتصادية واجتماعية لتكمل منظومة معرفتها بالعالم العربي وتوجهاته من خلال كتاباته المختلفة، وهو الأمر الذي دفع المترجمة الإسرائيلية حانا عميت كوخافي الى القول إن «الرغبة في معرفة توجهات العالم العربي كانت ولا تزال من دوافع الترجمة العبرية من العربية منذ بداية ظهور الحركة الصهيونية وإلى قيام إسرائيل».وأكد أبو غدير أنه منذ دخول الأحزاب السياسية الدينية والعلمانية في إسرائيل إلى مجال الترجمة حدثت نقلة نوعيّة وكميّة في تلك الترجمات أدّت إلى إصدار دوريات وكتب حول العقل العربي}.وانتقد أبو غدير ضعف ترجمة لغات العالم إلى العربية والاكتفاء بحركة ترجمة من اتجاه واحد، أي من لغات العالم إلى العربية، وهو ما لا يتساوى بما تنتجه إسرائيل من ترجمة الأدب العربي.إيران تتبّع الأستاذ في جامعة الازهر د. محمد نور الدين حركة الترجمة التي قامت بها دولة إيران من الأدب العربي، قائلاً: «منذ دخول الإيرانيين الدين الإسلامي واعتماد الخلفاء العباسيين عليهم في تصريف أمور دولة الإسلام أنتجوا كتباً أدبية وعلمية باللغة العربية على يد من اكتسب اللسان العربي منهم، وظل هذا الإنتاج باقياً حتى يومنا هذا في شتى المجالات». في سياق متصل، أكد نور الدين أن دولة إيران تهتم بدراسة الأدب العربي والنقل عنه إلى اللغة الفارسية، وأن دور النشر لديها ما زالت تدفع بين الحين والآخر بترجمات لأدباء وشعراء ومفكرين عرب إلى ساحة القراءة داخل إيران وخارجها، مضيفاً أن الإيرانيين يهتمون بما تنتجه مصر من مؤلفات أدبية وفنيّة، وقد ترجموا من الأدب المصري أعمال أحمد أمين وتوفيق الحكيم وطه حسين والمنفلوطي وعباس العقاد وغيرهم من المفكرين والأدباء. كذلك اهتموا بترجمة الشعر العربي ونقلوا نماذج منه إلى اللغة الفارسية، وتأثروا بنزار قباني ومحمود درويش وغادة السمان...وختم نور الدين محاضرته موضحاً: «طالما بقيت اللغة العربية تعيش بين أبناء إيران وتدرّس في جامعاتهم ومدارسهم، سيظل اهتمام الإيرانيين بالنقل من العربية إلى الفارسية قائماً، وهو ما يستوجب علينا تنشيط حركة الترجمة في العالم العربي لمعرفة نية هذه الدول وتطلعاتها اتجاهنا».وحول دور الترجمة في التواصل بين الأدبين العربي والتركي الحديث قال أستاذ اللغات الشرقية في جامعة عين شمس د. محمد عبد اللطيف هريدي: «تأثير بعض الأحداث التاريخية بين العرب والترك السلبي أظهر سدوداً وحواجز معنوية ومادية بين الشعبين، ثم بين الأدب العربي والتركي في العصر الحديث}. وأضاف هريدي أن حبال التواصل بين العرب والترك انقطعت، إلا من بارقة أمل لاحت في الأفق وجاءت بها الترجمة.أدب الأطفالبدوره أشار الكاتب يعقوب الشاروني في ورقته البحثية «مستقبل ترجمة أدب الأطفال المصري» إلى نشاط الترجمة عن العربية إلى لغات أخرى أوردها المترجم شوقي جلال في كتابه «الترجمة في العالم العربي - الواقع والتحديات»، والتي تتمحور في ترجمة خطب الملوك والرؤساء العرب وسيرهم الذاتية، وفي ترجمة أعمال أدبية من شعر أو تراث أو قصص. وصرّح الكاتب أن بناء جسور التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية بين شعوب العالم لا بد أن يسبقه التعرّف على ثقافات الآخر وتقبلها واحترامها، وهذا يبدأ من خلال ترجمة أدب الأطفال، ما يستوجب على مؤسسات العالم العربي شراء كتب الأطفال الأجنبية وترجمتها الى العربية على يد مترجمين يتمتعون بالخبرة في مجال أدب الطفل الأجنبي.من ناحيته تحدث د. محمد زكريا عناني عن واقع الترجمات العربية عن اللغة الفرنسية، متسائلاً: «باستثناء ترجمات نجيب محفوظ ماذا نقلنا من العربية إلى الفرنسية؟ وماذا عن واقع الترجمات الحكومية في فترة الستينات ومستوى الطباعة والتغليف والتوزيع وقيمة الأعمال الأدبية الفنية ومعايير اختيارها للترجمة؟». في المجال نفسه، استعرض الرئيس السابق لشعبة الترجمة في «اتحاد الكتاب» فاروق عبد الله معوقات الترجمة وقانون حماية الملكية الفكرية، ودور الشعبة والجهود المبذولة بالاتفاق مع أستراليا والجامعة الأميركية في القاهرة في مجال الترجمة، مصرّحاً: «ثمة اتصالات بيننا وبين جهات النشر والترجمة في الدول الغربية وبين المغتربين العرب في أستراليا خصوصاً، وآخرها دعوة موجهة لنا من قسم الترجمة في جامعة الجزائر لحضور مؤتمر دولي في أبريل (نيسان) المقبل بعنوان «الترجمة وتعدد التخصصات».واعتبر الناقد السوري خليل الموسى أن النص المترجم يستمد قوته وحياته وانتشاره في اللغة الثانية والحياة الجديدة من مصدرين:- اسم المؤلف الأصلي، فإذا كان المؤلف عالمياً مثل بوديلر ورامبو وإليوت وشكسبير ولوركا وغيرهم استرعى اهتمام القراء. ومن هنا يختار المترجمون النص الذي يتصدر قائمة المبيعات والنقد في بيئته.- اسم المترجم، فإذا كان الأخير معروفاً في بيئته بالترجمة أو سواها استرعى اهتمام القراء. مثلاً عندما ترجم نقولا فياض «البحيرة» للامارتين وعندما ترجم أدونيس أعمال سان جون بريس الشعرية كان الاختيار موفقاً، فالشاعران الفرنسيان معروفان عالمياً وفي الثقافة العربية قبل قيام هذا وذاك بالترجمة.وأضاف الناقد وأستاذ الأدب الأسباني الدكتور حامد أبو أحمد أن الفترة الأخيرة شهدت ازدهاراً في الكتب العربية المترجمة إلى اللغة الإسبانية، تواكب مع الازدهار في مجال الاستشراق، فقد ظهر مستشرقون كثيرون في إسبانيا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين ومنهم ميجيل أسين بلاثيوس الذي خصص حياته لدراسة الثقافة الإسلامية من خلال تجلياتها الروحية في إسبانيا.